تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[جوف]:

صفحة 123 - الجزء 12

  اليَمَامَةِ إلَى المَدِينَةِ، ويُقَالُ له أَيضاً: ضِلَعُ الجَنَفَاءِ، وأَيضاً: مَوْضِعٌ آخَرُ بَيْن فَيْدٍ وخَيْبَرَ، وهذا لا يَمْنَعُ أَن يكونَ هناك مَاءٌ لِفَزَارَةَ، فتَأَمَّلْ ذلك، وقال ابنُ شِهَابٍ: كانَتْ بنو فَزَارَةَ مِمِّنْ قَدِمَ علَى أَهلِ خَيْبَرَ لِيُعِينُوهُم، فرَاسَلَهُم رسولُ الله ، وسَأَلَهم أَنْ يَخْرُجُوا عنهم، ولَهُم مِن خَيْبَرَ كذا وكذا، فأَبَوْا، فلَمَّا فَتَح الله خَيْبَرَ، أَتَاهُ مَنْ كانَ هُنَاك مِن بَنِي فَزَارَةَ، فقالوا: حَظَّنَا والذي وَعَدْتَنَا، فقَالَ لهُمْ رسولُ الله : «حَظُّكُمْ ذُو الرُّقَيْبَةِ»: جَبَلٌ مُطِلٌّ عَلَى خَيْبَرَ، فقالُوا: إذَنْ نُقاتِلُكُم، فقَالَ: «مَوْعِدُكُمْ جَنْفَاءُ»⁣(⁣١) فلمَّا سَمِعُوا ذلِكَ خَرَجُوا هَارِبَيْن، وقال زَبَّانُ بنُ سَيَّارٍ الفَزَارِيُّ:

  رَحَلْتُ إلَيْكَ مِنْ جَنَفَاءَ حَتَّى ... أَنَخْتُ فِنَاءَ بَيْتِكَ بِالْمَطَالِي

  وقال ضَمْرَةُ بنُ ضَمْرَةَ:

  كأَنَّهُمُ عَلَى جَنْفَاءَ خُشْبٌ ... مُصَرَّعَةٌ أُخَنِّعُها بفَأْسِ

  وأَجْنَفَ الرَّجُلُ: عَدَلَ عَن الْحَقِّ، وَمالَ عَلَيه في الحُكْمِ والخُصُومَة، وهذا قد تَقَدَّم، فذِكْرُه ثانياً تَكْرارٌ.

  وأَجْنَفَ فُلانًا: صَادَفَهُ جَنِفاً، ككَتِفٍ، في حُكْمِهِ.

  وتَجَانَفَ عن طَرِيقِه: تَمَايَلَ، وَتَجَانَفَ إلَى الشَّيْءِ كذلِكَ، ومنه قوْلُه تعالَى: {غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ}⁣(⁣٢)، أي: مُتَمَايِلٍ مُتَعَمِّدٍ، قال الأَعْشَى:

  تَجَانَفُ عَنْ جَوِّ الْيَمَامَةِ نَاقَتِي ... ومَا عَدَلَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسِوَائِكَا

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عَليه:

  الجَنَفُ، مُحَرَّكةً: جَمْعُ جَانِفٍ، كرَائِحٍ ورَوَحٍ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ أَبي العِيَالِ الهُذَلِيِّ:

  هَلَّا دَرَأْتَ الْخَصْمَ حِينَ رَأَيْتَهُمْ ... جَنَفاً عَلَيَّ بِأَلْسُنٍ وعُيُونِ؟⁣(⁣٣)

  ويجوزُ أن يكونَ علَى حَذْفِ مُضَافٍ، كأَنَّه قال: ذَوِي جَنَفٍ، وعَلَيه اقْتَصَرَ السُّكَّرِيُّ في شَرح الديوان. وأَجْنَفَ الرجُلُ: جاءَ بالجَنَفِ، كما يُقَال: أَلَامَ، أي أَتَى بما يُلامُ عَلَيه، وأَخَسَّ أَتى بخَسِيسٍ، نَقَلَه الجوهَرِيّ، وبه فُسِّرَ قَوْلُ أَبِي كَبِيرٍ السَّابِقُ ذِكْرُه.

  وذَكَرٌ أَجْنَفُ، وهو كالسَّدَلِ.

  وقَدَحٌ أَجْنَفُ: ضَخْمٌ، قال عَدِيُّ بنُ الرِّقَاعِ:

  ويَكِرُّ الْعَبْدَانِ بِالْمِحْلَبِ الْأَجْ ... نَفِ فيهَا حَتَّى يَمُجَّ السِّقَاءُ

  ويُقالُ: بَعِيرٌ جِنِفَّى العُنُقِ أي شَدِيدُه⁣(⁣٤)، هكذا وجدتُ هذا الحَرْفَ في هَامِش كتاب الجَوْهَرِيِّ، والصوابُ: خِنِفَّى، بالخاءِ، كما سيَأْتِي.

  [جوف]: الْجَوْفُ: المُطْمَئنُّ المُتَّسِعُ من الْأَرْضِ، الذي صار كالجَوْفِ، وهو أَوْسَعُ من الشِّعْبِ، تَسِيلُ فيه التِّلَاعُ والْأَدْوِيَةُ، وله جِرَفَةٌ، وربما كان أَوْسَعَ من الوَادي وأَقْعَرَ، ورُبَّما كان سَهْلاً يُمْسِكُ الماءَ، وربما كان قَاعاً مُسْتَدِيرًا فأَمْسَكَ الماءَ، وقالَ ابنُ الْأَعْرَابِيِّ: الجَوْفُ: الوَادِي، يُقَال: جَوْفٌ لَاخٌّ: إذا كان عَميقًا، وجَوْفٌ جِلْوَاحٌ: وَاسِعٌ، وجَوْفٌ زَقَبٌ: ضَيِّقٌ.

  والجَوْفُ مِنْكَ: بَطْنُكَ مَعْرُوفٌ، قال ابنُ سِيدَه: هو بَاطِنُ البَطْنِ، والجَوْفُ أَيضا: ما انْطَبَقَتْ عَلَيه الكَتِفَانِ والعَضُدَانِ والأَضْلاعُ والصُّقْلانِ، والجَمْعُ: الْأَجْوُفُ، وفي الحدِيثِ: «وأَنْ⁣(⁣٥) لا تَنْسَوُا الجَوْفَ ومَا وَعَى»، المُرَادُ به الحَضُّ علَى الحَلالِ مِن الرِّزْقِ، وقال سِيبَوَيْه: الجَوْفُ: مِن الأَلْفَاظِ التي لا تُسْتَعْمَلُ ظَرْفاً إلَّا بالحُرُوفِ، لأَنَّه صارَ مُخْتَصَّا كالْيَدِ والرِّجْلِ.

  والجَوْفُ: ع بنَاحِيَةِ عُمَانَ وفي الصِّحاحِ: الجَوْفُ: اسْمُ وَادٍ بأَرْضِ عَادٍ فيهِ ماءٌ وشَجَرٌ، حَمَاهُ رَجُلٌ اسْمُهُ حَمَارٌ، وَكان له بَنُونَ، فأَصَابَتْهُم صَاعِقَةٌ، فمَاتُوا، فكفَرَ كُفْرًا عَظِيماً، وقَتَلَ كلَّ مَن مَرَّ به مِن النَّاسِ⁣(⁣٦)، فأَقْبَلَتْ نَارٌ مِن أَسْفَلِ الجَوْفِ فَأَحْرَقَتْهُ ومَنْ فِيهِ، وغَاضَ مَاؤُه، فضَرَبَتِ العربُ به المَثَلَ، فقالُوا: «أَكْفَرُ مِن


(١) ضبطت عن النهاية، وضبطها ياقوت هنا بالتحريك.

(٢) سورة المائدة الآية ٣.

(٣) ديوان الهذليين ٢/ ٢٦٠ برواية: «جنفوا عليّ» والمثبت كرواية اللسان.

(٤) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «سريعه».

(٥) في التهذيب والنهاية واللسان: «لا تنسوا» بدون «وأن».

(٦) في الصحاح: من المسلمين.