فصل السين المهملة مع الفاء
  قال أَلا تَرَى أَنَّك سَوَّفْتَهُ(١)، إذا قلتَ له مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ: سوف أَفْعَلُ، ولا يُفْصَلُ بينَهَا وبينَ أَفْعَلُ، لأَنَّهَا بمَنْزِلَةِ السِّينِ في سَيَفْعَلُ، وقال ابنُ دُرَيْدٍ: سوف: كلمةٌ تُسْتَعْمَلُ في التَّهْدِيدِ، والْوَعِيدِ، والْوَعْدِ، فإِذا شِئْتَ أَنْ تَجْعَلَهَا اسْماً نَوَّنْتَهَا، وَأَنْشَدَ:
  إنَّ سَوْفاً وإنَّ لَيْتاً عَنَاءُ
  وَيُرْوَى:
  إنَّ لَوًّا وإنَّ لَيْتاً عَنَاءُ.
  فنَوَّنَ إِذْ جَعَلَهُمَا اسْمَيْن، قال الصَّاغَانِيُّ: الشِّعْرُ لأَبِي زُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، وسِياقُهُ:
  لَيْتَ شِعْرِي وأَيْنَ مِنّيَ لَيْتٌ ... إنَّ لَيْتاً وإنَّ لوًّا عَنَاءُ
  وَليس في رِوَايَةٍ مِن الرِّوايَاتِ: «إنَّ سَوْفاً»(٢).
  ثم قال ابنُ دُرَيْدٍ: وذكَر أصْحابُ الخَلِيلِ، عنه، أَنَّه قال لأَبي الدُّقَيْشِ: هل لَكَ في الرُّطَبِ؟ قال: أَسْرَعُ هَلٍّ، فجَعَلَهُ اسْماً، ونَوَّنَهُ، قال: والبَصْرِيُونَ يَدْفَعُون هذا.
  ومِن المَجَازِ: يُقَال: فُلَانٌ يَقْتَاتُ السَّوْفَ، أيْ: يَعِيشُ بِالْأَمَانِيِّ، وَكذلك قَوْلُهُم: وما قُوتُه إِلَّا السَّوْفُ، كما في الأَساسِ(٣).
  والفَيْلَسُوفُ: كلمةٌ يُونَانِيَّةٌ، أيْ: مُحِبُّ الْحِكْمَةِ، أَصْلُهُ فَيْلَا سُوفَا، وفَيْلَا: هُو الْمُحِبُّ، وسُوفَا: وهو الْحِكْمَةُ، وَالاسْمُ، منه الْفَلْسَفَةُ، مُرَكَّبَةً، كَالْحَوْقَلَةِ، وَالحَمْدَلَةِ وَالسَّبْحَلَةِ(٤)، كما في العُبَابِ.
  وأَسَافَ الرَّجُلُ، إِسَافَةٍ: هَلَكَ مَالُهُ، فهو مُسِيفٌ، كما في الصِّحاحِ، وهو قَوْلُ ابنِ السِّكِّيتِ.
  وَقال غيرُه: أَسافَ الرَّجُلُ: وَقَعَ في مَالِهِ السَّوَافُ، قال طُفَيْلٌ:
  فَأَبَّلَ واسْتَرْخَى بِهِ الْخَطْبُ بَعْدَ مَا ... أَسَافَ ولَوْلَا سَعْيُنَا لم يُؤَبَّلِ
  وَفي حديثِ الدُّؤَلِيِّ(٥): «وقَفَ عليَّ أَعْرَابِيُّ، فقَالَ: «أَكَلَنِي الفَقْرُ، ورَدَّنِي الدَّهْرُ ضَعِيفاً مُسِيفاً».
  وقال أَبو عُبَيْدٍ: أَساف الْخَارِزُ، إِسافَةً: أَثَأَى، فَانْخَرَمَتِ الْخُرْزَتَانِ.
  وَأَسَافَ الخَرْزَ: خَرَمَهُ، قال الرَّاعِي:
  كأَنَّ العُيُونَ المُرْسِلَاتِ عَشِيَّةً ... شَآبِيبَ دَمْعٍ لم يَجِدْ مُتَرَدَّدَا
  مَزَائِدُ خَرْقَاءِ الْيَدَيْنِ مُسِيفَةٍ ... أَخَبَّ بِهِنَّ الْمُخْلِفَانِ وأَحْفَدَا(٦)
  وقال ابنُ عَبَّادٍ: أَسَافَ الْوَالِدَانِ، إذا مَاتَ وَلَدُهُمَا، فَالوَلَدُ مُسَافٌ، وأَبُوهُ مُسِيفٌ، وأُمُّهُ مِسْيَافٌ وفي المثلِ: «أَسَافَ حتى مَا يَشْتَكِي السَّوَافَ،» قال الجَوْهَرِيُّ: يُضْرَبُ لِمَنْ تَعَوَّدَ الْحَوَادِثَ، نَعُوذُ بالله مِنْ ذلِك، وأَنْشَدَ لِحُمَيْدِ بنِ ثَوْرٍ:
  فَيَا لَهُمَا مِنْ مُرْسَلَيْنِ لِحَاجَةٍ ... أَسَافَا مِنَ الْمَالِ التِّلَادَ وأَعْدَمَا
  وَفي الأَسَاسِ: لِمَنْ مَرَنَ(٧) علَى الشَّدَائِدِ، ويُقَال: «أَصْبَرُ علَى السَّوافِ مِن ثَالِثَةِ الأَثَافِ».
  وسَوَّفْتُهُ، تَسْوِيفاً: مَطَلْتُهُ، وَذلك إذا قلتَ: سوفَ أَفْعَلُ، قال ابنُ جِنِّي: وهذا كما ترى مُأْخُوذٌ مِن الحَرْفِ، وفي شَرْحِ نهجِ البَلاغَةِ لابْنِ أَبي الحَدِيدِ، أنَّ أَكْثَرَ ما يُسْتَعْمَلُ التَّسْوِيفُ للوَعْدِ الذي لا إِنْجَازَ له، نَقَلَهُ شَيْخُنَا.
  وحكَى أَبو زَيْدٍ: سَوَّفْتُ فُلَانًا أَمْرِي: أي مَلَّكْتُهُ إِيَّاهُ، وَحَكَّمْتُهُ فيه يَصْنَعُ ما يشاءُ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وكذلك: سَوَّمْتُهُ.
  وقال ابنُ عَبَّادٍ: رَكِيَّةٌ مُسَوِّفَةٌ، كَمُحَدِّثَةٌ، أي يُقَالُ:
(١) عن الصحاح واللسان وبالأصل «شوقته».
(٢) وردت الرواية في الجمهرة ٣/ ٤٠ وفيها: ويروى: «إن لوًّا».
(٣) وشاهده، كما في الأساس، قول الكميت:
وَكان السوف للفتيان قوتاً ... تعيش به وهنّئت الرقوبُ
(٤) كلمات منحوتة من: لا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله وسبحان الله.
(٥) عن اللسان وبالأصل «الديلي».
(٦) البيتان في ديوانه ص ٨٨ ط بيروت، وانظر تخريجهما فيه، وفي الديوان: «لم تجد» بدل «لم يجد».
(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: لمن مرن، أي يضرب المثل لمن مرن» جاء في الأساس بعد ذكره المثل: أساف حتى ما يشتكي السواف.