تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[شعف]:

صفحة 306 - الجزء 12

  والحُبُّ الشَّدِيدُ يتمكنُ من سَوادِ القَلْبِ، لا مِنْ طَرَفِهِ.

  وشَعِفْتُ بِهِ، وبِحُبِّهِ، كَفَرِحَ: أيْ غَشَّى الْحُبُّ القَلْبَ مِن فَوْقِهِ، وقُرِئَ بِهِمَا، أي بالفَتْحِ والكَسْرِ، قَوْلُه تعالَى: {قَد شَعَفَهَا حُبًّا}⁣(⁣١)، أَمَّا الفَتْحُ فهي قراءَةُ الحسنِ البَصْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وأَبو رَجَاءٍ⁣(⁣٢)، والشَّعْبِيِّ، وسعيدِ بن جُبَيْرٍ، وثابتٍ البُنَانِيِّ، ومُجَاهِدٍ، والزُّهْرِيِّ، والأَعْرَجِ، وابنِ كَثِيرٍ، وابنِ مُحَيْصِنٍ، وعَوْفِ بن أَبِي جَمِيلَةَ، ومحمدٍ اليَمَانِيِّ، وَيَزِيدَ⁣(⁣٣) بنِ قُطَيْبٍ، وعلَى الأَوَّلِ اقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ، وقال: أي بَطَنَهَا حُبًّا، قال أبو زَيْدٍ: أي أَمْرَضَهَا وأذابَهَا، وأَمَّا الكَسْرُ، فقد قَرَأَ به ثَابِتٌ البُنَانِيُّ أَيضاً، بمَعْنَى عَلِقَهَا حُبًّا وَعِشْقًا.

  والشَّعَفُ، مُحَرَّكَةً: أَعْلَى السَّنَامِ، زادَ اللَّيْثُ: كرُؤُوسِ الكَمْأَةِ، والأَثَافيِّ المُسْتَدِيرَةِ في أَعالِيهَا، قال العَجَّاجُ:

  فَاطَّرَقَتْ إِلَّا ثَلاثاً عُكَّفَا ... دَوَاخِساً في الْأَرْضِ إِلَّا شَعَفَا

  وقال بعضُهم: الشَّعَفُ: قِشْرُ شَجَرِ الْغَافِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّه بالغَيْنِ المُعْجَمَةِ، نَبَّهَ عَلَيه الصَّاغَانِيُّ.

  وقال اللَّيْثُ: الشَّعَفُ: دَاءٌ يُصِيبُ النَّاقَةَ، فَيَتَمَعَّطُ شَعَرُ عَيْنَيْهَا، والْفِعْلُ شَعِفَ، كَفَرِحَ، شَعَفاً، فهي تَشْعَفُ، وناقَةٌ شَعْفَاءُ، خَاصٌّ بِالْإِنَاثِ، ولَا يُقَالُ: جَمَلٌ أَشْعَفُ، أو يُقَالُ: هو بِالسِّينِ المُهْمَلَةِ⁣(⁣٤)، قَالَهُ غيرُ اللَّيْثِ، وقد تقدَّم للجَوْهَرِيِّ هناك.

  ورَجُلٌ صَهْبُ الشِّعَافِ، كَكِتَابٍ: أي صَهْبُ شَعَرِ الرَّأْسِ، واحدُهَا شَعَفَةٌ، وقد تقدَّم، وقد جاءَ ذلك في حديثِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، فقَالَ: «عِرَاضُ الوُجُوهِ، صِغَارُ العُيُونِ، صُهْبُ الشِّعَافِ، (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)».

  ومَا علَى رَأْسِهِ إِلَّا شُعَيْفَاتٌ: أي شُعَيْرَاتٌ مِن الذُّؤَابَةِ، وَقال رجلٌ: «ضَرَبَني عُمَرُ رضي الله تَعَالَى عنه، فسقَط البُرْنُسُ عن رَأْسِي» فأَغاثني الله بِشُعَيفتين في رأْسي أي: ذُؤَابَتَيْن وَقَتَاهُ الضَّرُبَ. وشَعَفَ الْبَعِيرَ بالقَطِرَانِ، كَمَنَعَ، شَعْفَةً: أي طَلَاهُ بِهِ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، ومنه قَوْلُ امْرِيءِ القَيْسِ:

  لِيَقْتُلَنِي وقد شَعَفْتُ فُؤَادَهَا ... كَمَا شَعَفَ المَهْنُوءَةَ الرَّجُلُ الطَّالِي⁣(⁣٥)

  وَيُرْوَى: «قَطَرْتُ فُؤَادَهَا كما قَطَرَ» وقال أبو عليٍّ القَالِي: إنَّ المَهْنُوءَةَ تَجِدُ لِلْهِنَاءِ لَذَّةً مع حُرْقَةٍ.

  وشَعَفَ هذا الْيَبِيسُ: أي نَبَتَ فيهِ أَخْضَرُ، هكذا قَالَهُ بَعْضُهُم، أَو الصَّوَابُ بِالْمُعْجَمَةِ، نَبَّهَ عَلَيه الصَّاغَانِيُّ.

  والْمَشْعُوفُ: الْمَجْنونُ، في لُغَةِ أَهلِ هَجَرَ.

  وأَيضاً مَن أُصِيبَ شَعَفَةُ قَلْبِهِ، أي رَأْسُه عِنْدَ مُعَلَّقِ النِّيَاطِ، بِحُبٍّ، أو ذُعْرٍ، أو جُنُونٍ، وَمنه الحديثُ: «أَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فِبِي تُفْتَنُونَ، وعَنِّي تُسْأَلُون، فَإذا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحاً أُجْلِسَ⁣(⁣٦) في قَبْرِهِ غَيْرَ فَزِعٍ، ولا مَشْعُوفٍ».

  والشُّعَافُ، كَغُرَابٍ: الْجُنُونُ، وَمنه المَشْعُوفُ، قال جَنْدَلٌ:

  وغَيْر عَدْوَى مِنْ شُعَافٍ وحَبَنْ⁣(⁣٧)

  وشَعْفَانِ، بكَسْرِ النُّونِ: جَبَلانِ بِالْغَوْرِ، ومنه الْمَثَلُ: «لكِنْ بِشَعْفَيْنِ أَنْتِ جَدُودٌ»، وقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ: شَعْفِينَ، بِكَسْرِ الْفَاءِ، غَلَطٌ، وَنَصُّهُ في الصِّحَاحِ: وشَعْفَيْنِ: مَوْضِعٌ، وفي المَثَلِ: «لكِنْ بشَعْفَيْنِ كُنْتِ جَدُوداً»، قَالَهُ رَجُلٌ الْتَقَطَ مَنْبُوذَةً، فَرَآهَا يَوْماً تُلَاعِبُ أَتْرَابَهَا، وتَمْشِي علَى أَرْبَعٍ، وتَقُولُ: احْلُبُونِي، فإِنِّي خَلِفَةٌ جَدُودٌ، أيْ: أَتَانٌ، وَقد تقدَّم في «ج د د» وفي التَّكْمِلَةِ: ومُرْسِلُ المَثَلِ عُرْوَةُ بنُ الوَرْدِ، يُضْرَبُ لمَن نَشَأَ في ضُرٍّ فيَرْتَفِعُ⁣(⁣٨) عنه.

  وَفي المُسْتَقْصَى: يُضْرَبُ لمَن أَخْصَبَ بعدَ هُزَالٍ، ونَسِيَ


(١) سورة يوسف الآية ٣٠.

(٢) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «ابن رجاء».

(٣) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «زيد».

(٤) قال الصاغاني في التكملة: وهو أجود.

(٥) ديوانه ط بيروت ص ١٤٢ برواية:

أيقسلني أني شغفت فؤادها ... كما شغف

بالغين المعجمة، وفسر شغفت: أصبت شغاف قلبها، يعني غلافه، وَالمهنوءة المطلية بالقطران، وأراد بها الناقة.

(٦) الأصل والنهاية، وفي اللسان: جلس.

(٧) التكملة برواية:

قرح وأدواء شعافٍ وحبن

وَيروى: «شَغافٍ» والحبن: الماء الأصفر، عن التهذيب.

(٨) في التكملة: ثم يرتفعُ عنه فيبطرُ.