تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[كيف]:

صفحة 474 - الجزء 12

  وفي الارْتِشافِ: كَيْفَ: يكونُ اسْتِفْهاماً، وهي لتَعْمِيم الأَحْوالِ، وإذا تَعَلَّقَت بجمْلَتَيْنِ، فقالُوا: يكونُ للمُجازاةِ من حَيْثُ المَعْنَى لا مِنْ حَيْثُ العَمَل، وقَصُرت عن أَدَواتِ الشَّرْطِ بكَوْنِها لا يَكُونُ الفِعلانِ مَعَها إِلا مُتَّفِقَيْنِ نحو: كيفَ تَجْلِسُ أَجلِسُ.

  وَقالَ شَيْخُنا: كَيْفَ: إِنما تُسْتَعْمَلُ شَرْطاً عند الكُوفِيِّينَ، وَلم يَذْكُرُوا لها مِثالاً، واشْتَرَطُوا لها - مع ما ذَكَر المُصنِّفُ - أَن يَقْتَرِنَ بها «ما» فيُقالُ: كَيْفَما، وأَمّا مُجَرَّدةً فلم يَقُل أَحَدٌ بشَرْطِيَّتِها، ومن قالَ بشَرْطِيَّتِها - وهم الكُوفِيُّون - يَجْزِمُونَ بها، كما في مَبادِئ العَرَبِيَّةِ، ففي كلامِ المُصَنِّفِ نَظَرٌ من وَجُوهٍ.

  قلتُ: وهذا الَّذِي أَشارَ له شَيْخُنا فقد ذَكَرَه الجوهريُّ حيثُ قالَ: وإذا ضَمَمْتَ إِليه «ما» صَحَّ أَن يُجازَى به تَقُولُ: كَيْفَما تَفْعَلْ أَفْعَلْ.

  وَقالَ ابنُ بَرِّيّ: لا يُجازَى بكَيْفَ، ولا بِكَيْفَما عندَ البَصْرِيِّينَ، ومِنَ الكُوفِيِّينَ من يُجازِي بكَيْفَما، فتأَمَّلْ هذا مع كلامِ شَيْخِنا.

  وَقال سِيبَوَيْه⁣(⁣١): إنَّ كَيْفَ: ظَرْفٌ.

  وَعن السِّيرافيّ، والأَخْفَش: لا يَجُوزُ ذلِك أي، أَنَّها اسمٌ غيرُ ظَرْفٍ.

  وَرَتَّبُوا على هذا الخِلافِ أُمورًا: أَحدُها: أنَّ موضِعَها عندَ سِيبَوَيْهِ نَصْبٌ [دائماً]⁣(⁣٢)، وَعندَهُما رَفْعٌ مع المُبْتَدإِ، نَصْبٌ مع غيرِه.

  الثاني: أنَّ تَقْدِيرَها عندَ سِيبَوَيْهِ في أيِّ حالٍ، أو عَلَى أيِّ حالٍ، وعِنْدَهُما تَقْدِيرُها في نحو: كَيْفَ زَيْدٌ؟ أَصَحِيحٌ، ونحوُه، وفي نحو: كَيْفَ جاءَ زَيْدٌ؟ راكِباً جاءَ زَيْدٌ، ونَحْوه.

  الثالث: أنَّ الجَوابَ المُطابِقَ عندَ سِيبَوَيْهِ: على خَيْرٍ، وَنَحْوه⁣(⁣٣)، وعندَهُما: صَحِيحٌ، أو سَقِيمٌ، ونحوه. وقال ابنُ مالِكٍ: صَدَقَ الأَخْفَشُ والسِّيرافيُّ، لم يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ كَيْفَ ظَرْفٌ؛ إِذ لَيْسَ زَمانًا ولا مَكانًا، نَعَم لمّا كانَ يُفَسَّرُ بقَوْلِكَ: على أيِّ حالٍ - لكَوْنِه سُؤالاً عن الأَحْوالِ العَامَّةِ - سُمِّيَ ظَرْفاً لأَنَّها في تَأْوِيلِ الجارِّ والمَجْرُورِ، وَاسمُ الظَّرفِ يُطْلَقُ عَلَيْهما⁣(⁣٤) مَجازاً.

  وَفي الارتِشافِ: سِيبَوَيْه يَقُول: يُجازَى بكَيْفَ، والخَلِيلُ يَقُول: الجَزاءُ بِهِ مُسْتَكْرَهٌ، وقال الزَّجّاجُ: وكُلُّ ما أَخْبَر الله تَعالَى عن نَفْسِه بلَفْظِ كيفَ، فهو اسْتِخبارٌ على طَرِيقِ التّنْبِيهِ للمُخاطَبِ، أو تَوْبِيخٌ، كما تَقَدَّمَ في الآيةِ.

  قال ابنُ مالِكٍ: ولا تَكُونُ عاطِفَةً، كما زَعَمَ بعضُهم⁣(⁣٥) مُحْتَجًّا بقَوْلِه أي الشاعر:

  إِذا قَلَّ مالُ المَرْءِ لانَتْ قَناتُه ... وَهانَ على الأَدْنَى فكَيْفَ الأَباعِدِ؟⁣(⁣٦)

  لاقْتِرانِه بالفاءِ ونَصُّ ابنِ مالكٍ: ودُخُولُ الفاءِ عليها يَزِيدُ خَطَأَه وُضُوحاً ولأَنَّه هُنا اسمٌ مَرْفُوعُ المَحَلِّ عَلَى الخَبَرِيَّةِ ثم إنَّ المصنِّفَ يستَعْمِلُ كيفَ مُذَكَّرًا تارَةً، ومُؤَنّثاً أُخْرَى، وهما جائِزانِ، فقَالَ اللِّحْيانِيُّ: كيفَ مُؤَنَّثَةٌ، فإِذا ذُكِّرَتْ جازَ.

  والكِيفَةُ، بالكسرِ: الكِسْفَةُ من الثَّوْبِ قالَه اللِّحْيانِيُّ.

  والخِرْقَةُ التي تَرْقَعُ بها ذَيْلَ القَمِيصِ من قُدّامُ: كِيفةٌ وما كانَ مِنْ خَلْفُ فحِيفَةٌ عن أَبي عَمْرٍو، وقد ذُكِرَ في مَوْضِعِه.

  وقال الفَرّاءُ: يقالُ: كَيْفَ لِي بفُلانٍ؟ فتَقُول: كُلُّ الكَيْفِ، والكَيْفَ، بالجَرِّ والنَّصْبِ.

  وَحِصْنُ كِيفى⁣(⁣٧)، كضِيزَى: قَلْعَةٌ حَصِينَةٌ شاهِقَةٌ بينَ آمِدَ وَجَزِيرَةِ ابنِ عُمَرَ وفي تاريخ ابنِ خِلِّكان: بَيْنَ مَيَّافارِقِينَ وَجَزِيرةِ ابنِ عُمَرَ. قلتُ: والنِّسْبَةُ إِليه: الحَصْكَفيُّ.

  وَقال اللِّحْيانِيّ: كَوَّفَ الأَدِيمَ وكَيَّفَهُ: إذا قَطَعَه من الكَيْفِ، والكَوْفِ.


(١) انظر في المغني ص ٢٧٢.

(٢) زيادة عن المغني.

(٣) ثمة سقط في العبارة اضطرب معه المعنى، وتمامها من المغني: «ونحوه، وَلهذا قال رؤبة، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ خير عافاك الله، أي على خير، فحذف الجار وأبقى عمله، فإن أجيب على المعنى دون اللفظ قيل صحيح أو سقيم. وعندهما على العكس، وقال ابن مالك ...

(٤) عن المغني وبالأصل «عليه».

(٥) ممن قال أن كيف تأتي عاطفة عيسى بن موهب، ذكره في كتاب العلل، انظر المغني.

(٦) المغني لابن هشام ص ٢٧٣.

(٧) قيدها ياقوت: حصن كَيْفا، قال: ويقال: كَيْبا، وأظنها أرمنية.