تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[بندق]:

صفحة 49 - الجزء 13

  حُبِّها» وأَرادَ بالأَطْفالِ والأَبْناءِ: الأَحْزانَ المُتَوَلِّدَةَ، عن الحُبِّ قال ابنُ بَرِّيّ: وقولُ المَجْنُون من المَقْلُوبِ لأَنَّ الأَزْرارَ هي الّتِي تَضُمُّ البَنائِقَ، وليست البنائِقُ هي التي تَضُمُّ الأَزْرارَ، وكان حَقُّ إِنْشادِه:

  كما ضَمَّ أَزْرارُ القَمِيصِ البِنائِقَا

  إِلّا أَنّه قَلَبَه، وفَسَّرَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ البَنائِقَ هُنا بالعُرَى التي تُدْخَلُ فيها الأَزْرارُ، والمَعْنَى على هذا واضِحٌ بَيِّنٌ، لا يُحْتاجُ معه إِلى قَلْبٍ ولا تَعَسُّفٍ، إِلّا أَنَّ الجُمْهُورَ على الوَجْهِ الأَوَّل، وذكر ابنُ السِّيرافِيِّ أَنَّه رَوَى بعضُهم:

  كما ضَمَّ أَزرارُ القَمِيصِ البَنائِقَا

  قالَ: وليس بصَحِيحٍ؛ لأَنَّ القَصِيدَةَ مَرْفُوعةٌ⁣(⁣١)، وبَعْدَه:

  وماذَا عَسَى الواشُونَ أَن يَتَحَدَّثُوا ... سِوَى أَنْ يَقُولوا إِنَّنِي لَكِ عاشِقُ

  وقالَ أَبُو الحَجّاجِ الأَعْلَمُ: البَنِيقَةُ: اللَّبِنَةُ، وكُلُّ رُقْعَةٍ تُزادُ في ثَوْبٍ أَو دَلْوٍ ليَتَّسِعَ، فهي بَنِيقَةٌ، ويُقَوِّي هذا القولَ قولُ الأَعْشَى:

  قَوَافِيَ أَمْثالاً يُوَسِّعْنَ جِلْدَه ... كما زِدْتَ في عَرْضِ الأَدِيمِ الدَّخارِصَا⁣(⁣٢)

  فجَعَلَ الدِّخْرِصَةَ رُقْعَةً في الجِلْد زِيدَتْ ليَتَّسِعَ بها، قالَ السِّيرافِيُّ: والدِّخْرِصَةُ أَطْوَلُ من اللَّبِنَةِ، قال ابن بَرّي: وإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَنِيقَةَ القَمِيصِ هي جُرُبّانُه، فُهِمَ مَعْناهُ؛ لأَنَّ جُرُبّانَه مَعْرُوفٌ، وهو طَوْقُه الَّذِي فِيه الأَزْرارُ مَخِيطَةٌ، فإِذا أُرِيدَ ضَمُّه أُدْخِلَتْ أَزْرارُه في العُرَى، فضَمَّ الصَّدْرَ إِلى النَّحْرِ، وعلى ذلِك فُسِّرَ بيتُ المَجْنون، قال: ويُبَيِّنُ صِحَّةَ ذلِكَ ما أَنْشَدَه القالِي في نَوادِرِه:

  له خَفَقانٌ يَرْفَعُ الجَيْبَ والحَشَى ... يُقَطِّعُ أَزْرارَ الجُرُبّانِ⁣(⁣٣) ثائِرُهْ

  وهذا مِثْلُ بَيْتِ ابنِ الدُّمَيْنَةِ:

  رَمَتْنِي بطَرْفٍ لو كَمِيًّا رَمَتْ بِه ... لبُلَّ نَجِيعاً نَحْرُه وبَنائِقُهْ

  لأَنَّ البَنِيقَةَ هي الجُرُبّانُ، ومما يَدُلُّكَ على أَنَّ البَنِيقَةَ هي الجُرُبّانُ قولُ جَرِيرٍ:

  إِذا قِيلَ هذا البَيْنُ راجَعْتُ عَبْرَةً ... لَها بجُرُبّانِ البَنِيقَةِ واكِفُ

  وإِنما أَضافَ الجُرُبّانَ إِلى البَنِيقَةِ - وإِن كانَ إِيّاها في المَعْنَى - ليُعْلَمَ أَنَّهما بمَعْنىً واحِدٍ، وهذا من بابِ إِضافةِ العامِّ إِلى الخاصِّ، ولمّا كانَ الجُرُبّانُ إِمّا يَنْطَلِقُ على البَنِيقَةِ وعَلَى غِلاف السَّيْفِ، وأُرِيدَ به البَنِيقَة، أَضافَهُ إِلى البَنِيقَةِ، ليُخَصِّصَه بذلك، وقال أَبو العَبّاسِ الأَحْوَلُ: البَنِيقَةُ: الدِّخْرِصَةُ، وعليه فُسِّرَ بيتُ ذِي الرُّمَّةِ السابِقُ.

  وقد عُرِفَ مما تَقَدَّم أَنَّ البَنِيقَةَ اخْتُلِف في تَفْسِيرها، فقِيلَ: هي لَبِنَةُ القَمِيص، وقيلَ: جُرُبّانُه، وقِيلَ: دِخْرِصَتُه، فعَلَى هذَا تَكُونُ البَنِيقَةُ والدِّخْرِصَةُ والجُرُبّانُ بمَعْنَىً واحدٍ، وسُمِّيَتْ بَنِيقَةً لجَمْعِها وتَحْسِينِها، هذا حاصِلُ ما ذَكَرُوه، فتَأَمَّلْ ذلِكَ.

  كالبِنَقَةِ، كعِنَبَةٍ قالَ ابنُ عَبّادٍ: البِنَقَةُ بِنَقَةُ: القَمِيصِ، وجَمْعُها بِنَقٌ، ولم يُفَسِّرْها، وفي اللِّسانِ: قال ثَعْلَبٌ: بنائِقُ وبِنَقٌ، وزَعَم أَنَّ بِنَقاً جَمْعُ الجَمْعِ، وهذا مِمّا لا يُعْقَلُ.

  والبَنِيقَتانِ: دائِرتانِ في نَحْرِ الفَرَس.

  والبَنِيقَةُ: زَمَعَةُ الكَرْمِ إِذا عَظُمَت.

  وقال ابنُ عَبّادٍ: البَنِيقَةُ: الشَّعَرُ المُخْتَلِفُ وَسَطَ المَوْقِفِ من الشّاكِلَةِ وفي اللِّسان: بَنِيقَةُ الفَرَسِ: الشَّعَرُ المُخْتَلِفُ في وَسَطِ مِرْفَقِهِ، وقِيلَ: مما يَلِي الشّاكِلَةَ وبَنَقَ: وَصَلَ يُقال: أَرضٌ مَبْنُوقةٌ، أَي: مَوْصُولةٌ بأُخْرَى، كما تُوصَلُ بَنِيقَةُ القَمِيصِ، قالَهُ ابنُ سِيدَه، وأَنشَدَ قولَ ذِي الرُّمَّةِ:

  ومُغْبَرَّةِ الأَفْيافِ مَسْحُولَةِ⁣(⁣٤) الحَصَى ... دَيامِيمُها مَبْنُوقَةٌ بالصَّفاصِفِ


(١) ومطلعها - ديوانه ص ٢٠٣:

لعمرك إن الحب يا أم مالكٍ ... بجسمي جزاني الله منك للائقُ

(٢) ديوانه برواية في عرض القميص.

(٣) هذه رواية الفراء، أما القالي ٢/ ٦٠ فقد أنشده بكسر الجيم والراء.

(٤) بالأصل «محلولة» وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله: محلولة الحصى كذا في اللسان، وفي التكملة: مسحولة وفسرها بالملساء» والمثبت عن التكملة والديوان ص ٣٨٥.