تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[شنق]:

صفحة 255 - الجزء 13

  السِّنِّ، وأَرْشُ المُوضِّحَةِ والعَيْنُ القائِمَةُ واليَدُ الشَّلّاءُ، لا يَزالُ يُقالُ له أَرْشٌ حَتَّى تَكُونَ تَكْمِلَةَ دِيَةٍ كامِلَةٍ.

  والشَّنَقُ: العَمَلُ وبه فَسَّرَ بعضٌ قولَ رُؤْبَةَ يَصِفُ صائِداً:

  سَوّى لها كَبْداءَ تَنْزُو في الشَّنَقْ⁣(⁣١) ... نَبْعِيَّةً ساوَرَها بَيْنَ النِّيَقْ⁣(⁣٢)

  والشَّنَقُ هو ما بَيْنَ الفَرِيضَتَيْنِ من الإِبِلِ والغَنَمِ في الزَّكاةِ، جمعُه أَشناقٌ، وخَصَّ بعضُهم بالأَشْناقِ الإِبِلَ، فإِذا كانَتْ من البَقَرِ فهي الأَوْقاصُ، ففي الغَنَمِ: ما بينَ أَرْبَعِينَ ومائِةٍ وعِشْرِينَ، وقِسْ في غَيْرِها، قالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيْبانِيُّ: الشَّنَقُ في خَمْسٍ من الإِبِلِ شاةٌ وفي عَشْرٍ شاتانِ، وفي خَمْسَ عَشْرَةَ ثلاثُ شِياهٍ، وفي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِياهٍ، فالشّاةُ شَنَقٌ، والشاتانِ شَنَقٌ، والثَّلاثُ شِياهٍ شَنَقٌ، والأَرْبَعُ شِياهٍ شَنَقٌ، وما فوقَ ذلِكَ فهو فَرِيضَةٌ، ورُوِي عن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ أَنَّ الشَّنَقَ: ما دُونَ الفَرِيضَةِ مُطْلَقاً، كما دُونَ الأَرْبَعِينَ من الغَنَمِ.

  وقِيلَ: الشَّنَقُ: ما دُونَ الدِّيَةِ، وذلِكَ أَنْ يَسُوقَ ذُو الحِمالَةِ الدِّيَةَ كامِلَةً، فإِذا كانَتْ مَعها دِياتُ جِراحاتٍ فَتِلْكَ هي الأَشْناقُ، كأَنَّها مُتَعَلِّقَةٌ بالدِّيَةِ العُظْمَى، ومنه قولُ الكُمَيْتِ:

  فرَهْنٌ ما يَدايَ لَكُم وفاءُ ... بأَشْناقِ الدِّياتِ إِلى الكُمُولِ⁣(⁣٣)

  وقالَ الأَخْطَلُ يَمْدَحُ مَصْقَلَةَ بنَ هُبَيْرَةَ الشَّيْبانِيَّ:

  قَرْمٌ⁣(⁣٤) تُعَلَّقُ أَشْناقُ الدِّياتِ بهِ ... إِذ المِئُونَ أُمِرَّتْ فَوْقَه حَمَلَا

  رَوَى شَمِرٌ عن ابْنِ الأَعْرابِيِّ قالَ: يَقُولُ: يَحْتَمِلُ الدِّياتِ وافِيَةً كامِلَةً زائِدَةً.

  وقالَ الأَصْمَعِيُّ: الشَّنَقُ: الفَضْلَةُ تَفْضُلُ وبه فُسِّرَ قَولُ الكُمَيْتِ السابِقُ، يقول: فهذه الأَشْناقُ عليهِ مثلُ العَلائِقِ على البَعِيرِ، لا يَكتَرِثُ بها، وإِذا أُمِرَّتِ المِئُونَ فوقَه حَمَلَها، وأُمِرَّتْ: شُدَّتْ فوقه بمِرارٍ، والمِرارُ: الحَبْلُ.

  وقالَ ابنُ عَبّادٍ: الشَّنَقُ: الحَبْلُ.

  قالَ: والشَّنَقُ: العِدْلُ وهما شَنَقان.

  أَو الشَّنَقُ في قَوْلِ الكُمَيْتِ⁣(⁣٥) شَنَقانِ: الأَعْلَى والأَسْفَلُ، فالأَعْلَى في الدِّياتِ عِشْرُونَ جَذَعةً، والأَسْفَلُ عِشْرُونَ بنتَ مَخاضٍ، وفي الزَّكاةِ: الأَعْلَى تَجِبُ بنتُ مَخاضٍ في خَمْسٍ وعِشْرِينَ، والأَسْفَلُ تَجِبُ شاةٌ في خَمْسٍ من الإِبِلِ، ولكُلٍّ مَقالٌ؛ لأَنّها كُلُّها أَشْناقٌ، ومَعْنَى البيتِ: أَنَّه يخِفُّ الحِمالاتِ وإِعْطاءَ الدِّياتِ، فكأَنَّه: إِذا غَرِمَ دِياتٍ كثِيرَةً غَرِمَ⁣(⁣٦) عِشْرِينَ بَعِيراً بَناتِ مَخاضٍ؛ لاسْتِخفافِه إِيّاها، وقِيلَ - في قَوْلِ الأَخْطَلِ السّابِقِ - أَشْناقُ الدِّياتِ: أَصْنافُها، فدِيَةُ الخَطَأِ المَحْضِ: مائِةٌ من الإِبِلِ تَحْمِلُها العاقِلَةُ أَخْماساً: عشرونَ ابْنَةَ مَخاضٍ، وعِشْرُونَ ابنةَ لَبُونٍ، وعِشْرُونَ ابنَ لَبُونٍ، وعِشْرُونَ حِقَّةً، وعِشْرُونَ جَذَعةً، وهي أَشْناقٌ أَيضاً، وقالَ أَبو عُبَيْدٍ: الشِّناقُ: ما بَيْنَ الفَرِيضَتَيْنِ، قالَ: وكذلِكَ أَشْناقُ الدِّياتِ، ورَدَّ عليهِ ابنُ قُتَيْبَةَ، وقالَ: لم أَرَ أَشْناقَ الدِّياتِ من أَشْناقِ الفَرائِضِ في شَيْءٍ؛ لأَنَّ الدِّياتِ ليسَ فِيها شيءٌ يَزِيدُ عَلى حَدٍّ من عَدَدِها، أَو جِنْسٍ من أَجْناسِها، وأَشْناقُ الدِّياتِ: اخْتِلافُ أَجْناسِها، نحو: بناتِ المَخاضِ وبَناتِ اللَّبُونِ، والحِقاقِ، والجِذاعِ، كلُّ جِنْسٍ منها شَنَقٌ، قالَ أَبو بَكْرٍ: والصَّوابُ ما قالَ أَبو عُبَيْدٍ؛ لأَنَّ الأَشْناقَ في الدِّياتِ بمَنْزِلَةِ الأَشْناقِ في الصَّدَقاتِ إِذا كانَ الشَّنَقُ في الصَّدَقةِ ما زادَ على الفَرِيضَةِ من الإِبِلِ، وقالَ ابنُ الأَعْرابِيِّ، والأَصْمَعِيُّ، والأَثْرَمُ: كانَ السَّيِّدُ إِذا أَعْطَى الدِّيَةَ زادَ عليها خَمْساً من الإِبِلِ؛ ليُبَيِّنَ بذلِك فَضْلَهُ وكَرَمَهُ، فالشَّنَقُ من الدِّيَةِ بمنزِلَةِ الشَّنَقِ في الفَرِيضَةِ إِذا كانَ فِيها لَغْواً، كما أَنّه في الدِّيَةِ لَغْوٌ، ليسَ بواجِبٍ، إِنّما تَكَرُّمٌ من المُعْطِي.

  وشَنِقَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ وضَرَبَ: هَوِيَ شَيْئاً فصارَ مُعَلَّقاً به


(١) في اللسان برواية: كأنها كبداء تنزو ...

(٢) عن الديوان ص ١٠٧ وبالأصل «النبق».

(٣) عن اللسان وبالأصل «إلى الكهول».

(٤) في الديوان ص ١٤٣ «ضخم تعلق».

(٥) يعني قوله - كما في التهذيب وقد جاء الشرح فيه بعد ذكره البيت:

كأن الديات إذا عُلِّقَتْ ... مشوها به الشِّنَقُ الأسفلُ

(٦) الأصل واللسان وفي التهذيب: تحمّل.