تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الشين المعجمة مع القاف

صفحة 257 - الجزء 13

  أَخَذَ منها شاةً، وقيل: لا تَشانَقُوا فتَجْمَعُوا بينَ مُتَفَرِّقٍ، قالَ أَبو سَعِيدٍ: وللعَرَبِ أَلفاظٌ في هذا البابِ لم يَعْرِفْها أَبُو عُبَيْدٍ، يَقُولونَ - إِذا وَجَبَ على الرَّجُلِ شاةٌ في خَمْسٍ من الإِبِلِ فقد أَشْنَقَ الرَّجُلُ إِلى آخِرِ ما ذَكَره، كما سُقْناه عندَ قولِ المُصَنِّفِ: «أَو وَجَبَ عليهِ الأَرْشُ»، ثم قالَ: قال الفَرّاءُ حَكَى الكِسائِيُّ عن بعضِ العَرَب: الشَّنَقُ إِلى خَمْسٍ وعِشْرِينَ، قالَ: والشَّنَقُ: ما لم تَجِبْ فيهِ الفَرِيضَةُ، يريدُ ما بينَ خَمْسٍ إِلى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.

  قالَ مُحَمَّدُ بنُ المُكَرَّمِ - مؤلِّفُ اللِّسانِ، ¥ -: قد أَطْلَقَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ لِسانَه في أَبِي عُبَيْدٍ، ونَدَّدَ بما انْتَقَدَه عليهِ بقَوْلِه أَولاً: إِنَّ قولَه: الشَّنَق: ما بينَ الخَمْسِ إِلى العَشْرِ مُحالٌ إِنّما هو إِلى تِسْعٍ، وكذلِكَ قولُه: ما بينَ العَشْرِ إلى خَمْسَ عَشَرَةَ، وكان حَقُّه أَنْ يقولَ: أَرْبَعَ عَشَرَةَ، ثمَ بِقَولِهِ⁣(⁣١) ثانياً: إِنَّ للعَرَبِ أَلْفاظاً لم يَعْرِفْها أَبُو عُبَيْدٍ، وهذِه مُشاححةٌ في اللَّفْظِ، واسْتِخْفافٌ بالعُلَماءِ.

  وأَبو عُبَيْدٍ | لم يَخْفَ عنه ذلِك، وإِنَّما قَصَدَ ما بينَ الفَرِيضَتَيْنِ، فاحْتاجَ إِلى تَسْمِيَتِهما، ولا يَصِحُّ له قولُ الفَرِيضتينِ إِلّا إِذا سَمّاهما، فيُضْطَرُّ أَنْ يَقولَ: عَشْرٌ أَو خَمْسَ عشرَةَ، وهو إِذا قالَ تِسْعاً أَو أَرْبَعَ عَشَرَة فليسَ هناكَ فَرِيضتانِ، وليسَ هذا الانْتِقادُ بشَيْءٍ، أَلا تَرَى إِلى ما حَكاهُ الفَرّاءُ عن الكِسائِيِّ عن بعضِ العَرَب: الشَّنَقُ إِلى خَمْسٍ وعِشْرِينَ، وتَفْسِيرُه بأَنَّهُ يريدُ ما بينَ الخَمْسِ إِلى خَمْسٍ وعشْرِينَ، وكانَ على زَعْمِ أَبِي سعيدٍ يَقُول: الشَّنَقُ إِلى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ؛ لأَنّها إِذا بلَغتْ خَمْساً وعِشْرِينَ ففيها بنتُ مَخاضٍ، ولم يَنْتَقِدْ هذا القَوْلَ على الفَرّاءِ ولا عَلَى الكِسائِيِّ ولا عَلَى العَرَبيِّ المَنقُولِ عنه، وما ذاكَ إِلّا لأَنَّهُ قَصَدَ حَدَّ الفَرِيضَتَيْنِ وهذا انْحِمالٌ من أَبِي سَعِيدٍ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ، واللهُ أَعلَمُ.

  * ومما يُسْتَدْرَكُ عليه:

  الشَّنَقُ، مُحَّركةً: طُولُ الرَّأْسِ، كأَنّما يُمَدُّ صُعُداً، قالَ:

  كأَنَّها كَبْداءُ تَنْزُو فِي الشَّنَقْ

  هكذا في اللِّسانِ، وهو لرُؤبةَ يَصِفُ صائِداً، والرِّوايَةُ: «سَوَّى لَها كَبْداءَ» وبعدَه:

  نَبْعِيَّةً ساوَرَها بينَ النِّيَقْ⁣(⁣٢)

  وقِيلَ: الشَّنَقُ هنا: وَتَرُ القَوْسِ، وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: هو الجَيِّدُ من الأَوْتارِ، وهو السَّمْهَرِيُّ الطَّوِيلُ، وقِيلَ: العَمَلُ، وقد ذَكَرهُ المُصَنِّفُ، ففيه ثلاثةُ أَقوالٍ.

  والشِّناقُ، بالكسر: حَبْلٌ يُجْذَبُ به رأْسُ البَعِيرِ والنّاقةِ، والجمعُ أَشْنِقَةٌ وشُنُقٌ.

  وقد أَشْنَقَ: إِذا أَعْطَى الشَّنَقَ، وهي الحِبالُ، قاله ابنُ الأَعرابِيِّ.

  وقالَ ابنُ سِيدَه: عُنُقٌ أَشْنَقُ: طَوِيلٌ، وفَرَسٌ أَشْنَقُ ومَشْنُوقٌ: طَوِيلُ الرَّأْسِ، وكذلك البَعِيرُ، والأُنْثى شَنْقاءُ، وشِناقٌ، وفي التَّهْذِيبِ: ويُقالُ للفَرَسِ الطَّوِيلِ: شِناقٌ ومَشْنُوقٌ، وأَنْشدَ:

  يَمَّمْتُه بأَسِيلِ الخَدِّ مُنْتَصِبٍ ... خاظِي البَضِيعِ كمِثْلِ الجِذْعِ مَشْنُوقِ

  وقالَ ابنُ شُمَيْلٍ: ناقَةٌ شِناقٌ: طويلَةٌ سَطْعاءُ، وجَمَلٌ شِناقٌ: طَوِيلٌ في دِقَّةٍ.

  وقَلْبٌ شَنِقٌ: هَيْمانُ.

  ورَجُلٌ شَنِقٌ: حَذِرٌ، قال الأَخْطَلُ:

  وقد أَقُولُ لثَوْرٍ هَلْ تَرَى ظُعُناً ... يَحْدُو بهِنَّ حِذارِي مُشْفِقٌ شَنِقُ

  وكُلُّ خَيْطٍ عَلَّقْتَ به شَيْئاً شِناقٌ.

  والإِشْناقُ: أَنْ تُغَلَّ اليَدُ إِلى العُنُقِ، قاله أَبو عَمْرٍو وابنُ الأَعْرابِيِّ، وأَنْشَد الأَوَّلُ لعَدِيِّ بنِ زَيْدٍ:

  ساءَها ما بِنا تَبَيَّنَ في الأَيْ ... دِي وإِشْناقُها إِلى الأَعْناقِ

  وقالَ أَبو سَعِيدٍ: أَشْنَقْتُ الشَّيْءَ، وشَنَقْتُه: إِذا عَلَّقْتَه، قال المُتَنَخّلُ الهُذَلِيُّ يصِفُ قَوْساً ونَبْلاً:

  شَنَقْتُ بها مَعابِلَ مُرْهَفاتٍ ... مُسالاتِ الأَغِرَّةِ كالقِراطِ⁣(⁣٣)


(١) في المطبوعة الكويتية: «يقول ثانياً» والمثبت يوافق اللسان.

(٢) عن الديوان وبالأصل «النبق» بالباء الموحدة. وقد تقدم الرجزان في المادة.

(٣) ديوان الهذليين ٢/ ٢٧ وفيه: ويروى: قَرنتُ بها. وفسر شنقت: جعلتُ النبل في الوتر فشنقتُها كما تُشنق الناقة.