[فسق]:
  الأَصليّ(١) فَاسِقٌ، فلأَنَّه أَخَلَّ بحُكمِ ما أَلزمَه العَقل، واقتَضَتْه الفِطْرَةُ. ومنه قَولُه تَعالَى: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(٢) فقابَلَ به الإِيمان، فالفاسِقُ أَعمُّ من الكافِر، والظالِمُ أَعمُّ من الفاسِق.
  فَسَق، كَنَصَر، وضَرَب، وكَرُم، الثانِيَةُ عن الأَخفَشِ، نقلَه الجوهريُّ، والثالثةُ عن اللِّحْيانيّ رَواهُ عنه الأَحمَر، ولم يَعرِف الكسائيُّ الضَّمَّ فِسْقاً وفُسُوقاً مَصْدران للبابَيْن الأَوَّلين، أَي: فَجَر فُجُوراً، كما في الصِّحاح.
  وقوله تعالى: {وَ} إِنَّهُ لَفِسْقٌ(٣) أَي: خُرُوجٌ عن الحَقِّ وقالَ أَبو الهَيْثم: وقد يكونُ الفُسُوقُ شِرْكاً، ويكون إِثْماً.
  والفِسْق في قوله تعالى: {أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ}(٤) رُويَ عن مالك أَنَّه الذَّبْح.
  وقولُه تعالى: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ}(٥) أَي: بِئْسَ الاسمُ أَن يقول له: يا يهودِيُّ ويا نَصْرانيّ، بعد أَنْ آمن، ويُحتَمل أَن يكون كُلُّ لَقَبٍ يَكرهُه الإِنسان، قاله الزّجّاج.
  وفَسَق: جَارَ ومَالَ عن طاعَةِ الله ø، ومنه فَسَقت الرّكاب عن قصد السبيل أَي جارت.
  وقَولُه تَعالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ(٦) أَي: خَرَجَ، زادَ الفَرّاءُ عن طاعةِ رَبِّه. ورَوَى ثَعْلبٌ عن الأَخْفَش قالَ: أَي عن رَدِّه أَمرَ رَبِّه نحو قول العَرَبِ: اتَّخَمَ عن الطَّعامِ، أَي: عَنْ أَكْلِه، فلمّا رَدَّ هذا الأَمر فَسَق. قالَ أَبو العَبّاس: ولا حاجةَ به إِلى هذا؛ لأَنَّ الفُسُوقَ معناه الخُرُوج. {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، أَي: خَرجَ.
  وفَسَقت الرُّطَبَة عن قِشْرِها أَي: خَرَجَت، كانْفَسَقَت وهذه عن ابن دُرَيد. قِيلَ: ومنه اشْتِقاق الفاسِق لانْفِساقِه، أَي: لانْسِلاخِه عن الخَيْر. ونَصُّ الجَمْهرةِ: من الخَيْر وقالَ أَبو عُبَيْدةَ: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}، أَي: جارَ(٧) عن طاعَتِه، وأَنشد:
  يَهْوِين فِي نَجْد وَغوراً غائِراً ... فواسِقاً عن قَصْدِها(٨) جَوائِرَا
  ورجُلٌ فُسَقٌ كَصُرَدٍ وفِسِّيقٌ مثل سِكِّيتٍ: دَائِمُ الفِسْقِ، وأَنْشَدَ اللَّيْثُ لسُلَيمانَ:
  عاشُوا بذلك حِيناً في جِوارِهِمُ ... لا يُظْهِرُ الجَوْرَ فيهم آمِناً فُسَقُ
  ومن سَجَعات الأَساسِ: كان يَزِيدُ فِسِّيقاً خِمِّيراً، ولم يَكُنْ للمُؤْمِنينَ أَمِيراً.
  وقالَ اللَّيْثُ: الفُوَيْسِقَةُ: الفَأْرة، سُمِّيَتْ لخُرُوجِها من جُحْرها على النَّاسِ. وفي الأَساسِ: لعَيْثِها في البُيوتِ: زادَ غيرُه: وإِفسادِها. وهي تَصْغِيرُ فاسِقَة. ومنه الحَدِيث: «اقْتُلوا الفُوَيْسِقَة، فإِنَّها تُوهِي السِّقاءَ، وتُضْرِمُ البيتَ على أَهْلِه». وفي حديثِ عائِشَةَ ^ - وسُئلت عن أَكْلِ الغُرابِ - قالَتْ: «ومَنْ يَأْكلُه بَعْدَ قَوْلِه: فاسِق؟». قال الخَطّابيُّ: أَرادَ تَحْرِيم أَكلِها بتفسيقها، وفي الحَديثِ: «خُمْسٌ فواسِقُ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ». قالَ: أَصْلُ الفِسْق: الخُروجُ عن الاستِقامة، والجَوْرُ، وبه سُمِّيَ العاصِي فاسِقاً. وإِنما سُمِّيت هذه الحيواناتُ فَواسِقَ على الاسْتِعارة؛ لخُبْثِهِنَّ، وقِيلَ: لخُروجِهِنَّ عن الحُرْمَةِ في الحِلِّ والحَرَمِ، أَي: لا حُرْمَة لهنَّ بحالٍ.
  وتَقولُ للمرأَة: يا فَساقِ، كَقطامِ أَي: يا فاسِقَةُ، وتَقول للرَّجُلِ: يا فُسَق، كَزُفَر، ويا خُبَثُ كذلك أَي: يا أَيُّها الفَاسِق ويا أَيّها الخَبِيث. قالَ الجَوهرِيُّ: وهو مَعرِفة، يدُلُّ على ذلك أَنهم يَقُولونَ: يا فُسَقُ الخَبِيثُ، فيَنْعَتُونَه بالأَلفِ واللّامِ. ولَيْسَ في كَلَامٍ جاهِلِيٍّ ولا شِعْرِهِم فَاسِقٌ، على أَنَّه عَرَبِيٌّ. هذا كلامُ ابنِ الأعرابيّ، ونَصّه على ما نقله الجَوْهَرِيّ، والصاغانيُّ: لم يسمعْ قَطُّ في كلامِ الجاهليَّةِ، ولا في شِعْرِهم فاسِقٌ. قالَ: وهذا عَجَبٌ، وهو كَلام عَربيٌّ لم يَأْتِ في شِعْرٍ جاهِليٍّ. ونقلَ الأَصبهانيُّ
(١) عن المفردات وبالأصل «الأصل».
(٢) سورة السجدة الآية ١٨.
(٣) الآية ١٢١ من سورة الأنعام.
(٤) سورة الأنعام الآية ١٤٥.
(٥) سورة الحجرات الآية ١١.
(٦) سورة الكهف الآية ٥٠.
(٧) في التهذيب واللسان: جار ومال عن طاعته.
(٨) في التهذيب: «قصده» وفي اللسان: «أمره».