تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[ملك]:

صفحة 648 - الجزء 13

  {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها}⁣(⁣١)؛ ومن الثاني قَوْلُه ø: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً}⁣(⁣٢)، فجَعَلَ النُّبُوَّةَ مَخْصوصةً والمِلْكُ فيهم عامَّاً، فإنَّ مَعْنَى المِلْكِ هنا هو القوَّةُ التي يَتَرَشَّحُ بها للسياسةِ لا أَنَّه جَعَلَهم كلَّهم مُتَوَلِّين للأَمْرِ فذلك منافٍ للحِكْمَةِ كما قيلَ: لا خَيْرَ في كثْرةِ الرُّؤَساءِ. وما لَهُ مُلْكٌ مُثَلَّثاً ويُحَرَّكُ وبضمتينِ كلُّ ذلك عن اللَّحْيَانيّ ما عَدَا التَّحْرِيك، أَي: شيءٌ يَمْلِكُهُ. وقالَ اللَّيْثُ: وقَوْلُهم: ما في مِلْكِه شَيْء ومَلْكِه شَيْء أي لا يَمْلكُ شيئاً. وفيه لغَةٌ ثالثةٌ ما في مَلَكَتِه شَيْء، بالتَّحْرِيكِ، عن ابن الأَعْرَابيِّ، هكذَا نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ والصَّاغَانيُّ. وحَكَى اللَّحْيَاني عن الكِسَائي: ارْحَمُوا هذا الشيخَ الذي ليس له مُلْكٌ ولا بَصَرٌ أي ليس له شَيْءٌ؛ بهذا فسَّرَه اللَّحْيَانيُّ، قال ابنُ سِيْدَه: وهو خطأٌ، وحَكَاهُ الأَزْهَرِيُّ أَيْضاً وقالَ: ليس له شَيْءٌ يَمْلكُه. وأَمْلَكَهُ الشيءَ ومَلَّكَهُ إيَّاهُ تَمْليكاً بمعنىً واحِدٍ أي جَعَلَه مِلْكاً له يَمْلِكُه. ويُقالُ: لي في هذا الوادي مُلْكٌ مُثَلَّثاً ويُحَرَّكُ أي مَرْعىً ومَشْرَبٌ ومالٌ وغَيْرُ ذلك ممَّا يَمْلِكُه أو هي البِئْرُ يَحْفِرُها ويَنْفَرِدُ بها وأَوْرَدَه الأَزْهَرِيُّ عن ابنِ الأَعْرَابيّ بصورةِ النَّفْي؛ وقالُوا: الماءُ مَلَكُ أَمْرٍ محرَّكةً أي يقومُ به الأَمرْ لأَنَّهم أي القومُ إذا كان معهم ماء⁣(⁣٣) مَلكوا أَمْرَهُمْ قالَ أَبُو وَجْزَة السَّعْدِي:

  ولم يكُنْ مَلَكٌ للقوم يُنْزِلُهم ... إلَّا صَلاصِلُ لا تُلْوَى على حَسَبِ⁣(⁣٤)

  أي يُقْسَم بينهم بالسَّويّةِ لا يُؤْثَرُ به أَحدٌ. وقالَ الأُمَوِيُّ: منْ أَمْثالهِم: الماءُ مَلَكُ أَمْرِه أَي على لفظِ المَاضِي، أَي أَنَّ الماءَ مِلاكُ الأَشْيَاءِ، يُضْرب للشيْءِ الذي به كمالُ الأَمْرِ.

  قُلْتُ: ويُرْوَى أَيْضاً: الماءُ مَلَكُ الأَمْرِ ومَلَكُ أَمْرِي، فهي أَرْبَعُ رِوَاياتٍ ذَكَرَ المُصَنِّفُ واحدَةً وأَغْفَلَ عن البَاقِين.

  وقالَ ثَعْلَبُ: يقالُ: ليس لهم مُلْكٌ مُثَلَّثاً إذا لم يكُنْ لهم ماءٌ والجَمْعُ مُلُوكٌ. قال ابنُ بُزُرْجَ: مِيَاهُنا مُلُوكُنا. وماتَ فلانٌ عن مُلُوكٍ كَثِيرةٍ. وقالَ ابنُ الأَعْرَابيِّ: ما له مَلْكٌ بالتَثْلِيثِ ويُحَرَّكُ، يُريدُ بئراً وماءً أي ما له ماءٌ. ومَلَكَنا الماءُ أي أرْوانا فقَوِينا على أَمْرِنا، عن ثَعْلَبٍ ويقالُ: هذا مُلْكُ يَميني مُثَلَّثَةً ومَلْكَةُ يَميني بالفتحِ والصَّوابُ بالتَّحْرِيكِ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ أي ما أَمْلَكه؛ قالَ الجَوْهَرِيُّ: والفتحُ أَفْصَحُ وفي الحدِيثِ: «كانَ آخِرُ كَلَامِهِ الصَّلاةَ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكم» يُريدُ الإِحسانَ إلى الرَّقيقِ، والتَّخْفِيفُ عنهم، وقيلَ: أَرَادَ حقوقَ الزَّكاةِ وإِخراجَها مِنَ الأَمْوالِ التي تَمْلِكُها الأَيدي كأَنَّه عَلِم بما يكونُ من أَهْلِ الرِّدَّةِ وإِنْكارِهم وجوبَ الزَّكاةِ وامْتِنَاعِهم مِنْ أَدائِها إلى القائِمِ بعده فقَطَع حجَّتَهم بأَنْ جَعَلَ آخِرَ كَلَامِه الوصِيَة بالصَّلاةِ والزَّكاةِ فعَقَلَ أَبُو بَكْرٍ ¥ هذا المَعْنَى حِيْن قالَ: «لأَقْتُلَنَّ من فَرَّقَ بَيْن الصَّلاة والزَّكاةِ». وأعطاني من مُلْكِه مُثَلَّثَةً اقْتَصَرَ ثَعْلَبُ على الفتحِ والضمِ أي ممَّا يَقْدِر عليه. وقالَ ابنُ السِّكِّيت: المَلْكُ ما مُلِكَ. يقالُ: هذا مَلْكُ يَدِي ومِلْكُ يَدِي، وما لأَحَدٍ في هذا مَلْكُ غَيْرِي ومِلْكٌ. ومَلْكُ الوليِّ المرأةَ بالفتحِ ويُثَلَّثُ هو حَظْرُه إيَّاها ومِلْكُه لها ويقالُ: هو عبدُ مَمْلَكَةٍ مُثَلَّثَةً اللَّامِ كسرُ الَّلامِ عن ابنِ الأَعْرَابيِّ، إذا مُلِكَ هو ولم يُمْلَكْ أَبَواهُ وفي التَّهْذِيبِ: الذي سُبِيَ ولم يُمْلَكْ أَبَواهُ. قال ابنُ سِيْدَه: يقالُ نحنُ عَبيدُ مَمْلَكَةٍ لا عَبِيدَ قِنٍّ أي أَنَّنا سُبِينا ولم نَمْلَكْ قبلُ. والعَبْدُ القِنُّ: الذي مُلِكَ هو وأَبَواهُ؛ ويقالُ: القِنُّ المُشْتَرَى. ويقالُ: طالَ مُلْكُه مُثَلَّثَةً ومَلَكَتُه محرَّكةً عن اللّحْيَانيِّ أي رِقُّه ويُقالُ: إنَّه حَسَنُ المِلْكَةِ والمِلْكِ؛ عنه أَيْضاً. وأَقَرَّ بالمَلَكَةِ محرَّكةً بالمُلوكَةِ بالضم أي بالمِلْكِ وفي الحدِيثِ: «لا يدخلُ الجنَّةَ سَيِّءُ المَلَكَةِ» أي الذي يُسيءُ صُحْبة المَمَالِيكِ. وفي حدِيثٍ آخَرَ: «حُسْنُ المَلَكَةِ نماءٌ وسُوءُ المَلَكَةِ شُؤْمٌ».

  والمُلْكُ بالضمِ م مَعْرُوفٌ وهو ضبط الشَّيْءِ المتصَرِّفِ فيه بالحُكْمِ وهو كالجِنْسِ للملك فكلُّ ملك ملك وليس كلُّ ملك ملكاً يذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ كالسُّلْطَانِ. والمُلْكُ العَظَمَةُ والسُّلّطانُ ومنه قَوْلُه تعَالى: {قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ}⁣(⁣٥). وقَوْلُه تعَالَى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}⁣(⁣٦). والمُلْك حَبُّ الجُلْبَانِ والمُلْكُ: الماءُ القليلُ يقالُ: ما لهُ مُلْكٌ من المَاءِ أي قليلٌ منه. والمَلِكُ: بالفتح وككتِفٍ وأميرٍ وصاحِبِ ذو المُلْكِ وبهنَّ قُرِئَ قَوْلَه تعَالَى:


(١) سورة النمل الآية ٣٤.

(٢) سورة المائدة الآية ٢٠.

(٣) لفظة «ماء» ليست في القاموس، ورواية الأصل كاللسان.

(٤) التهذيب واللسان.

(٥) سورة آل عمران الآية ٢٦.

(٦) سورة غافر الآية ١٦.