تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[جطل]:

صفحة 108 - الجزء 14

  جَعَلَ يَفْعَلُ كذا أَي أَقْبَلَ وأَخَذَ وهو بمعْنَى التوجُّهِ والشُّرُوعِ في الشيءِ والاشْتِغَالِ به. ويكونُ جَعَلَ بمعْنَى سَمَّى، ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً}⁣(⁣١) أَي سَمُّوهُم، وقيلَ: وصَفُوهُم بذلِكَ وحَكَمُوا به، كما يقالُ جَعَلَ فلانٌ زَيداً أَعْلَمُ الناسِ، أو بمعْنَى الاعْتِقَادِ كقَوْلِه تعالَى: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ}⁣(⁣٢)، ويكونُ بمعْنَى التَّبْيينِ ومنه قَوْلُه تعالَى: {إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}⁣(⁣٣) أي بَيَّنَاهُ وقيلَ مَعْنَاه قُلْنَاه وأَنْزَلْناه، ويكونُ بمَعْنَى الخَلْقِ والإيجَادِ فيَتَعَدَّى إلى مفْعولٍ واحِدٍ ومنه قَوْلُه تعالَى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ}⁣(⁣٤) أي خَلَقَها، وقَوْلُه تعالَى: {وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}⁣(⁣٥) وقَوْلُه تعالَى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ}⁣(⁣٦)، ويكونُ بمعْنَى التَّشْرِيفِ نَحْو قَوْلِه تعالَى: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ} أُمَّةً وَسَطاً⁣(⁣٧) أَي شَرَّفْناكُم، وقيلَ: سَمَّيْناكُم، وكذا قَوْله تعالَى: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً}⁣(⁣٨)، ويكونُ بمعْنَى التَّبْديلِ نَحْو قَوْلِه تعالَى: {فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها}⁣(⁣٩)، وكذا قَوْله تعالَى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}⁣(⁣١٠)، ويكونُ بمَعْنَى الحُكْمِ الشَّرْعيِّ كقَوْلِ الشَّارعِ: جَعَلَ الله الصَّلواتِ المَفْروضاتِ خَمْساً أَي حَكَمَ به، ويكونُ بمعْنَى التَّحكُّمِ البِدْعيِّ كقَوْلِه تعالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}⁣(⁣١١).

  وقالَ الرَّاغِبُ: قد يكونُ الجَعْلُ بمعْنَى الحُكْمِ بالشَّيءِ على الشيء، حقَّاً كانَ أَو باطِلاً، فأَمَّا الحقُّ نحو قَوْلِه تعالَى: {إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}⁣(⁣١٢)، وأمَّا الباطِلُ فنَحْو قَوْلِه: {وَجَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً}⁣(⁣١٣)، {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ}، {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}⁣(⁣١٤).

  وقد تكونُ لازمَةً وهي الدَّاخِلَةُ في أَفْعالِ المُقَارَبَةِ فلا تَتَعَدَّى كقَوْلِهِ:

  وقد جَعَلْتُ إذا ما قُمْتُ يُثْقِلُنِي ... ثَوْبِي فأَنْهَضُ نَهْضَ الشَّارِبِ الثَّمِلِ

  وكذلك قَوْل الشاعِرِ:

  وقَد جَعَلتْ قَلُوصُ ابني سُهَيلٍ ... من الاكوارِ مرتَعُها قَريبُ⁣(⁣١٥)

  وجَعَلْتُ زَيْداً أَخاكَ أَي نَسَبْتُه إليكَ.

  وفَاتَه: الجَعْلُ بمعْنَى إيجادِ الشّيءِ من الشّيءِ وتَكْوينِه منه، نَحوْ {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً}⁣(⁣١٦) وقَوْله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً}⁣(⁣١٧)، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً}⁣(⁣١٨) وبمعْنَى تَصْيير الشيءِ على حَالَةٍ دُونَ حالَةٍ نَحْو: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً}⁣(⁣١٩) و {جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً}⁣(⁣٢٠)، {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً}⁣(⁣٢١)، قيلَ: ومنه قَوْلُه تعالَى: {إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا}.

  ويكونُ بمعْنَى التَّسْويةِ والتَّهْيئةِ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ}⁣(⁣٢٢)، {يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً}⁣(⁣٢٣) و {يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}⁣(⁣٢٤).


(١) الزخرف الآية ١٩.

(٢) النحل الآية ٥٧.

(٣) الزخرف الآية ٣.

(٤) الأنعام الآية ١.

(٥) الأنبياء الآية ٣٠.

(٦) النحل الآية ٧٨.

(٧) البقرة الآية ١٤٣.

(٨) المائدة الآية ٩٧.

(٩) الحجر الآية ٧٤.

(١٠) الواقعة الآية ٨٢.

(١١) الحجر الآية ٩١.

(١٢) القصص الآية ٧.

(١٣) الأنعام الآية ١٣٦.

(١٤) من قوله: وقال الراغب: قد يكون الجعل ... إلى هنا هو الوجه الخامس الذي ذكره الراغب في «جعل» وأما الأوجه الأربعة التي ذكرها فثمة اختلاف مع الأصل ونصها في المفردات: الوجه الأول: يجري مجرى صار وطفق فلا يتعدى نحو جعل زيد يقول كذا. والثاني: يجري مجرى أوجد فيتعدى إلى مفعول واحد ... والثالث: في إيجاد شيء من شيء وتكوينه منه ... والرابع: في تصيير الشيء على حالة دون حالة.

(١٥) المفردات، وذكره شاهداً على الوجه الأول. انظر الحاشية السابقة.

(١٦) النحل الآية ٧٢.

(١٧) النحل الآية ٨١.

(١٨) الزخرف الآية ١٠.

(١٩) البقرة الآية ٢٢.

(٢٠) النحل الآية ٨١.

(٢١) نوح الآية ١٦.

(٢٢) البلد الآية ٨.

(٢٣) الطلاق الآية ٢.

(٢٤) الطلاق الآية ٤.