تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الجيم مع الميم

صفحة 103 - الجزء 16

  وقد تَزْدَري العينُ الفَتى وهو عاقِلٌ ... ويُؤْفَنُ بَعْضُ القومِ وهو جَرِيمُ

  ويُرْوَى: وهو حَزِيمُ. وهي جَرِيمَة، بهاءٍ، أَي ذاتُ جِرْم وجِسْم، كالمَجْرومِ ج جِرامٌ، بالكَسْرِ، ككَرِيمٍ وكِرَامٍ، نَقَلَه الجوْهَرِيّ.

  قالَ: ويقالُ: جِلَّةٌ جَرِيمٌ أَي عِظامُ الأَجْرامِ، والجِلَّةُ: الإِبِلُ المَسانُّ.

  وحَوْلٌ مُجَرَّمٌ، كمُعَظَّمٍ، أَي تامُّ.

  وقالَ أَبو زَيْدٍ: العامُ المُجَرَّمُ: الماضِي المُكَمَّلُ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي لعُمَر بنِ أَبي رَبيعَةَ:

  ولكنَّ حُمَّى أَضْرَعَتْني ثلاثَةً ... مُجَرَّمةً ثم اسْتَمَرَّتْ بناغِبَّا⁣(⁣١)

  وقالَ ابنُ هانئٍ: سَنَةٌ مُجَرَّمَةٌ، وشَهْرٌ مُجَرَّمٌ وكَريتٌ، وهو التامُّ، وقد تَجَرَّمَ أَي انَقَضَى، قالَ لَبِيدٌ:

  دِمَنٌ تَجَرَّمَ بَعدَ عَهْدِ أَنِيسِها ... حِجَجٌ خَلَوْنَ حَلالُها وحَرامُها⁣(⁣٢)

  أَي تَكَمَّلَ.

  قالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا كُلُّه مِن القَطْع كأَنَّ السَّنَةَ لمَّا مَضَت صارَتْ مَقْطوعَةً من المُسْتَقبلَةِ.

  وجَرَّمْناهُم تَجْرِيماً: أَي خَرَجْنا عنهم، نَقَلَه اللّيْثُ.

  ولا جَرَمَ، ويقالُ: لا ذا جَرَمَ ولا أَنْ ذا جَرَمَ ولا عن ذا جَرَمَ ولا جَرَ، بِلا مِيمٍ. قالَ الكِسائيُّ حُذِفَتِ المِيمُ لكَثْرةِ اسْتِعْمالِهِم إيَّاه كما قالوا: حاشَ للهِ، وهو في الأَصْلِ حاشَا للهِ، وكما قالوا: أَيْشْ وإنَّما هو أَيُّ شيءٍ، وكما قالوا: سَوْتَرَى وإنَّما هو سَوْفَ تَرَى. ويقالُ أَيْضاً: لا جَرُمَ، ككَرُمَ، ولا جُرْمَ بالضَّمِ، كلُّ ذلِكَ: أَي لا بُدَّ، أَو معْناه حَقًّا، أَو لا مَحالَةَ، أَو هذا أَصْلُه ثم كَثُرَ اسْتِعْمالَهم إِيَّاه حتى تَحَوَّلَ إلى معنى القَسَمِ.

  ونصّ الصِّحاحِ: قالَ الفرَّاءُ: لا جَرَمَ كَلِمةٌ كانتْ في الأَصْلِ بمنْزِلَةِ لا مَحالَةَ ولا بُدَّ، فَجَرَتْ على ذلِكَ وكَثُرَتْ حتى تَحَوَّلَتْ إلى معْنَى القَسَمِ وصارَتْ بمنْزِلَةِ حَقًّا، فلذَلِكَ يُجابُ عنه، كذا بخطِّ أَبي زَكَريا وفي سائِرِ نسخِ الصِّحاحِ: عنها، باللَّامِ كما يُجابُ بها عن القَسَمِ، فيُقالُ، وفي الصِّحاحِ: ألا تَرَاهُم يقُولُون،: لا جَرَمَ لآتِيَنَّك؟ قالَ: وليسَ قَوْلُ مَن قالَ: جَرَمْتَ حَقَقْتُ بشيءٍ، وإنَّما لَبَّسَ عليهم قَوْلَ الشاعِرِ، وهو أَبو أَسْماء بنُ الضَّريبَةِ، ويقالُ للحَوْفَزان، قالَ ابنُ بَرِّي: ويقالُ لعَطِية بنِ عَفِيف:

  ولقد طَعَنْتُ أَبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزارة بعدَها أَن يَغْضَبُوا⁣(⁣٣)

  فرَفَعُوا فَزارةَ، كأَنَّه قالَ: حَقَّ لها الغَضَب. قالَ: وفَزارَةُ مَنْصوبَةٌ أَي جَرَمَتْهُم الطَّعنةُ أَن يَغْضَبوا.

  قالَ أَبو عُبَيْدَةَ: أَحَقَّت عليهم الغَضَبَ أَي أَحَقَّت الطَّعنةُ فَزارَةَ أَن يَغْضَبوا، وحَقَّتْ أَيْضاً: مِن قَوْلِهم لا جَرَمَ لأَفْعَلَنَّ كذا أَي حَقًّا.

  قالَ ابنُ بَرِّي: وهذا القَوْلُ ردُّ على سِيْبَوَيْه والخَلِيل لأَنَّهما قَدَّراه أَحَقَّتْ فزارَةَ الغضَبَ، أَي بالغَضَب فأَسْقَط الباءَ، قالَ: وفي قَوْلِ الفرَّاءِ لا يحتاجُ إلى إسْقاطِ حَرْف الجَرِّ فيه، لأنَّ تَقْديرَهُ عنْدَه كسَبَتْ فَزارةَ الغَضَبَ عليك، قالَ: والصَّوابُ في إنْشادِ البيت: وقد طعنتَ، بفتحِ التاءِ، لأَنَّه يُخاطِبُ كُرْزاً العُقَيْليَّ يَرْثيه، وقبْلَ البَيْتِ:

  يا كُرْزُ إنَّك قد قُتِلْتَ بفارسٍ ... بَطَلٍ إذا هابَ الكُماةُ وجَبَّبُوا⁣(⁣٤)

  وكان كُرْزٌ قد طَعَنَ: أَبا عيينة، وهو حِصْنُ بن حذيفَةَ بنِ بَدْر الفَزارِيُّ.

  قالَ ابنُ سِيْدَه: وزَعَمَ الخَلِيلُ أَنَّ جَرَمَ إنَّما تكونُ جَواباً لمَا قَبْلها مِن الكَلامِ، يقولُ الرجُلُ: كانَ كذا وكذا، وفَعَلوا كذا فتَقولُ: لا جَرَمَ أَنَّهم سَيَنْدمُونَ، أَو أَنَّه سيكونُ كذا وكذا.

  وقالَ ثَعْلَب: الفرَّاء والكِسائيّ يقُولان لا جَرَمَ تَبْرِئَةٌ.

  قالَ الأزْهَرِيُّ: وقد قيلَ لا صِلَةَ في لا جَرَم والمعْنَى كَسَبَ لهم عَمَلُهم النَّدَم.


(١) ديوانه واللسان.

(٢) من معلقته، واللسان والتهذيب.

(٣) اللسان والصحاح والمقاييس ١/ ٤٤٦ وعجزه في التهذيب.

(٤) اللسان.