تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[ختم]:

صفحة 189 - الجزء 16

فصل الخاء المعجمة مع الميم

  [ختم]: خَتَمَهُ يَخْتِمُهُ خَتْماً وخِتاماً، بالكسْرِ هذه عن اللّحْيانيّ، أَي طَبَعَهُ، فهو مَخْتومٌ ومُخَتَّمٌ، شدِّدَ للمُبالَغَةِ، قالَهُ الجوْهَرِيُّ.

  وقيلَ: الخَتْمُ إخْفاءُ خَبَرِ الشيءِ بجَمْعِ أَطْرافِه عليه على وَجْهٍ يَتَحَفَّظ به.

  ومِن المجازِ: خَتَمَ على قَلْبِهِ: إذا جَعَلَهُ لا يَفْهَمُ شَيئاً ولا يَخْرُجُ منه شيءُ كأَنَّه طُبِعَ، ومنه قوْلُه تعالَى: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ}⁣(⁣١)، وهو كقَوْلِه: {طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ}⁣(⁣٢)، فلا تَعْقِلُ ولا تَعِي شَيئاً.

  وقالَ الزَّجَّاجُ: معْنَى خَتَمَ وطَبَعَ واحِدٌ في اللُّغَةِ، وهو التَّغْطيةُ على الشيءِ والاسْتِيثاقُ مِن أَنْ لا يَدْخله شيءٌ، كما قالَ، جلَّ وعلا: {أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها}⁣(⁣٣).

  وخَتَمَ الشَّيءَ خَتْماً: بَلَغَ آخِرَهُ، كما في المحْكَمِ.

  وقالَ الرَّاغبُ: الخَتْمُ والطَّبْعُ يقالُ على وَجْهَيْن: الأَوَّل: تأْثِيرُ الشيءِ بنقْشِ الخَاتَمِ والطَّابعِ، والثاني: الأَثَرُ الحَاصِل عن النَّقْشِ، ويَتَجوَّزُ به تارَةً في الاسْتِيثاقِ مِن الشيءِ والمَنْع منه اعْتِباراً لمَا يَحْصَل مِن المَنْعِ بالختم على الكُتُبِ والأَبْوابِ، وتارَةً في تَحْصِيلِ أَثَر شيءٍ عن شيءٍ اعْتِباراً بالنَّقْشِ الحَاصِلِ، وتارَةً يُعْتَبرُ فيه بُلوغُ الآخر، ومنه خَتَمْتُ القُرْآن أَي انْتَهَيْت إلى آخِرِه، فقوْلُه تعالَى: {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ} إشارَةً إلى ما أَجْرَى اللهُ به العادَةَ أَنَّ الإنْسان إذا تَنَاهَى في اعْتِقادٍ باطِلٍ وارْتِكابِ مَحْظُورٍ، فلا يكونُ منه تَلَفّت بوَجْه الى الحقِّ يُورِثه ذلِكَ هَيْئةً تُمَرِّنُهُ على اسْتِحسْان المَعاصِي فكأَنَّما يخْتُم بذلِكَ على قَلْبِهِ، وعلى هذا النَّحْو اسْتِعارَةُ الاغْفالِ والكِنّ والقَساوَةِ.

  وقالَ الجُبَّانيُّ: جَعَل اللهُ خَتْماً على قُلُوبِ الكُفَّارِ ليكون دَلالَةً للمَلائِكَةِ على كُفْرِهم فلا يَدْعون لهم. قالَ الرَّاغبُ: وليسَ ذلِكَ بشيءٍ فإنَّ هذه الكِتابَةِ إنْ كانتْ مَحْسوسَةً فمن حقِّها أَنْ يدْرِكَها أَصْحابُ التَّشْريحِ، وإنْ كانتْ مَعْقولةً⁣(⁣٤) فالمَلائِكَةُ باطِّلاعِهم على اعْتِقادَاتِهم مُسْتَغْنية عن الاسْتِدْلال.

  ومِن المجازِ: خَتَمَ الزَّرْعَ يَخْتِمُهُ خَتْماً، وخَتَمَ عليه: إذا سَقاهُ أَوَّلَ سَقْيَةٍ، وهو الخَتْمُ.

  والخِتامُ: اسْمٌ له، لأَنَّه إذا سُقِي خُتِم بالرَّجاءِ، وقد خَتَمُوا على زُروعِهم أَي سَقَوْها، وهي كِرابٌ بَعْدُ.

  قالَ الطائِفيُّ: الخِتامُ أَن تُثارَ الأَرْضُ بالبَذْرِ حتى يَصِيرَ البَذْر تحْتَها ثم يَسْقونَها، يقُولُون: خَتَمُوا عليه.

  قالَ الأَزْهَرِيُّ: وأَصْلُ الخَتْمِ التَّغْطيَةُ، وخَتْم البَذْر تَغْطِيَتُه.

  والخِتامُ، ككِتابٍ: الطِّينُ يُخْتَمُ به على الشَّيءِ. يقالُ: ما خِتامُك طينٌ أَمْ شمْعٌ.

  والخاتَمُ، بفتحِ التاءِ: ما يُوضَعُ على الطِّينَةِ، هو اسمٌ مِثْلُ العالَمِ.

  ومِن المجازِ: لَبِسَ الخاتَم، وهو حَلْيٌ للإِصْبَعِ كالخاتِمِ، بكسْرِ التاءِ لُغَتانِ. وفي الحدِيْث: «آمِيْن خاتَمُ ربّ العَالَمِيْن على عبادِهِ المُؤْمِنِين»، أَي طَابِعُه وعَلامَتُه التي ترفَعُ⁣(⁣٥) عنهم الأَعْراضَ والعَاهات، لأَنَّ خاتَمَ الكِتابِ يَصُونهُ ويَمْنَعُ النَّاظِرِينَ عمَّا في باطِنِه.

  والخاتامِ والخَيْتامِ والخِيتامِ، بالكسْرِ، والخَتَمِ، محرَّكةً، والخَاتِيامِ، فهي لُغاتٌ سَبْعة، نَقَلَها ابنُ سِيْدَه ما عَدا الأَخِيرَة.

  واقْتَصَرَ الجوْهَرِيُّ على الخَمْسَةِ الأَولى.

  وزادَ ابنُ مالِكٍ الخَيْتَمُ، كحَيْدَرٍ وجَمَعها خَمْس لُغات في قوْلِه:

  في الخاتَم الخيتم والخيتاما ... يروون والخاتم والخاتاما

  وقوْلُ شيْخِنا: وفي كَلامِ المصنِّفِ ستّ فيه نَظَرٌ بلْ


(١) البقرة الآية ٧.

(٢) النحل الآية ١٠٨ ومحمد الآية ١٦.

(٣) محمد الآية ٢٤.

(٤) في المفردات: فإن كانت معقولة غير محسوسة.

(٥) اللسان: «تدفع».