تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الدال مع النون

صفحة 208 - الجزء 18

  الشَّريجُ: القَوْسُ.

  وقالَ جَريرٌ:

  أَعَيَّاشُ قد ذاقَ القُيونُ مَراسَتي ... وأَوْقدتُ نارِي فادْنُ دُونَكَ فاصْطِلي

  ويدخُلُ على دُونِ، من والباءُ قَليلاً، فيقالُ: هذا دُونك، وهذا من دُونِك، وفي الكِتابِ العَزيزِ: {وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ}⁣(⁣١)؛ أَنْشَدَ سِيْبَوَيْه:

  لا يَحْمِلُ الفارِسَ إلَّا المَلْبُونْ ... ألمحْضُ من أَمامِه ومن دُونْ⁣(⁣٢)

  قالَ: وإنَّما قلْنا فيه إنَّه إنَّما أرادَ مِن دُونِه لقوْلِه مِن أَمامه فأَضافَ، فكَذلِكَ نَوَى إضافَة دُون، وأَنْشَدَ في هذا المعْنَى للجَعْديِّ:

  لها فَرَطٌ يكونُ ولا تَراهُ ... أَماماً من مُعَرَّسِنا ودُونا⁣(⁣٣)

  وأَمَّا الباءُ فقد اسْتَعْمَلَه الأَخْفَش في كتابِهِ في القَوافِي، فقالَ فيه وقد ذَكَرَ أعْرابيًّا أَنْشَدَه شعْراً مُكْفَأً: فرَدَدْناه عليه وعلى نَفَرٍ مِن أَصْحابِهِ فيهم مَنْ ليْسَ بدُونِهِ، فأَدْخَل عليه الباءَ كما تَرَى.

  وقوْلُهم: دُونَ النَّهْرِ جماعَةٌ، ودُونَ قَتْلِ الأَسَدِ أَهْوالٌ، أَي قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إليه؛ ومنه قوْلُ دُرَيْدٍ في المَقْصورَةِ:

  إنَّ امْرأَ القيْسِ جرى إلى مَدَى ... فاعْتاقه حَمَامُه دُونَ المَدَى

  أَي قَبْلَه؛ نَقَلَه الخفاجيُّ.

  قالَ اللّحْيانيُّ: وأَكْثَرُ ما يقالُ⁣(⁣٤) في كَلامِ العَرَبِ: هذا رَجُلٌ من دُونٍ، وهذا شيءٌ مِن دُونٍ أَي حَقِيرٌ ساقِطٌ؛ يقُولُونَها مع مِن؛ ومنه قوْلُهم: لو لا أَنَّك مِن دُونٍ لم تَرْضَ بذا، ورَضِيتَ مِن فلانٍ بأَمْرٍ مِن دُونٍ. ولا يقالُ: رَجُلٌ دُونٌ لم يَتَكَّلُموا به، وقد جَوَّزَه بعضُهم فقالَ: يقالُ: رَجُلُ دُونٌ: ليْسَ بلا حق؛ وثوْبٌ دُونٌ: رَدِيءٌ.

  وقالَ ابنُ جني: في شيءٍ دُونٍ، ذَكَرَه في كتابِهِ المَوْسوم بالمُعَربِ. ولا يقالُ فيه ما أَدْوَنَه لأنَّه لا يَتَصَرَّف منه فِعْل.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  قالَ سِيْبَوَيْه: قالوا هو دُونَكَ في الشَّرفِ والحَسَبِ ونحْوِه على المَثَلِ، كما قالُوا: إنه لصُلْبُ القَناةِ، وإنَّه لمن شَجَرَةٍ صالِحَةٍ.

  قالَ ابنُ جني: ويقالُ: أَقلُّ الأَمْرَيْن أَدْوَنُهما.

  قالَ ابنُ سِيْدَه: فاستعملَ منه أَفْعَل وهذا بَعِيدٌ لأنَّه ليْسَ له فعْلٌ، فتكونُ هذه الصِّيغَةُ مَبْنِيَّة منه وإنمَّا تُصاغُ هذه الصِّيغَةُ مِنَ الأَفْعَالِ، غَيْر أَنَّه قد جاءَ مِن هذا شيء ذَكَرَه سِيْبَوَيْه، وذلكَ قوْلُهم: أَحْنَكُ الشاتَيْنِ، كأنَّهم قالوا حَنَك، فإنَّما جاؤوا بأَفْعَل على نَحْوِ هذا، ولم يتَكَلَّموا بالفعْلِ.

  وقد يكونُ دُون بمعْنَى تحْتَ كقوْلِكَ دُونَ قَدَمِك خَدُّ عدُوِّك، أَي تحْتَ قَدَمِك؛ وجَلَسَ دُونَه: أَي تحْتَه.

  قالَ الفرَّاءُ: وتكونُ بمعْنَى على، وبمعْنَى بَعْدَ، وبمعْنَى عنْدَ، الأخيرَةُ ذَكَرَها ابنُ السَّيِّدِ في المَعانِي، وبه فسَّرَ الزوزني قوْلَ امْرئِ القَيْسِ:

  فالحقه بالهاديات ودونه⁣(⁣٥)

  أَي عنْدَه.

  وبمعْنَى الأَدْون الذي نَقَلَه الرَّاغبُ.

  ودِيوانٌ بالكسْرِ: اسمُ كلْبٍ؛ وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّي للرَّاجزِ:

  أَعْدَدْتُ دِيواناً لدِرْباسِ الحَمِتْ ... مَتى يُعايِنْ شَخْصَه لا يَنْفَلِتْ⁣(⁣٦)


(١) القصص، الآية ٢٣.

(٢) اللسان.

(٣) اللسان.

(٤) في القاموس: «ويُقالُ» بدون «ما».

(٥) من معلقته، ديوانه ص ٥٨ وتمام روايته:

فألحقنا بالهاديات ودونه ... جواحرها في صرةٍ لم تزيَّلِ

(٦) اللسان.