[فبزن]:
  والفِتْنَةُ: إِعْجابُك بالشَّيءِ، ومنه قوْلُه تعالى: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ}(١)؛ أي لا تُظْهِرْهُم علينا فيُعْجبُوا ويظنُّوا أنَّهم خَيْرٌ منَّا، والفِتْنَةُ هنا إعْجابُ الكفّارِ بكفْرِهم.
  وفي الحدِيثِ: «ما تَرَكْتُ فِتْنةً أَضَرَّ على الرِّجالِ مِن النِّساءِ»؛ يقولُ: أَخافُ أَن يُعْجبُوا بهنَّ فيَشْتغِلُوا عن الآخِرَةِ والعَمَل لها.
  وفَتَنَه يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً: أَعْجَبَه وأَفْتَنَه، كذلِكَ، الأولى لُغَةُ الحِجازِ، والثَّانيَةُ لُغَةُ نَجْدٍ، هذا قوْلُ أَكْثَر أَهْل اللغَةِ؛ قالَ أَعْشَى هَمْدانَ فجاء باللُّغَتَيْن:
  لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً فأَمْسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِم(٢)
  قالَ ابنُ بَرِّي: قالَ ابنُ جنيّ: ويقالُ هذا البَيْتُ لابنِ قَيْسٍ.
  وقالَ الأَصْمعيُّ: هذا سَمِعْناه من مُخَنَّثٍ وليسَ بثَبَتٍ، لأنَّه كان ينكرُ أَفْتَنَ، وأَجازَه أبو زيدٍ، وقالَ: هو في رجز رُؤْبَة يعْنِي قوْلَه:
  يُعْرِضْنَ إعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ
  وقوْلُه أَيْضاً:
  إنِّي وبعضَ المُفْتِنِينَ داوُدْ ... ويوسُفٌ كادَتْ به المَكايِيدْ(٣)
  قالَ: وحكَى الزجَّاجيُّ في أَمالِيه بسنَدِه عن الأَصْمعيّ قالَ: حدَّثنا عُمر بنُ أَبي زائِدَةَ قالَ: حدَّثَتْني أُمُّ عَمْرو بنْت الأَهْتم قالتْ: مَرَرْنا ونحن جَوَارٍ بمجلسٍ فيه سَعِيد ابن جُبَيْر، ومَعَنا جارِيَة تغنِّي بدُفٍّ معها وتقولُ:
  لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْس أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً فأَمْسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِم
  وأَلْقَى مَصابِيحَ القِراءَ واشْتَرى ... وِصالَ الغَواني بالكِتابِ المُتَمَّمِ(٤)
  فقالَ سَعِيدٌ: كَذَبْتُنّ كذَبْتنَّ.
  والفِتْنَةُ: الضَّلالُ.
  والفِتْنَةُ: الإِثْمُ والمَعْصيَةُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}(٥)؛ أي الاثْم.
  والفِتْنَةُ: الكُفْرُ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}(٦)؛ وكذا قَوْلهُ تعالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}(٧)؛ وكذا قوْلُه تعالَى: {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}(٨).
  والفِتْنَةُ: الفَضِيحَةُ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ}(٩)؛ أي فَضِيحَتَه، وقيلَ: كفْرَه.
  قالَ أَبو إسْحق: ويجوزُ أن يكونَ اخْتِيارَه بما يَظْهَرُ به أَمْرُه.
  والفِتْنَةُ: العَذَابُ نحْو تَعْذيبِ الكفَّارِ ضَعْفَى المُؤْمِنِين في أَوَّلِ الإسْلام ليَصُدُّوهم عن الإِيمان؛ ومنه قوْلُه تعالى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}؛ أي في العَذابِ والبليةِ؛ وقوْلُه تعالَى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}(١٠)؛ أي عَذَابَكم.
  وقالَ الأزْهرِيُّ وغيرُه: جِماعُ معْنَى الفِتْنَة الابْتِلاءُ والامْتِحانُ والاخْتِيارُ، وأَصْلُها مأْخوذٌ مِن الفتنِ، وهو إذابَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ بالنَّارِ لِتَمَيُّزِ الرَّدِيءِ من الجيِّدِ.
  وفي الصِّحاحِ: لتنْظرَ ما جَوْدَتُه.
  زادَ الرَّاغبُ: ثم استعمل في إدْخالِ الإِنْسان النَّار والعَذَاب، وتارَةً يسمّونَ ما يَحْصَلُ عنه العَذابُ فِتْنَةً فتسْتَعْملُ فيه، وتارَةً في الاخْتِبارِ نحْو: {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً}(١١).
  والفِتْنَةُ: الإِضْلالُ؛ نحْو قَوْله تعالَى: {ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ}
(١) يونس، الآية ٨٥.
(٢) اللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس ٤/ ٤٧٣.
(٣) اللسان.
(٤) اللسان.
(٥) التوبة، الآية ٤٩.
(٦) البقرة، الآية ١٩١.
(٧) النساء، الآية ١٠١.
(٨) يونس، الآية ٨٣.
(٩) المائدة، الآية ٤١.
(١٠) الذاريات، الآية ١٤.
(١١) طه، الآية ٤٠.