تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[فبزن]:

صفحة 425 - الجزء 18

  والفِتْنَةُ: إِعْجابُك بالشَّيءِ، ومنه قوْلُه تعالى: {رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ}⁣(⁣١)؛ أي لا تُظْهِرْهُم علينا فيُعْجبُوا ويظنُّوا أنَّهم خَيْرٌ منَّا، والفِتْنَةُ هنا إعْجابُ الكفّارِ بكفْرِهم.

  وفي الحدِيثِ: «ما تَرَكْتُ فِتْنةً أَضَرَّ على الرِّجالِ مِن النِّساءِ»؛ يقولُ: أَخافُ أَن يُعْجبُوا بهنَّ فيَشْتغِلُوا عن الآخِرَةِ والعَمَل لها.

  وفَتَنَه يَفْتِنُه فَتْناً وفُتُوناً: أَعْجَبَه وأَفْتَنَه، كذلِكَ، الأولى لُغَةُ الحِجازِ، والثَّانيَةُ لُغَةُ نَجْدٍ، هذا قوْلُ أَكْثَر أَهْل اللغَةِ؛ قالَ أَعْشَى هَمْدانَ فجاء باللُّغَتَيْن:

  لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْسِ أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً فأَمْسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِم⁣(⁣٢)

  قالَ ابنُ بَرِّي: قالَ ابنُ جنيّ: ويقالُ هذا البَيْتُ لابنِ قَيْسٍ.

  وقالَ الأَصْمعيُّ: هذا سَمِعْناه من مُخَنَّثٍ وليسَ بثَبَتٍ، لأنَّه كان ينكرُ أَفْتَنَ، وأَجازَه أبو زيدٍ، وقالَ: هو في رجز رُؤْبَة يعْنِي قوْلَه:

  يُعْرِضْنَ إعْراضاً لدِينِ المُفْتِنِ

  وقوْلُه أَيْضاً:

  إنِّي وبعضَ المُفْتِنِينَ داوُدْ ... ويوسُفٌ كادَتْ به المَكايِيدْ⁣(⁣٣)

  قالَ: وحكَى الزجَّاجيُّ في أَمالِيه بسنَدِه عن الأَصْمعيّ قالَ: حدَّثنا عُمر بنُ أَبي زائِدَةَ قالَ: حدَّثَتْني أُمُّ عَمْرو بنْت الأَهْتم قالتْ: مَرَرْنا ونحن جَوَارٍ بمجلسٍ فيه سَعِيد ابن جُبَيْر، ومَعَنا جارِيَة تغنِّي بدُفٍّ معها وتقولُ:

  لئِنْ فتَنَتْني لَهْيَ بالأَمْس أَفْتَنَتْ ... سَعِيداً فأَمْسَى قد قَلا كلَّ مُسْلِم

  وأَلْقَى مَصابِيحَ القِراءَ واشْتَرى ... وِصالَ الغَواني بالكِتابِ المُتَمَّمِ⁣(⁣٤)

  فقالَ سَعِيدٌ: كَذَبْتُنّ كذَبْتنَّ.

  والفِتْنَةُ: الضَّلالُ.

  والفِتْنَةُ: الإِثْمُ والمَعْصيَةُ، ومنه قَوْلُه تعالَى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}⁣(⁣٥)؛ أي الاثْم.

  والفِتْنَةُ: الكُفْرُ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}⁣(⁣٦)؛ وكذا قَوْلهُ تعالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}⁣(⁣٧)؛ وكذا قوْلُه تعالَى: {عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}⁣(⁣٨).

  والفِتْنَةُ: الفَضِيحَةُ؛ ومنه قوْلُه تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ}⁣(⁣٩)؛ أي فَضِيحَتَه، وقيلَ: كفْرَه.

  قالَ أَبو إسْحق: ويجوزُ أن يكونَ اخْتِيارَه بما يَظْهَرُ به أَمْرُه.

  والفِتْنَةُ: العَذَابُ نحْو تَعْذيبِ الكفَّارِ ضَعْفَى المُؤْمِنِين في أَوَّلِ الإسْلام ليَصُدُّوهم عن الإِيمان؛ ومنه قوْلُه تعالى: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}؛ أي في العَذابِ والبليةِ؛ وقوْلُه تعالَى: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ}⁣(⁣١٠)؛ أي عَذَابَكم.

  وقالَ الأزْهرِيُّ وغيرُه: جِماعُ معْنَى الفِتْنَة الابْتِلاءُ والامْتِحانُ والاخْتِيارُ، وأَصْلُها مأْخوذٌ مِن الفتنِ، وهو إذابَةُ الذَّهَبِ والفِضَّةِ بالنَّارِ لِتَمَيُّزِ الرَّدِيءِ من الجيِّدِ.

  وفي الصِّحاحِ: لتنْظرَ ما جَوْدَتُه.

  زادَ الرَّاغبُ: ثم استعمل في إدْخالِ الإِنْسان النَّار والعَذَاب، وتارَةً يسمّونَ ما يَحْصَلُ عنه العَذابُ فِتْنَةً فتسْتَعْملُ فيه، وتارَةً في الاخْتِبارِ نحْو: {وَفَتَنّاكَ فُتُوناً}⁣(⁣١١).

  والفِتْنَةُ: الإِضْلالُ؛ نحْو قَوْله تعالَى: {ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ}


(١) يونس، الآية ٨٥.

(٢) اللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس ٤/ ٤٧٣.

(٣) اللسان.

(٤) اللسان.

(٥) التوبة، الآية ٤٩.

(٦) البقرة، الآية ١٩١.

(٧) النساء، الآية ١٠١.

(٨) يونس، الآية ٨٣.

(٩) المائدة، الآية ٤١.

(١٠) الذاريات، الآية ١٤.

(١١) طه، الآية ٤٠.