تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الميم مع النون

صفحة 544 - الجزء 18

  وقالَ الجوْهرِيُّ: ومعْنَى قَوْلِ النَّحْوِيِّين في الاسْمِ إنَّه مُتَمكِّنٌ أَي أنَّه مُعْرَبٌ كعُمَرَ وإبراهيمَ، فإذا انْصَرَفَ مع ذلِكَ فهو المُتَمَكِّنُ الأَمْكَنُ كزَيْدٍ وعَمْرٍو، وغَيْر المُتَمَكِّن هو المَبْنيُّ كقَوْلكَ كَيْفَ وأَيْنَ، قالَ: ومَعْنَى قَوْلهم في الظرْفِ إنَّه مُتَمَكِّنٌ أنَّه يُسْتَعْملُ مَرَّةً ظَرْفاً ومَرَّةً اسْماً، وغَيْرُ المُتَمَكِّنِ هو الذي لا يُسْتَعْملُ في مَوْضِعٍ يَصْلح أن يكونَ ظَرْفاً إلَّا ظَرْفاً.

  والمَكانُ: المَوْضِعُ الحاوِي للشيءِ.

  وعنْدَ بعضِ المُتَكلِّمين أنَّه عَرْضٌ، وهو اجْتِماعُ جِسْمَيْن حاوٍ ومحويّ، وذلِكَ ككَوْنِ الجِسْم الحَاوِي مُحِيطاً بالمَحْويّ، فالمَكانُ عنْدَهُم هو المُناسَبَةُ بينَ هذين الجِسْمَيْن، وليسَ هذا بالمَعْروفِ في اللّغَةِ؛ قالَهُ الرَّاغبُ.

  ج أَمْكِنَةٌ، كقَذَالٍ وأَقْذِلَةٍ؛ وأَماكِنُ، جَمْعُ الجَمْعِ.

  قالَ ثَعْلَب: يَبْطُلُ أنْ يكونَ فَعالاً لأنَّ العَرَبَ تقولُ: كُنْ مَكَانَكَ، وقُمْ مَكانَكَ، فقد دَلَّ هذا على أنَّه مَصْدرٌ مِن كانَ أَو مَوْضِعٌ منه؛ قالَ: وإنَّما جُمِعَ أَمْكِنةً فعامَلُوا الميمَ الزائِدَةَ مُعامَلَة الأصْلِيّة لأنَّ العَرَبَ تُشَبِّه الحَرْفَ بالحَرْفِ، كما قالوا مَنَارَة ومَنَائِر، فشَبَّهُوها بفعَالَةٍ وهي مَفْعِلَةٌ مِنَ النُّورِ، وكان حكْمُه مَنَاوِر، كما قيلَ مَسِيل وأَمْسِلَة ومُسُل ومُسْلان، وإنَّما مَسيلٌ مَفْعِلٌ مِن السَّيْلِ، فكانَ يَنْبَغي أنْ لا يُتَجاوزُ فيه مَسايلُ، لكنَّهم جَعَلُوا الميمَ الزائِدَةَ في حكْمِ الأَصْليةِ، فصارَ مَفْعِل في حكْمِ فَعِيلٍ، فكُسِّر تَكْسِيرَه.

  والمَكْنانُ، بالفتْحِ: نَبْتٌ يَنْبُتُ على هَيْئةِ وَرَقِ الهِنْدِبا بعضُ وَرَقِه فَوْقَ بعضٍ، وهو كثيفٌ وزَهْرتُه صَفْراءُ، ومَنْبتُه القِنانُ ولا صَيُّورَ له، وهو أَبْطَأُ عُشْبِ الرَّبِيعَ وذلِكَ لمَكانِ لينِه.

  قالَ أبو حنيفَةَ، ¦: وإذا أَكَلَتْه الماشِيَةُ غَزُرَتْ عليه فكثُرَتْ أَلْبَانُها وخَثُرَتْ، واحِدَتُه بهاءٍ.

  وقالَ الأَزْهرِيُّ: المَكْنانُ مِن بُقُولِ الرَّبيعِ؛ وأنْشَدَ لذي الرُّمَّةِ:

  وبالرَّوْضِ مَكْنانٌ كأنَّ حَدِيقَهُ ... زَرَابيُّ وشَّتْها أَكُفُّ الصَّوانِعِ⁣(⁣١)

  ووادٍ مُمْكِنٌ، كمُحْسِنٍ: يُنْبِتُه؛ أنْشَدَ ابنُ الأَعْرابيِّ:

  ومَجَرّ مُنْتَحَرِ الطَّليّ تَناوَحَتْ ... فيه الظِّباءُ ببطْنِ وادٍ مُمْكِنِ⁣(⁣٢)

  وأنْشَدَ ابنُ بَرِّي لأَبي وَجْزَةَ يَصِفُ حِماراً:

  تَحَسَّرَ الماءُ عنه واسْتَجَنَّ به ... إلْفانِ جُنَّا من المَكْنانِ والقُطْبِ⁣(⁣٣)

  وأبو مَكِينٍ، كأَميرٍ: نُوحُ بنُ رَبيعَةَ البَصْرِيُّ تابِعِيٌّ، هكذا في النسخِ والصَّوابُ أنَّه مِن أَتْباعِ التابِعِين؛ ففي الكاشِفِ للذَّهبيِّ؛ رَوَى عن أَبي مجلزٍ وعِكْرِمَة، وعنه وَكِيعٌ والقطَّانُ، ثِقَةٌ.

  وقالَ ابنُ المُهَنْدس في الكنَى: رَوَى عن إياسِ بنِ الحارِثِ بنِ معيقبِ الدّوْسيّ، وعنه سهلُ بنُ حمَّادٍ الدَّلَّال.

  وفي الثِّقاتِ لابنِ حبَّان في تَرْجَمَة إياس هذا: يَرْوِي عن جَدِّه مُعَيْقبِ بنِ أَبي فاطِمَةَ الدّوسِيّ حَليف قُرَيْش، وعنه أبو مَكِينٍ.

  ومَكَّنْتُه من الشَّيءِ تَمْكِيناً، وأَمْكَنْتُه منه بمعْنًى، كما في الصِّحاحِ، فَتَمَكَّنَ واسْتَمْكَنَ: إذا ظَفِرَ به، والاسمُ مِن كلِّ ذلِكَ المكانَةُ، كما في المُحْكَم.

  قالَ الأَزْهرِيُّ: ويقالُ أمْكَنَني الأَمْرُ، فهو مُمْكِنٌ، ولا يقالُ: أنا أُمْكِنُه بمعْنَى أَسْتَطِيعُه، ويقالُ: لا يُمْكِنُكَ الصُّعودَ إلى هذا الجَبَلِ، ولا يقالُ: أنتَ تُمْكِنُ الصُّعودَ إليه.

  * وممَّا يُسْتدركُ عليه:

  ضِبابٌ مِكانٌ، بالكسْرِ، جَمْعُ المَكُونِ، قالَ الشاعِرُ:


(١) ديوانه واللسان والتهذيب.

(٢) اللسان والتهذيب والتكملة بدون نسبة.

(٣) اللسان.