تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[لبب]:

صفحة 393 - الجزء 2

  ورجل لَبٌّ: لازمٌ لِصَنْعَتِه، لا يُفَارِقُهَا ويُقَال: رجلٌ لَبٌّ طَبٌّ، أَي: لازِمٌ للأَمْر. وأَنشد أَبو عَمْرو:

  لَبّاً بأَعْجَازِ المَطِيّ لاحِقا

  واللَّبُّ: المُقِيمُ بالأَمْر.

  وقال ابْنُ الأَعْرَابيّ: اللَّبُّ: الطاعةُ: وأَصلُه من الإِقامَة.

  وقولهم: لَبَّيْكَ: اللَّبُّ واحدٌ، فإِذا ثَنَّيْت، قُلتْ في الرّفع: لَبَّانِ، وفي النَّصْب والخَفْض: لَبَّيْنِ، وكان في الأَصل: لَبَّيْنِكَ، أَي أَطَعْتُك مرّتَيْن، ثم حذفت النّون للإِضافة، أَي أَطعتْك طاعةً، مُقيماً عِنْدَكَ إِقامةً بعدَ إِقامةٍ.

  وفي المُحْكَم: قال: سِيبَوَيْهِ: وزعَمَ يُونُسُ أَنَّ لَبَّيْك اسْمٌ مفرد، بمنزلة عَلَيْك، ولكِنَّهُ جاءَ على هذا اللَّفْظ في حَدِّ الإِضَافَةَ. وزَعم الخليلُ أَنّها تَثْنيَةٌ، كأَنّه قال: [كلّما]⁣(⁣١) أَجَبْتُك في شَيْءٍ، فأَنَا في الآخَرِ لك مُجِيبٌ. قال سِيبَوَيْهِ: ويَدُلُّكَ على صِحَّة قولِ الخَلِيل قولُ بعضِ العرب: لَبِّ، يُجْرِيهِ مُجْرَى أَمْسِ وَغَاقِ. وقال ابْنُ جِنِّي: الأَلِفُ في لَبَّى عندَ بعضهم، وهي ياءٌ التَّثْنِيَة في: لَبَّيْكَ، لأَنَّهم اشْتَقُّوا من الاسم المَبْنِيّ الّذي هو الصَّوْت مع حرف التّثنية فعْلاً، فجَمعوه من حُروفه، كما قالُوا من لا إِلهَ إِلّا اللهُ: هَلَّلْتُ، ونحو ذلك، فاشْتَقُّوا لَبيْتُ من لَفْظ لَبّيْكَ، فجَاؤُوا في لفظ لَبَّيْت بالياءِ الّتِي للتّثنية فِي لَبَّيْك، وهذا قول سِيبَويهِ. قال: وأَما قولُ يُونُسَ، فزَعَمَ أَن لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَد، وأَصلُه عندَهُ: لَبَّبٌ، وزنُهُ فَعْلَلٌ، قال: ولا يجوزُ أَن تَحْمِلَهُ على فَعَّلَ، لِقِلَّة فَعَّلَ في الكلام، وكَثرة فَعْلَلَ، فقلب⁣(⁣٢) الباءَ، الّتي هي الّلام الثّانية من لَبَّبَ، ياءً، هَرَباً من التّضعيف، فصار لَبَّىٌ، ثُمَّ أَبدل الياءَ أَلفاً لِتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلَها، فصارَ لَبَّى، ثم إِنّه لَما وُصِلَتْ بالكاف في لَبَّيْك، وبالهاء في لَبَّيْه، قُلِبت الأَلفُ ياءً، كما قلبت في [إِلَى]⁣(⁣٣) وعَلَى ولَدَى، إِذا وَصَلْتَها بالضَّمير، فقلتَ: إِلَيْكَ، وعَلَيْكَ، وَلَدَيْكَ. وقد أَطال شيخُنا الكلام في هذا المَبْحث، وهو مأْخوذٌ من لسان العرب، ومن كتاب المُحْتَسِب لابْنِ جِنِّي، وغيرِهما؛ وفيما ذكرناه كفايةٌ. واللُّبُّ، بالضَّمِّ: السَّمُّ. وفي لسان العرب، عن أَبي الحسن: وربّما سُمِّي سَمُّ الحَيَّةِ لُبّاً.

  واللُّبُّ: خالِصُ كُلِّ شَيءٍ، كاللُّبابِ، بالضَّمّ أَيضاً.

  ومِنَ النَّخْلِ جَوْفُهُ. وقد غلب على ما يُؤكَلُ داخلُهُ ويُرْمَى خارِجُهُ من الثَّمَر.

  ولُبُّ الجَوْزِ نَحْوِه⁣(⁣٤) كاللَّوْز وشِبْهِهِ: ما في جَوْفِه، والجمع اللّبُوبُ. ومثلُهُ قولُ اللَّيْث: ولُبُّ النَّخلَة: قَلْبُها.

  ومن المَجَاز: لُبُّ الرَّجُل: ما جُعل في قلْبه من العَقْل، سُمِّيَ بهِ لأَنّه خُلاصَة الإِنسان، أَو أَنَّهُ لا يُسمَّى ذلك إِلّا خَلُصَ من الهَوَى وشوائبِ الأَوْهَام، فعلى هذا هو أَخَصُّ من العَقْل. كذا في كشف الكَشَّاف، في أَوائل البَقَرَة، نقله شيخُنا. ج: أَلْبَابٌ، وأَلُبٌّ بالإِدْغام، وهو قَلِيلٌ⁣(⁣٥). قال أَبو طالبٍ:

  قَلْبِي إِليهِ مُشَرِفُ الأَلُبِّ

  وقال الجَوْهَرِيُّ. وربَّمَا أَظهروا التَّضْعيفَ في ضرورَة الشّعر، قال الكُمَيْتُ:

  إِلَيْكُم بَنِي آلِ النَّبِيِّ تَطَلَّعَت ... نَوَازِعُ من قَلْبِي ظِماءٌ وأَلْبُبُ⁣(⁣٦)

  وقد لَبُبْتَ، بالكَسر وبالضمّ، أَي: من بابِ: فَرِحَ وقَرُبَ، تَلَبّ بالفتح، لبّاً بالكسر⁣(⁣٧) ولَبّاً، ولَبَابَةً بالفتح فيهما: صرْتَ ذا لُبٍّ. وفي التّهذيب: حُكِيَ: لَبُبْتَ، بالضَّمّ، وهو نادِرٌ، لا نظيرَ له في المضاعف.

  وقيل لِصَفِيَّةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِب، و [قد]⁣(⁣٨) ضَرَبَتِ الزُّبَيْرَ: لِمَ تَضْرِبِينَه؟ فقالت: لَيَلَبَّ⁣(⁣٩)، ويَقُودَ الجَيْشَ ذَا الجَلَبْ.

  أَي يصيرَ ذا لُبٍّ ورواه بعضُهم أَضْرِبه لكَي يَلَبَّ، ويَقُودَ الجَيْشَ ذا اللَّجَب. قال ابْنُ الأَثِيرِ: هذه لغةُ أَهلِ الحجاز، وأَهلُ نَجْدِ يقولُونَ: لَبَّ يَلبُّ، بوزن فَرَّ يَفرّ.


(١) زيادة عن اللسان.

(٢) اللسان: فقُلبت.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: قوله «في على ولدي» سقط من خطه «إلى» بدليل ما بعده.

(٤) في القاموس: ونحوها.

(٥) كما جمع بؤس على أبؤس ونُعْمٌ على أنعُمٍ عن الصحاح.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية «قوله «بني» الذي في الصحاح: ذوي».

(٧) كذا، وفي اللسان ضبط قلم: لُباًّ.

(٨) زيادة عن اللسان.

(٩) في النهاية: أضربه كي يَلَبّ.