تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهمزة مع الواو والياء

صفحة 185 - الجزء 19

  فيمنْ يَعْقِل وفيمَا لا يَعْقِل، تقولُ: أَيُّهم أَخُوك، وأَيُّهم يكْرِمْني أُكْرِمْه، وهو مَعْرفَة للإِضافَةِ، وقد تترك الإِضَافَة وفيه مَعْناها، وقد تكونُ بمنْزِلَةِ الذي فتَحْتاج إلى صِلَةٍ تقولُ: أَيُّهم في الدارِ أَخُوك؛ وقد تكونُ نَعْتاً للنّكِرَةِ تقولُ: مَرَرْتُ برَجُلٍ أَيِّ رجلٍ وأَيِّما رجلٍ، ومَرَرْتُ بامْرأَةٍ أَيَّةِ امْرأَةٍ وبامْرأَتَيْن أَيَّتُما امْرَأَتَيْن، وهذه امْرأَةٌ أَيَّةُ امْرأَةٍ وامْرَأَتانِ أَيَّتُما امْرَأَتَيْنِ، وما زَائِدَة. وتقولُ في المَعْرفَةِ: هذا زَيْدٌ أَيَّما رجلٍ، فتَنْصب أَيّاً على الحالِ، وهذه أَمَةُ اللهِ أَيَّتُما جارِيَةٍ، وتقولُ: أَيُّ امْرأَةٍ جاءَك، وأَيَّةُ امْرأَةٍ جاءَتْكَ، ومَرَرْت بجارِيَةٍ أَيِّ جارِيَةٍ، وجِئْتُك بمُلأَةٍ أَيِّ مُلأَةٍ وأَيَّةِ مُلأَةٍ، كُلُّ جائِزٌ. قالَ اللهُ تعالى: {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}⁣(⁣١)، وأَيُّ قَدْ يُتَعَجَّبُ بها، قالَ جميلٌ:

  بُثَيْنَ الْزَمِي لا إنَّ لا إِنْ لَزِمْتِهِ ... على كَثْرَةِ الواشِينَ أَيُّ مَعُونِ⁣(⁣٢)

  وقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ يعْمَلُ فيه ما بَعْده ولا يَعْمَلُ فيه ما قَبْله، كقَوْلِه تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}⁣(⁣٣)، فرَفَعَ، ومنه أَيْضاً: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}⁣(⁣٤) فَنَصَبَه بما بَعْدِه؛ وأَمَّا قَوْلُ الشاعِر:

  تَصِيحُ بنا حَنِيفَةُ إِذْ رأَتْنَا ... وأَيَّ الأَرْضِ نَذْهَبُ للصِّياحِ⁣(⁣٥)

  فإنَّما نَصَبَه لنَزْعِ الخافِضِ، يُريدُ إلى أَيِّ الأَرْضِ، انتَهَى نَصُّ الجَوْهرِيّ.

  وفي التَّهْذِيبِ: رُوِي عن أَحمدِ بنِ يَحْيَى والمبرِّدِ قالا: لأَيّ ثلاثَةُ أَحْوالٍ⁣(⁣٦): تكونُ اسْتِفْهاماً، وتكونُ تعجُّباً، وتكونُ شَرْطاً: وإذا كانتِ اسْتِفْهاماً لم يَعْمَل فيها الفِعْلُ الذي قَبْلها، وإنَّما يَرْفَعها أَو يَنْصِبُها ما بَعْدَها، كقَوْلِ اللهِ تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى}، قالا: عَمِلَ الفِعْلُ في المعْنَى لا في اللّفْظِ كأَنَّه قالَ: لنَعْلَم أَيّاً مِن أَيِّ، وسيعلم أَحَد هذين، قالا: وأَمَّا المَنْصوبَةُ بما بَعْدها فكقَوْله تعالى: {سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} وقالَ الفرَّاءُ: أَيُّ إذا أَوْقَعْتَ الفِعْلَ المُتَقَدِّم عليها خَرَجَتْ مِن مَعْنى الاسْتِفهامِ، وذلكَ إن أَرَدْته جائِز، يقولونَ: لأَضْرِبَنّ أَيُّهم يقولُ ذلكَ⁣(⁣٧). وقالَ الفرَّاءُ: وأَيّ إِذا كانتْ جَزاءً فهو على مَذْهبِ الذي قالَ: وإذا كانتْ تعجُّباً لم يُجازَ بها، لأنَّ التَّعجُّبَ لا يُجازَى به، وهو كقَوْلِكَ: أَيُّ رجلٍ زيدٌ وأَيُّ جارِيَةٍ زينبُ، قالَ: والعَرَبُ تقولُ: أَيّ وأَيّانِ وأَيُّونَ، إذا أَفْرَدُوا أَيَّاً ثَنُّوْها وجَمَعُوها وأَنَّثُوها فقالوا أَيَّة وأَيَّتان وأَيَّاتٌ، وإذا أَضافُوا إلى ظاهِرٍ أَفْرَدُوها وذكَّرُوها فقالوا أَيّ الرَّجُلَيْن وأَيُّ المَرْأَتَيْن. وأَيّ الرِّجال وأَيّ النِّساءِ، وإذا أَضافُوا إلى المَكْنِيِّ المُوءَنَّثِ ذكَّرُوا وأَنَّثُوا فقالوا أَيّهما وأَيَّتهما للمرْأَتَيْن؛ وقالَ زهيرٌ في لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ:

  وزَوَّدُوكَ اشْتِياقاً أَيَّةً سَلَكوا⁣(⁣٨)

  أَرادَ أَيَّةَ وُجْهَةٍ سَلَكُوا، فأنَّثها حينَ لم يصفْها.

  وفي الصِّحاحِ: وقد يُحْكَى بأَيِّ النكراتُ ما يَعْقِلُ وما لا يَعْقِلُ، ويُسْتَفْهمُ بها، وإذا اسْتَفْهَمتَ بها عن نَكِرَةٍ أَعْرَبْتها بإعْرابِ الاسم الذي هو اسْتِثْباتٌ عنه، فإذا قيلَ لكَ: مَرَّ بي رجُلٌ، قُلْتَ: أَيٌّ يا فتى؟ تَعْربها في الوَصْل وتُشِيرُ إلى الإعْرابِ في الوقْفِ، فإن قالَ: رأَيْت رجلاً، قلْتَ: أَيّاً يا فتى؟ تعربُ وتنوِّنُ إذا وَصَلْتَ وتَقِفُ على الألفِ فتقولُ أَيّاً، وإذا قالَ: مَرَرْتُ برجُلٍ قلْتَ: أَيِّ يا فتى؟ تحكِي كَلامَه في الرفْعِ والنَّصْبِ والجرِّ في حالِ الوَصْلِ والوَقْف، وتقولُ في التَّثْنيةِ والجَمْعِ والتأْنِيثِ كما قُلْناه في من، إذا قالَ: جاءَني رِجالٌ، قلْتَ: أيُّونْ، ساكِنَةَ النونِ، وأَيَّيِّن في النصْبِ والجرِّ، وأَيَّة للمُؤَنَّثِ:


(١) لقمان الآية ٣٤.

(٢) اللسان والتكملة والصحاح، وليس في ديوانه.

(٣) سورة الكهف، الآية ١٢.

(٤) سورة الشعراء، الآية ٢٢٧.

(٥) الصحاح واللسان.

(٦) في التهذيب: «أصول».

(٧) زيد في التهذيب بعدها: لأن الضرب لا يأتي على اسمٍ يأتي بعد ذلك استفهام. وذلك أن الضرب لا يقع على اثنين.

(٨) ديوانه ط بيروت ص ٤٧ وصدره:

فإن الخليط ولم يأووا لمن تركوا

وعجزه في اللسان والتهذيب.