تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الراء مع الواو والياء

صفحة 440 - الجزء 19

  يقالُ: رَيْتَه على الحَذْفِ، أَنْشَدَ ثَعْلَب:

  وَجْناء مُقَوَرَّة الأَقْرابِ يَحْسِبُها ... مَنْ لم يَكُنْ قَبْلُ رَاهَا رَأْيَةً جَمَلا

  وأنا أَرَأُهُ والأَصْلُ أَرآهُ، حَذَفُوا الهَمْزةَ وأَلْقَوْا حَرَكَتَها على ما قَبْلَها.

  قالَ سِيْبَوَيْه: كلُّ شيءٍ كانت أَوَّلَه زائِدَةٌ سِوَى أَلِف الوَصْل مِن رَأَيْت فقد اجْتَمَعَتِ العَرَبُ على تَخْفيفِ هَمْزه لكَثْرهِ اسْتِعْمالِهم إيَّاه، جَعَلُوا الهَمْزة تُعاقِب.

  قالَ: وحَكَى أَبو الخطَّاب قَدْ أَرْآهم، فجِيءَ به على الأصْل قالَ:

  أَحِنُّ إذا رَأَيْتُ جِبالَ نَجْدٍ ... ولا أَرْأَى إلى نَجْدٍ سَبِيلا

  قالَ بعضُهم: ولا أَرَى على احْتِمالِ الزِّحافِ؛ وقالَ سُراقَةُ البارِقيّ:

  أَرَى عَيْنَيَّ ما لم تَرْأَياهُ ... كِلانا عالِمٌ بالتُّرَّهاتِ⁣(⁣١)

  ورَواهُ الأَخْفَش: ما لم تَرَياهُ، على التَّخْفيفِ الشائِع عن العَرَب في هذا الحَرْف.

  ويقولُ أَهْلُ الحجازِ في الأَمْرِ مِن رَأَى: وَذلك، وللاثْنَيْن: رَيا، وللجَمْع: رَوْا ذلكَ، ولجماعَةِ النِّسْوةِ: رَيْنَ ذا كُنَّ.

  وبَنُو تمِيمٍ يَهْمزُونَ في جميعِ ذلكَ على الأصْلِ.

  وتَراءَيْنا الهِلالَ: تَكَلَّفْنا النَّظَرَ هل نَراهُ أَمْ لا.

  وقيلَ: تَراءَيْنا نَظَرْنا؛ وقالَ أَبو ذُؤَيْب:

  أَبَى اللهُ إلَّا أن يُقِيدَكَ بَعْدَما ... تَراءَيْتُموني من قَرِيبٍ ومَوْدِقِ⁣(⁣٢)

  وفي الحدِيثِ: لا يَتَمَرْأَى أَحَدُكم في الماء، أَي لا يَنْظُرُ وَجْهَه فيه، وَزْنُه يَتَمفْعَل، حَكَاه سِيْبَوَيْه. وحَكَى الفارِسيُّ عن أَبي الحَسَن: رُيَّا لُغَةٌ في الرُّؤْيا، قالَ: وهذا على الإدْغام بَعْدَ التَّخْفيفِ البَدَليُّ؛ وحَكَى أَيْضاً رِيَّا أَتْبَع الياءَ الكَسْرَ.

  وقالَ الأزْهريُّ: زَعَمَ الكِسائيُّ أنَّه سَمِعَ أَعْرابيّاً يقْرَأُ إنْ كُنْتُم للرُّيَّا تَعْبُرُونَ⁣(⁣٣).

  ورَأَيْتُ عَنْك رُؤًى حَسَنَةً: أَي حملتها⁣(⁣٤).

  وقالوا: رَأْيَ عَيْني زيدٌ⁣(⁣٥) فَعَلَ ذاكَ، وهو مِن نادِرِ المصادِرِ عنْدَ سِيْبَوَيَه، ونَظِيرُهُ سَمْعَ أُذُنِي، ولا نَظِير لهُما في المُتَعَدِّيات.

  والتَّرِيَّةُ: الشَّيءُ الخفِيُّ اليَسِيرُ مِن الصُّفْرةِ والكُدْرةِ تَراها المَرْأَةُ بَعْد الاغْتِسالِ من الحيْضِ، فأَما ما كانَ في أَيَّامِ الحيْضِ فهو حَيْضٌ وليسَ بتَرِيَّة؛ ذَكَرَهُ الجوهريُّ.

  وزادَ في المُحْكَم فقالَ: والتَّرْئِيَةُ والتريةُ، بالكسْرِ؛ قالَ: والفَتْح مِن التَّرِيَّة نادِرٌ، ثم قالَ: وقيلَ: التَّرِيَّةُ الخِرْقَةُ التي تَعْرِفُ بها حَيْضَتَها مِن طُهْرها، وهو مِن الرُّؤيَةِ.

  ومِن المجازِ: رَأَى المَكانُ المَكانَ: إذا قابله حتى كأنَّه يَراهُ؛ قالَ ساعِدَةُ:

  لمَّا رَأَى نَعْمانَ حَلَّ بكِرْفِئٍ ... عَكِرٍ كما لَبَجَ النُّزُولَ الأَرْكُبُ⁣(⁣٦)

  وقرأ أبو عمرو⁣(⁣٧): أَرْنَا مَنَاسِكَنا⁣(⁣٨)، وهو نادِرٌ لمَا يَلْحَقُ الفِعْلَ مِنَ الإِجْحافِ.

  ودُورُ القَوْمِ مِنّا رِئاءٌ: أَي مُنْتَهَى البَصَرِ حيثُ نَراهُم.

  وقوْلُهم: على وَجْهِه رَأْوَةُ الحُمْقِ إذا عَرَفْتَ الحُمْقَ فيه قبل أَنْ تَخْبُرَهُ؛ نقلَهُ الجَوْهريُّ والأزْهرِيُّ.


(١) اللسان والصحاح والتهذيب.

(٢) ديوان الهذليين ١/ ٩١ واللسان.

(٣) سورة يوسف، الآية ٤٣ والقراءة: {لِلرُّءْيا}.

(٤) في اللسان: حلمتها.

(٥) عن اللسان، وبالأصل «زيدا».

(٦) ديوان الهذليين ١/ ١٧٣ في شعر ساعدة بن جؤية، واللسان.

(٧) بالأصل «وقرأ أبو عمر» والتصحيح عن اللسان.

(٨) سورة البقرة، الآية ١٢٨ وبالأصل «أرنا» والقراءة: «أَرِنا».