(فصل النون) مع الباء
  قال شيخُنا: وزَعَمَ الأَصمعيُّ أَنَّ النّائحةَ سُمِّيَتْ بهذا لأَنّها تُقابِلُ صاحِبَتَها؛ وأَنشد المُبَرِّدُ في الكامل لِذي الرُّمَّة:
  سَمِعْتُ النّاسَ يَنْتجِعُون خَيْراً ... فقُلْتُ لصيْدَحَ انْتَجِعِي بِلَالا(١)
  تُنَاخِي عِنْدَ خَيْرِ فَتًى يمَانٍ ... إِذا النَّكْبَاءُ ناوَحَتِ الشَّمَالا
  والرّابِعةُ: الهَيْفُ، بالفتح، وهي نَكبَاءُ الجَنُوبِ والدَّبُورِ حارَّةٌ مِهْيافٌ، وهي نَيِّحَةُ النُّكَيْبَاءِ، مُصَغَّراً؛ لأَنَّ العَرَبَ تُنَاوِحُ بينَ هذه النُّكْبِ، كما ناوَحُوا بينَ القُوَّمِ من الرِّياح.
  وقَدْ نَكَبَتِ الرِّيحُ، تَنْكُبُ، بالضَّمِّ، نُكُوباً: مالَتْ عن مَهَابِّهَا. ودَبُورٌ نَكْبٌ: نَكْبَاءُ. وفي الصَّحاح: النَّكْبَاءُ: الرِّيحُ النّاكِبةُ الّتي تَنْكُبُ عن مَهَابِّ الرِّياحِ القُوَّمِ. والدَّبُورُ: رِيحٌ من رِيَاحِ القيْظ لا تكونُ إِلّا فيه، وهي مِهْيافٌ. والجَنُوبُ تَهُبُّ في كلّ وَقتٍ. وقال ابْنُ كِنَاسةَ(٢). مَخْرَجُ النَّكبَاءِ ما بينَ مَطلع الذِّراعِ إِلى القُطْب، وهو مَطْلَعُ الكَواكبِ الشّامِيّة، وجعَلَ ما بَيْنَ القُطْب إِلى مَسْقَط الذِّراعِ مَخْرَجَ الشَّمالِ، وهو مَسْقَطُ كلِّ نَجْمٍ طَلَعَ من مَخْرَجِ النَّكْبَاءِ، من اليَمانِيَةِ واليَمَانِيةُ(٣) لا يَنزِلُ فيهَا شمسٌ ولا قَمرٌ، إِنّما يُهْتَدَى بِها في البَرّ والبَحر، فهي شآمِيةٌ. قال شَمِرٌ: لكلّ رِيحٍ من الرِّياحِ الأَرْبَعِ نَكْباءُ، تُنْسبُ إِليها. فالنَّكْبَاءُ الّتي تُنْسَبُ إِلى الصَّبَا هي الّتي بَينَها وبينَ الشَّمالِ وهي تُشْبِهُها في الِّلين، ولها أَحياناً عُرَامٌ، وهو قليل، إِنّما يكونُ في الدّهْرِ مَرَّةً؛ والنَّكْباءُ الّتي تنسبُ إِلى الشَّمَالِ هي الّتي بينها وبينَ الدبُور، وهي تُشْبِهُهَا في البَرْد، ويُقَالُ لهذه الشمال: الشَّامِيَّةُ كُلُّ واحدةٍ منها عند العربِ شامِيَّةٌ، والنَّكْباءُ الّتي ينْسَبُ إِلى الدَّبُور، هي الّتي بينَها وبينَ الجَنُوب، تجيءُ من مغِيبِ سُهَيْلٍ، وهي شِبْهُ الدَّبُورَ في شِدَّتِهَا وعجَاجِها؛ والنَّكْباءُ التي تُنْسَبُ إِلى الجَنُوب، هي الّتي بينَها وبينَ الصَّبَا، وهي أَشْبَهُ الرِّيَاحِ بها في رِقَّتِها وفي لِينِها في الشِّتاءِ ... كذا في لسان العرب.
  ومَنْكِبَا كُلِّ شَيْءٍ. مُجْتَمَعُ عَظْمِ العَضُدِ والكَتِفِ، وحَبْلُ العاتِقِ من الإِنسانِ والطّائرِ وكُلِّ شَيْءٍ. وقال ابْنُ سِيدَهْ: المَنْكِبُ من الإِنسان، وغيره مُجْتَمَعُ رَأْسِ الكَتِف والعَضُدِ، مُذَكَّرٌ لا غير، حَكَى ذلكَ اللِّحْيَانِيُّ. قال سِيبوَيْهِ: هو اسْمٌ للعُضْوِ، ليس على المصدرِ ولا المكانِ؛ لأَنَّ فعْلَهُ نَكَبَ يَنْكُبُ، يَعنِي: أَنَّهُ لو كان عليه، لَقِيلَ(٤) مَنْكَبٌ. قالَ: ولا يُحْمَلُ على باب مَطْلَع، لأَنه نادرٌ، أَعنِي باب مطلَع.
  ورجلٌ شَديد المنَاكِبِ، قال اللِّحْيَانيُّ: هو من الوَاحِدِ الّذي يُفَرَّقُ فيُجْعَل جَميعاً. قال: والعربُ تفعَلُ ذلك كثيراً، وقياسُ قول سِيبويْه أَنْ يكونوا ذَهَبوا في ذلك إِلى تَعظيمِ العُضْو، كأَنّهم جَعَلُوا كلَّ طائفة منه مَنْكِباً.
  ومن المَجَاز: سِرْنا في مَنْكِبٍ من الأَرْضِ والجَبلِ(٥)، المَنْكِبُ: ناحيَةُ كُلِّ شَيْءٍ، وجمعُهُ المَنَاكِبُ، وبهِ فَسَّرَ بعضُهُم الآيةَ، كما سيأْتي.
  ومن المَجَاز: المَنْكِبُ: عَرِيفُ القَوْمِ، أَو عَوْنُهُمْ(٦).
  وقال الَّليْثُ: مَنْكِبُ القومِ: رأْسُ العُرَفاءِ، على كذا وكَذَا عرِيفاً مَنْكِبٌ. وفي حديثِ النَّخْعِيّ: «كان يَتَوسَّطُ العُرَفَاءَ والمَنَاكِب»(٧) وعن ابْنِ الأَثِيرِ: المَنَاكِبُ: قَومٌ دُون العُرفاءِ.
  وقد نَكَبَ على قومِه، يَنْكُب بالضَّمّ، نِكابَةً بالكسر، ونُكوباً بالضَّمّ، الأَخيرةُ عن اللِّحْيَانيّ: إِذا كان مَنْكِباً لهم يَعتمِدون عليه. وفي المحكم: عَرف عليهم.
  والنِّكابَةُ: كالعِرَافة والنِّقَابة. ومن المَجَاز: راشَ سَهْمَهُ بمَناكِبَ(٨): المَنَاكِبُ في الرِّيشِ من جَناحِ نَسْرٍ أَو عُقَابٍ: بَعْدَ القَوادِمِ وهي أَقوَى الرِّيشِ وأَجودُه.
(١) بلال: هو بلال بن أبي بردة. وكان أمير البصرة وقاضيها قيل إنه لما سمع قوله: فقلت لصيدح انتجعي بلالاً قال: يا غلام: مرّ لها بقتٍّ ونوى! أراد أن ذا الرمة لا يحسن المدح.
وفي رواية الكامل للمبرد ضبطت الناسُ بالضم، قال أبو العباس: قوله: سمعت الناسُ ينتجعون «حكاية، والمعنى إذا حققت إنما هو سمعت هذه اللفظة: أي قائلاً يقول: الناس ينتجعون غيثاً ..
والناس: ابتداء، وينتجعون: خبره، ومثل هذا في الكلام: قرأت {الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}.
(٢) عن اللسان، وفي الأصل «ابن كباسة».
(٣) عن اللسان، وبالإصل: البانانية.
(٤) اللسان: لقال.
(٥) زيد في الأساس: أي ناحية.
(٦) يعني عون العريف كما في اللسان.
(٧) اللسان: قال.
(٨) في الأساس: ريشات تكون في مناكب النسر أو العُقاب وهي أقوى الريش وأجوده. قال:
يقلب سهماً راشه بمناكب ... ظهار لؤام فهو أعجف شاسف