تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الواو

صفحة 479 - الجزء 2

  قَدْ أَخَذَتْنِي نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ ... وموْهَبٌ مُبْزٍ⁣(⁣١) بِها مُصِنُّ

  وهو شاذٌّ، مثلُ مَوْحَدٍ. وقولُه: مُبْزٍ⁣(⁣١) بها، أَي: قَوِيٌّ عليها، أَي: هو صَبُورٌ على دَفْع النَّوم، وإِنْ كان شديدَ النُّعَاسِ. ولكِنَّ الّذِي يُفْهَمُ من عبارة المؤلِّف أَنّ الاسمَ المذكور مَوْهَبَةٌ، بزيادة الهاءِ، وهو خلافُ ما قالوه.

  ومن المجاز المَوْهَبَةُ: غدِيرُ ماءٍ صَغِيرٌ، وقيل: نُقْرَةٌ في الجبل، يَسْتَنْقِعُ فيها الماءُ، والجمع مَوَاهِبُ، كذا في الصّحاح. وفي التهذيب: وأَمّا النُّقْرَةُ في الصّخرة، فمَوْهَبَةٌ، بفتْح الهاءِ، جاءَ نادراً؛ قال:

  ولَفُوكِ أَطْيَبُ إِنْ بَذَلْتِ لَنَا ... من ماءِ مَوْهَبَةٍ عَلَى خَمْرِ

  أَي موضوع على خَمْر، ممزوج بماءٍ. ونَصُّ الصّحاح:

  ولَفُوكِ أَشْهَى لَوْ يَحِلُّ لَنا ... من ماءِ مَوْهَبَةٍ على شَهْدِ⁣(⁣٢)

  وفي الأَساس، عندَ ذِكرِ المَوْهَبَةِ هذه، قال: بالفَتح، فَرَّقُوا بينَ هذه الهِبَةِ وسائرِ⁣(⁣٣) الهِبات، ففتحوا فيها وكسروا في غيرها. وتُكْسَرُ هاؤُهُ، راجِعٌ للّذي يَلِيهِ. ومثلُه في لسان العرب.

  وتقول: هَبْ زَيْداً مُنْطلِقاً، بمعْنى: احْسَبْ⁣(⁣٤)، بكسر السّين وفتحها، كذا هو مضبوطٌ في نسخة الصَّحاح، يتعدَّى إِلى مفعولَيْنِ، ولا يُستعملُ منه ماضٍ ولا مستقبل في هذا المعنَى. وفي المُحْكَم: وهَبْنِي فَعَلْتُ ذلك، أَي: احْسِبُني⁣(⁣٥) واعْدُدْنِي، ولا يُقَال: هَبْ أَنِّي فَعَلْتُ ذلك. ولا يُقالُ في الواجِب: وَهَبْتُكَ فَعَلْتَ ذلك؛ لأَنّها كَلِمَةٌ وُضِعَت لِلأَمْرِ فَقَطْ. قال ابْنُ هَمّامٍ السَّلُولِيُّ.

  فقُلْتُ أَجِرْنَى أَبَا خالِدٍ ... وإِلّا فَهَبْنِي امْرَأً هالِكا

  قال أَبو عُبَيْدٍ: وأَنشد المازِنيُّ:

  فكُنْتُ كذِي داءٍ وأَنْتَ شِفاؤُه ... فَهبْنِي لِدائِي إِذْ مَنَعْتَ شِفائِيَا

  أَي: احسُبْنِي، قال الأَصْمعِيُّ: تقولُ العربُ: هَبْني ذلك، ولا يقال: هَبْ، ولا في الواجب: قد وَهَبْتُك، كما يُقالُ: ذَرْنِي ودَعْنِي، ولا يقالُ: وَذَرْتُكَ.

  وحكى ابنُ الأَعْرَابيّ: وَهَبَنِي اللهُ فِدَاكَ: أَي جَعَلَنِي فِداكَ، ووُهِبْتُ فِداكَ: جُعِلْتُ فِداك. أَطْبَقَ النُّحاةُ على ذِكْرِه. وقال ابْنُ أُمِّ قاسم في أَفعال التَّصيير: منها: وَهَبَ.

  وَنَقَلَ قولَ ابْنِ الأَعْرابيّ هذا. قال: ولا تُستعمَلُ إِلّا بصيغةِ الماضي. وصَرَّحَ غيرُه بأَنَّهُ قليلٌ. وقال الشّيخُ: هو مُلازِمٌ للمُضِيّ، لِأَنّه إِنّما سُمع في مَثَلٍ، والأَمثالُ لا يُتَصَرَّف فيها. قالهُ شيخُنا.

  وفي تهذِيب الأَفعال: أَوْهَبَهُ لهُ⁣(⁣٦): أَعَدّهُ. ويقال للشَّيْءِ إِذا كان مُعَدّاً عندَ الرَّجُلِ مثل الطَّعَامِ: هو مُوهَبٌ، بفتح الهاءِ، وأَصبحَ فُلانٌ مُوهِباً، بكسر الهاءِ، أَي: مُعِدّاً قادِراً.

  وفي تهذيب الأَفعال: وأَوْهَبْتُكَ الطَّعَامَ والشَّرابَ: أَعْدَدْتُهما، وأَكْثَرْتُ منهما، وسيأْتي.

  وأَوْهَبَ لك الشَّيْءُ: أَمْكَنَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ وتَنَالَهُ، عن ابن الأَعْرَابيّ وَحْدهُ، قال: ولم يقولوا: أَوْهَبْتُهُ لك. وهو لازمٌ، مُتَعَدٍّ.

  وَوَهْبٌ، وَوُهَيْبٌ، ووَهْبَانُ، بفَتْحٍ فسكون، ووَاهِبٌ، ومَوْهَبٌ وقد تقدّم أَنّه كمَقْعدٍ، قال سيبويه: جاؤوا به على مَفْعَلٍ، لأَنّه اسمٌ ليس على الفِعْل، إِذْ لو كان على الفِعْل، لكان مَفْعِلاً⁣(⁣٧)، فقد يكون ذلك، لِمَكَان العَلَمِيَّة؛ لِأَنّ الأَعْلام ممّا تُغَيَّرُ [عَن]⁣(⁣٨) القِياس: أَسْمَاءُ رجال مُحَدِّثينَ وعُلَماءَ وأُدباءَ.


(١) في الأصل «مبر» وما أثبتناه عن اللسان، وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله مبر كذا بخطه في الموضعين والصواب «مبز» بالزاي المعجمة كما في الصحاح، قال فيه في مادة بزا: وأبزى فلان بفلان إِذا غلبه وقهره وهو مبز بهذا الأمر أي قوي عليه ضابط له اه».

(٢) ومثله في التهذيب والأساس.

(٣) الأساس: وبين سائر الهبات.

(٤) في اللسان: احسُبْ بضم السين ضبط قلم، وفي نسخة الصحاح المطبوعة أهمل ضبط السين.

(٥) ضبط القاموس: بضم السين وكسرها.

(٦) في نسخة من القاموس: لك.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله مفعلا أي بكسر العين كما في ضبطه شكلا».

(٨) زيادة عن القاموس.