[هجي]:
  الثَّالث: التَّوفِيقُ الذي يَخْتَص به مَنِ اهْتَدَى، وهو المَعْنيُّ بقولِه، ø: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً}(١) {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}(٢).
  الرَّابع: الهدايةُ في الآخِرَةِ إلى الجنَّةِ المَعْنِيُّ بقولِه، ø: {وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}(٣)، إلى قولهِ، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا}(١) وهذه الهِدَاياتُ الأرْبَع مُتَرتَّبَة، فإنَّ مَنْ لم يَحْصَل له الأُوْلى لم يَحْصَل له الثانِيَة، بل لا يَصحّ تَكْلِيفه، ومَنْ لم يَحْصَل له الثانِيَة لا يَحْصَل له الثالِثَة والرَّابعَة، ومَنْ حصلَ له الرَّابع فقد حَصَل له الثَّلاث التي قَبْله، ومَنْ حصلَ له الثالِث فقد حَصَل له اللَّذان قَبْله، ثم لا يَنْعَكِس، فقد يَحْصَل الأوَّل ولا يَحْصَل الثَّاني، ويَحْصَل الثاني ولا يَحْصَل الثالث، انتَهَى المَقْصود منه.
  فَهَدَى لازِمَ متعدِّ، واهْتَدَى؛ ومنه قولهُ تعالى: {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً}(٤)، أَي يَزِيدُهم في يَقِينِهم هُدًى كما أَضَلَّ الفاسِقَ بفسْقِه(٥) ووَضَعَ الهُدَى مَوْضِعَ الاهْتِداءِ؛ وقوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى}(١)؛ قال الزجَّاج: أَي أَقامَ على الإِيمانِ، وهَدَى واهْتَدَى بمعْنًى واحِدٍ.
  وهَداهُ الله الطَّرِيقَ هِدايَةً: أَي عَرَّفَهُ.
  قال الجَوْهرِي: هذه لُغَةُ الحِجازِ.
  قالَ ابنُ برِّي: فيُعدَّى إلى مَفْعولَيْن.
  وهَداهُ له هِدايَةً: دَلَّه عليه وبَيَّنَه له؛ ومنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ}(٦)؛ قال أَبو عَمْرو بنُ العَلاء: أَي أَوَ لم يُبَيِّن لهم، نقلَهُ الجَوْهرِي وهي لُغَة أَهْلِ الغَوْر.
  قالَ: وغَيْر أَهْل الحجازِ يقولونَ: هَداهُ إليه؛ حَكَاها الأخْفَش، أَي أَرْشَدَهُ إليه. قالَ ابنُ برِّي: فيُعَدَّى بحرْفِ الجرِّ كأَرْشَدَ.
  ورجُلٌ هَدُوٌّ، كعَدُوِّ، أَي هادٍ؛ حَكَاها ابنُ الأعْرابي، ولم يَحْكِها يَعْقوب لفي الألْفاظِ التي حَصَرها كَحَسُوِّ وفَسُوِّ.
  وهو لا يَهْدى الطَّريقَ ولا يَهْتَدِي ولا يَهَدِّي، بفَتْح الياءِ والهاءِ وكَسْر الدالِ المُشدَّدةِ، ولا يِهِدِّي، بكسْر الياءِ وفَتْحها معاً مع كسْرِ الهاءِ والدالِ المشدَّدةِ؛ ومنه قولهُ تعالى: {أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى}(٧)، بالْتِقاءِ السَّاكِنينِ فيمَنْ قَرَأَ به؛ قالَ ابنُ جنِّي: هو لا يَخْلُو مِن أَحَدِ أَمْرَيْن: إمَّا أَنْ تكونَ الهاءُ مُسَكنةً البَتَّة فتكونَ التاءُ مِن يَهْتَدِي مُخْتَلِسة الحَرَكَة، وإمَّا أَنْ تكونَ الدالُ مَشدَّدَةً فتكونَ الهاءُ مَفْتوحةً بحرَكَةِ التاءِ المَنْقولَةِ إليها أَو مَكْسُورَةً لسُكونِها أَو سكونِ الدالِ الأُوْلى.
  وقال الزجَّاج: وقُرِئَ: أَمَّنْ لا يَهْدْي بإسْكانِ الهاءِ والدالِ، قالَ: وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ وهي مَرْوِيَّة، قالَ: وقالَ أبَو عَمْرٍو: أَمَّنْ لا يَهَدِّي، بَفَتْحَ الهاءِ، والأصْل لا يَهْتَدِي.
  وقرَأَ عاصِمٌ: بكسْرِ الهاءِ بمعْنَى يَهْتَدِي أَيْضاً؛ ومَنْ قَرَأَ بسُكونِ الهاءِ مَعْناهُ يَهْتَدِي أيْضاً، فإنَّ هَدَى واهْتَدَى بمعْنًى.
  وهو على مُهَيْدِيَتِه: أَي حالِهِ؛ حَكَاها ثَعْلَب، ولا مُكَبَّر لَها، ورَواهُ الجَوْهرِي عن الأصْمعي بالهَمْزِ، وقد تقدَّمَ للمصنِّفِ هناك.
  ولَكَ عنْدِي هُدَيَّاها، مُصَغَّرَةً، أَي مِثْلُها، يقالُ: رَمَى بسَهْمٍ ثم رَمَى بآخرَ هُدَيَّاهُ أَي مِثْلِه.
  وهَدْيَةُ الأمْرِ مُثَلَّثْةً جِهَتُه. يقالُ: نَظَرَ فلانٌ هَدْيَةَ أَمْره، أَي جِهَةَ أَمْرِه؛ وضَلَّ هِدْيَتَه وهُدْيَتَه، أَي لوَجْهِه؛ قالَ ابنُ أَحْمر:
  نَبَذَ الجُوارُ وضَلَّ هِدْيَةَ رَوْقِه ... لمَّا اخْتَلَسْتُ فُؤادَه بالمِطْرَدِ(٨)
(١) سورة محمد، الآية ١٧.
(٢) سورة التغابن، الآية ١١.
(٣) سورة الأعراف، الآية ٤٣ وبالأصل «ونزغنا» تحريف.
(٤) سورة مريم، الآية ٧٦.
(٥) سورة طه، الآية ٨٢.
(٦) سورة السجدة، الآية ٢٦.
(٧) سورة يونس، الآية ٣٥.
(٨) اللسان والتهذيب وفيهما: نبذ الجؤار ...