تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الحاء المهملة مع المثناة الفوقية

صفحة 36 - الجزء 3

  ويقولُ. فمن نصَبَ، جعله غاية؛ ومن رَفَعَ، جعله حالاً بمعنى حَتَّى الرَّسُولُ هذه حالُهُ. قال شيخُنا: وظاهرُ كلامه أَنّ لها دَخْلاً في رفع ما بعدَهَا، وليس كذلك كما عَرَفْت: وأَنّها هي النّاصبة وهو مرجوع عند البصريِّين، وإنّما النّاصِبُ عندَ الجُمْهُور «أَنْ» مقدَّرَة بعدَ «حتَّى» كما هو مشهور في المبادئ.

  ولِهذا، أَي لأَجل أَنّها عاملة أَنواعَ العَمَل في أَنواع المُعْرَبَات، وهي الأَسماءُ والفعل المضارع، قالَ الفَرَّاءُ: أَمُوتُ، وفي نَفْسِي مِنْ حتّى شَيْءٌ، لأَنَّ القواعدَ المقرَّرَةَ بين أَئمّة العربيّة أَنّ العواملَ الّتي تعملُ في الأَسماء، لا يُمكن أَن تكون عاملة في الأَفعال ذلك العملَ ولا غيرَهُ، ولذلك حَكَموا على الحروف العاملة في نوع بأَنّها خاصّةٌ به، فالنّواصبُ خاصَّة بالأَفعال، كالجوازم لا يُتَصَوَّرُ وِجْدَانُها في الأَسماءِ، كما أَنّ الحروف العاملة في الأَسماءِ كحروف الجَرّ، وإنّ وأَخواتِها خاصة بالأَسماء، لا يُمْكِن أَن يوجد لها عملٌ في غيرِهَا، وحَتَّى كأَنَّهَا جاءَت على خلاف ذلك، فعَملتِ الرّفعَ والنَّصْبَ والجَرَّ في الأَسماءِ والأَفعال، وهو على قواعد أَهل العربيّة مُشْكلٌ.

  والصّواب أَنّه لا إِشكالَ ولا عَمَل، وحَتَّى عندَ المُحَقِّقِينَ إنّما تعمل الجرَّ خاصةً بشروطها. وأَمّا الرفعُ، فقد أَوضحنا أَنَّها يقالُ لها الابتدائيّة، وما بعدَها مرفوع بما كان مرفوعاً به قبلَ دخولها، ولا أَثَرَ لها فيه أَصلاً، وإنّما نَصْبُ الفعلِ بعدَهَا له شروط، إِن وُجِدَت، نُصِبَ، وإلّا بقي الفعلُ على رفعه، لتجرُّدِه من النّاصب والجازم. وأَمّا النّاصبة، فهي الجارَّةُ في الحقيقة، لأَنَّ نَصْبَ الفعلِ بعدَها إِنّمَا هو بأَنْ مقدّرة على ما عُرِف، ولذلك يُؤَوَّلُ الفعلُ الواقِع بعدَهَا بمصدر يكون هو المجرورَ بها، فقوله تعالى: {حَتّى يَرْجِعَ}⁣(⁣٢)، تقديرُه: حتى أَنْ يَرْجِعَ، وأَنْ والفِعْلُ: مُؤَوَّلانِ بِالمصدر، وهي في المعنى، كإِلَى الدّالَّة على الغاية.

  والتّقدير: إِلى رجوع موسى إلينا، وبه تعلم ما في كلام المصنِّف من التقصير والقُصُور، والتّخليط الّذي لا يُمَيَّز به المشهورُ من غير المشهور، ولا يُعْرَفُ منه الشّاذُّ من كلام الجمهور، قاله شيخُنا، وهو تحقيقٌ حسَنٌ.

  وفي لسان العرب: وتدخُل على الأَفعال الآتية، فتَنْصبُها بإضمارِ «أَنْ»، وتكونُ عاطفةً بمعنى الواو.

  وقال الأَزهريُّ: وقال النَّحْوِيُّونَ: «حَتَّى» تجيءُ لوقتٍ مُنْتَظَر، وتجيءُ بمعنى إِلى، وأَجمعوا أَنَّ الإِمالَةَ فيها غيرُ مستقيم⁣(⁣٣)، وكذلك في عَلَى. ولِحَتَّى في الأَسماءِ والأَفعال، أَعمالٌ مختلفة.

  وقال بعضهم: حَتَّى، فَعْلَى، من الحَتِّ، وهو الفَرَاغُ من الشَّيْءِ، مثل: شَتَّى من الشَّتِّ. قال الأَزهَرِيُّ: وليس هذا القولُ ممّا يُعَرَّجُ عليه؛ لأَنّها لو كانت فَعْلَى من الحَتِّ، كانت الإِمالةُ جائزةً، ولكِنَّها حرفُ أَداة، وليست باسْمٍ ولا فِعل.

  وفي الصَّحاح، وغيره: وقولُهُم: حَتّامَ، أَصلُه: حَتّى ما، فحذفت أَلف ما للاستفهام، وكذلك كلُّ حرف من حروف الجَرِّ يُضَاف في الاستفهام إِلى ما، فإنّ أَلف ما يُحْذَفُ فيه، كقوله تَعالَى: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}⁣(⁣٤)، و {فِيمَ كُنْتُمْ}⁣(⁣٥)، و {عَمَّ يَتَساءَلُونَ}⁣(⁣٦).

  وهُذَيْلٌ تقول: عَتَّى، في: حَتَّى، كذا في اللّسان.

  وحَتَّى: جَبَلٌ بِعُمَانَ.

  وحَتّاوَةُ: ة بعَسْقَلانَ، منها أَبو صالح عَمْرُو بنُ خَلَفٍ⁣(⁣٧) عن رَوّاد بن الجَرّاحِ، وعنه محمّد بن الحُسَيْن بن قُتَيْبَة، روى له المالِينيُّ، وذكره ابنُ عَدِيٍّ في الضُّعَفاءِ.

  وتقول: ما في يدِي مِنْهُ حَتٌّ كما تقُولُ: ما في يَدِي منه شَيْءٌ. وفي الأَساس: ما في يَدِي منه حُتاتَةٌ.

  والحَتُّ: سُقُوطُ الوَرَقِ عن الغُصْن وغيرِه.

  والحَتُوتُ، كصَبُورٍ من النَّخْلِ: المُتَنَاثِرُ البُسْرِ، كالمِحْتَاتِ.


(١) البقرة: ٢١٤.

(٢) سورة طه: من الآية ٩١.

(٣) أي أمر غير مستقيم.

(٤) سورة الحجر الآية ٥٤. (٦) سورة النبأ الآية: ١.

(٥) سورة النساء الآية ٩٧. (٧) في معجم البلدان: حليف.