تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء الموحدة

صفحة 118 - الجزء 1

  وبوَّأَ الرُّمْحَ نَحْوَهُ: قَابَلُه به نحو هَيَّأَه، كما ورد ذلك في الحديث⁣(⁣١). وبوَّأَ المَكانَ: حَلَّه وأَقامَ به كَأَبَاءَ بِهِ وَتَبَوَّأَ، عن الأَخفش، قال الله ø: {أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً}⁣(⁣٢) أَي اتَّخذا، وقال أَبو زيد: التَّبَوُّؤُ: أَن يُعْلِمَ الرجُلُ الرجُلَ على المكان إِذا أَعجبه لِيَنْزلَه، وقيل: تَبَوَّأَه إذا أَصلَحه وهَيأَه، ويقال: تَبَوَّأُ فلانٌ منزلاً إِذا نَظر إِلى أَحْسَن⁣(⁣٣) ما يُرى وأَشَدِّه استواءٌ وأَمكَنِهِ لمَباءَته⁣(⁣٤) فاتخذه. وتَبَوَّأَ: نَزلَ وأَقام، وقال الفراء في قوله تعالى: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً}⁣(⁣٥) يقال: بَوَّأْته منزِلاً وأَثْوَيْتُه مَنزِلاً سواءٌ، أَي أَنزلته، وفي الحديث: «مَنْ كَذَب عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ» أَي لِيَنْزِلْ مَنْزِلَه من النار.

  ومن المجاز فُلانٌ طَيِّب المَبَاءَة أَي المَنْزِل⁣(⁣٦) وقيل: مَنْزِل القومِ في كُلِّ مَوْضعٍ، وقيل: حيث يَتَبَوَّءُون مِنْ قِبَلِ وَادِ وسَنَدِ جَبَلٍ، ويقال: هو رَحيب⁣(⁣٧) المَباءَةِ، أَي سَخِيُّ واسعُ المعروفِ. وقرأْت في مُشكِل القُرآن لابنِ قُتَيْبَة وأَنشد:

  وَبوَّأْتَ بَيْتَك فِي مَعْلَمٍ ... رَحِيبِ المَبَاءَةِ وَالمَسْرَحِ

  كَفَيْتَ العُفَاةَ كِلَابَ القِرَى ... وَنَبْحَ الكِلَابِ لِمُسْتَنْبِحِ⁣(⁣٨)

  كالْبِيئةِ بالكسر والبَاءَةِ قال طرفة:

  طَيِّبُو البَاءَة سَهْلٌ وَلَهُمْ ... سُبُلٌ إِنْ شِئتَ في وَعْثٍ وَعِرْ

  والمَباءَة بَيْتُ النَّحْلِ في الجَبَلِ وفي التهذيب: هو المُرَاحُ الذي يَبِيتُ فيه. والمباءَة مُتَبَوَّأُ الوَلَدِ مِنَ الرَّحِمِ، قال الأَعلم:

  وَلَعَمْرُ مَحْبِلِكِ الهَجِينِ عَلَى ... رَحْبِ المَبَاءَة مُنْتِنِ الجِرْمِ

  ويُسمَّى كِنَاسُ الثَّوْرِ الوحشي مَباءَةً وكذلك المَعْطِنُ وفي اللسان: المباءَة مَعْطِنُ القَوْمِ⁣(⁣٩) للإِبلِ حيث تُنَاخ في المَوَارد. ويستعمل للغنم أَيضاً كما في الحديث، وهو المُتَبَوَّأُ أَيضاً وأَبَاءَ بِالإِبِلِ، هكذا في النُّسخ، والذي في اللسان والعُباب: وأَباءَ الإِبلَ رَدَّهَا إِليه أَي إِلى المَباءَةِ: وأَبَأْتُ الإِبلَ مباءَةً أَنخْتَ بعضَها إِلى بعضٍ قال الشاعر:

  حَليِفَانِ بَيْنَهُمَا مِيرَةٌ ... يُبِيئَانِ في عَطَنٍ ضَيِّقِ⁣(⁣١٠)

  وأَباءَ مِنْه: فَرَّ كأَن الهمزةَ فيه لِسلْبِ مَعنى الرُّجوع والانقطاع.

  وأَباءَ الأَديِمَ: جعله فيِ الدِّبَاغِ، وهو مذكورٌ في هامش بعضِ نُسَخ الصّحاح، والذي في العُباب وأَبْأَتِ المرأَةُ أَدِيمَها: جعلته في الدِّباغ وَالبَوَاءُ بالمد: السَّوَاءُ والكُفْءُ يقال: القومُ بَوَاءٌ في هذا الأَمرِ، أَي أَكْفاءٌ نُظرَاءُ، ويقال دَمُ فُلانٍ بَوَاءٌ لدمِ فلانِ إِذا كان كُفُؤاً له، قالت ليلى الأَخيلِيَّة في مَقَتل تَوْبَةَ بنِ الحُمَيِّر:

  فإِنْ تَكُنِ القَتْلَى بَوَاءً فَإِنَّكُمْ ... فَتًى مَا قَتَلْتُمْ آلَ عَوْفِ بنِ عَامِرِ

  وفي الحَديِث: «الجرِاحَاتُ بَوَاءٌ» يعني أَنها مُتساوِيةٌ في القصاص، وأَنه لا يُقْتَص للمجروح إِلَّا مِن جَارِحِهِ الجاني، ولا يُؤْخَذُ إِلَّا مِثْلُ جِراحَته سَوَاء⁣(⁣١١)، وفي حديثِ جَعفرٍ الصادِقِ قيل له: ما بَالُ العَقْرَبِ مُغْتَاظَةٌ على بَني آدَمَ: فقال: تُرِيد البَوَاءَ. أَي تُؤْذي كما تُؤْذَى.

  وبواءٌ أيضاً وادٍ بِتهَامةَ، كذا في العُباب والتكملة.

  ويقال: كَلَّمناهم فَ أَجَابُوا عَنْ بَواءٍ واحدٍ أَي بِجَوَابٍ واحد أَي لم يَختلِف جوابُهم، فعَنْ هُنا بمعنى الباءِ وفي


(١) في اللسان: وفي الحديث: أن رجلاً بوّأ رجلاً برمحه، أي سدده قبله وهيّأه.

(٢) سورة يونس الآية: ٨٧.

(٣) اللسان: أسهل.

(٤) اللسان: لمبيته.

(٥) سورة العنكبوت الآية ٥٨.

(٦) الأساس: وفلان طيب الباءة: للعفيف الفرج، جُعل طيب الباءة، وهي المباءة والمنزل.

(٧) الأساس: رحبُ.

(٨) البيتان في تأويل مشكل القرآن ص ٣٤٥ وفيه: «طلاب القرى». لعلهما للعماني فإن له قصيدة في هذا الوزن والروي يمدح بها عبد الملك بن صالح الهاشمي (انظر الأغاني ١٧/ ٨١ ساسي).

(٩) عن اللسان، الأصل: تعطن. وفي المجمل: «معطن الإبل». وفي المقاييس: منزل الإبل.

(١٠) المقاييس: «خليطان ... معطن ضيق». العين، التهذيب، اللسان.

(١١) زيد في اللسان: وما يساويها في الجرح، وذلك البواء.