[دلج]:
  احتاجَ الأَعْشَى إِلى اشتراطه بعدَ المنامِ، وزُهَيْرٌ إِلى سَحَرِه، وهذا بمنزلة قولِهم: الإِبْكارُ والابْتِكَارُ والتَّبكيرُ والبُكُورُ في أَنَّه كُلَّه العملُ بُكْرَةً ولا يَتَغَيَّرُ الوقتُ بتغْيِيرِ هذه الأَمثلةِ وإِن اخْتلفتْ مَعانِيهَا، واحتجاجُهم ببيتِ الأَعشى وزُهَيْرٍ وَهَمٌ وغَلَطٌ، وإِنما كلّ واحدٍ من الشاعريْنِ وَصَفَ ما فَعَلَه دونَ ما فَعَلَه غيرُه، ولو لا أَنّه يكونُ بسُحْرَة وبِغَيْرِ سُحْرَة لما احتاجَ إِلى ذِكْر سُحْرةٍ، فإِنه إِذا كان الادِّلَاجُ بسُحْرَة وبَعْدَ المَنَامِ فقد استغنَى عن تقييده، قال: ومما يُوضِّح فَسادَ تَأْويِلهم أَنّ العَرَب تُسَمِّي القُنْفُذَ مُدْلِجاً، لأَنّه يَدْرُج باللَّيْلِ، ويَتَرَدَّدُ فيه، لا لأَنه لا يَدْرُج إِلّا في أَوَّلِ الليل أَو في وَسَطِه أَو في آخِرِه، أَو في كُلِّه، ولكنّه يَظهَرُ باللَّيْلِ في أَيِّ أَوقاتِه احتاجَ إِلى الدُّرُوجِ لِطَلَبِ عَلَفٍ أَو ماءٍ أَو غيرِ ذلك، قال شيخُنَا: قال أَبو جعفر اللَّبْلِيُّ في شَرْحِ نظمِ الفصيحِ: هذا كلامُ ابنِ دُرُسْتَوَيْهِ في رَدِّ كَلامِ ثَعلبٍ ومَن وافقَه من اللُّغوِيّين.
  قلت وأَنْشَدُوا لعَلِيٍّ ¥
  اصْبِرْ عَلَى السَّيْرِ والإِدْلاجِ فِي السَّحَرِ ... وفِي الرَّوَاحِ عَلَى الحَاجَاتِ والبُكَرِ
  فجَعَلَ الإِدْلَاج في السَّحِر. ويُنْظَر هذا مع قول المُصَنِّف: الإِدْلاجُ في أَوَّلِ اللّيلِ: وأَما قولُ الشَّمَّاخِ:
  وتَشْكُو بِعَيْنٍ مَا أَكَلَّ رِكَابَها ... وقِيلَ المُنَادِي: أَصْبَحَ القَوْمُ أَدْلِجِي
  فَتَهَكُّمٌ وتَشنِيعٌ، كما يقول القائل: أَصبحْتُم، كيفَ(١) تنامون، قاله ابنُ قُتَيبةَ.
  قال شيخُنا: والصَّوَابُ في الفَرْق أَنّه إِن ثَبَتَ عن العربِ عُموماً أَو خُصوصاً فالعَمَلُ على الثابِت عنهم، لأَنّهم أَئمّة اللّسانِ، وفُرْسَانُ المَيْدَانِ، ولا اعتدادَ بما تَعلَّق بهِ ابنُ دُرُستَوَيْهِ وَمن وافَقَه مِن الأَبحاثِ في الأَمثلة، فالبحث فيها ليس من دأْبِ المُحَقِّقين كما تَقَرَّرَ في الأَصول، وإِن لم يَثْبُتْ ذلك ولا نُقِل عنهم، وإِنما تَفقَّه فيه بعضُ النّاظرِين في أَشعارِ العَربِ اعتماداً على هذه الشّواهِد، فلا يُلْتَفَتُ إِلى ذلك ولا يُعْتَدُّ به في هذه المَشاهِدِ.
  ودَلَجَ السَّاقِي يَدْلِجُ، ويَدْلُج بالضّمّ، دُلُوجاً: أَخذَ الغَرْبَ مِن البِئرِ فجاءَ بها إِلى الحَوْض، قال الشاعر:
  لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كأَنَّمَا ... أَمِرَّا بِسَلْمَىْ دَالِجٍ مُتَشَدِّدِ
  والدَّالِجُ: الّذي يَتَرَدَّدُ بينَ البِئر والحَوْضِ بالدَّلْوِ يُفْرِغُها فيه، قال الشاعر:
  بَانَتْ يَدَاهُ عَنْ مُشَاشِ وَالِجِ ... بَيْنُونَةَ السَّلْمِ بِكَفِّ الدَّالِجِ(٢)
  وقيل: الدَّلْجُ: أَن يَأْخُذَ الدَّلْوَ إِذا خَرَجَتْ فيَذْهَبَ بها حيثُ شاءَ، قال:
  لَوْ أَنَّ سَلْمَى أَبْصَرَتْ مَطَلِّي ... تَمْتَحُ أَوْ تَدْلِجُ أَوْ تُعَلِّي
  التَّعْلِيَةُ: أَن يَنْتَأَ بعْضُ الطَّيِّ في أَسفَلِ البِئرِ فيَنْزِلَ رَجلٌ في أَسفلِها فيُعَلِّيَ الدَّلْوَ عن الحَجَرِ النَّاتيءِ.
  وفي الصّحاح: والدّالِجُ: الذي يَأْخُذُ الدَّلْوَ ويَمْشِي بِها مِنَ رَأْسِ البِئرِ إِلى الحَوْضِ لِيُفَرِّغَها فيه.
  وذلِك المَوْضِعُ مَدْلَجٌ ومَدْلَجَةٌ ومن سجعاتِ الأَساس: وبَاتَ يَجُولُ بينَ المَدْلَجَةِ والمَنْحَاةِ. المَدْلَجَةُ(٣) والمَدْلَجُ: ما بَيْنَ البِئر والحَوْضِ. والمَنْحَاةُ مِنْ البئرِ إِلى مُنْتَهى السانِيَةِ.
  قال عَنْتَرَةُ:
  كأَنَّ رِمَاحَهُمْ أَشْطَانُ بِئْرٍ ... لَهَا فِي كُلِّ مَدْلَجَة خُدُودُ
  والدَّالِجُ أَيضاً: الذي يَنْقُلُ اللَّبَنَ إِذا حُلِبَتِ الإِبِلُ إِلى الجِفَانِ، وقَدْ دَاجَ السَّاقِي يَدْلِجُ ويَدْلُجُ، بالضّمٍ دُلُوجاً، بالضّمّ.
(١) اللسان: «كم».
(٢) للراجز جندل بن المثنى أرجاز على هذا الوزن، لعل الرجز هذا له أيضاً.
(٣) في الأساس: فالمدلجة.