تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[برح]:

صفحة 10 - الجزء 4

  يقولون: كان كذا وكذا الليلةَ، إِلى ارتفاعِ الضُّحَى، وإِذا جاوزَ ذلك قالوا: كان البارحةَ. والعرب يقولون⁣(⁣١): «ما أَشْبَهَ اللّيلةَ بالبارِحَةِ»: أَي ما أَشبهَ اللَّيلةَ الّتي نَحنُ فيها باللَّيلةِ الأُولَى التي قد بَرِحَتْ وزَالَتْ⁣(⁣٢) ومَضَتْ.

  والبُرَحاءُ، كنُفَساءَ: الشِّدَّةُ والمَشَقَّةُ، وبُرَحاءُ الحُمَّى، خَصَّ بها بعضُهم، ومنهم من أَطلقَ فقال: بُرَحاءُ الحُمَّى وغيرِها، ومثلُه في الصحّاح: شِدّةُ الأَذَى. ويقال للمحمومِ الشَّديدِ الحُمَّى: أَصابَتْه البُرَحاءُ. وقال الأَصمعيّ: إِذا تَمدّدَ المَحمومُ للحُمَّى فذلك المطّوي⁣(⁣٣)، فإِذا ثَابَ عليها فهي الرُّحَضاءُ⁣(⁣٤)، فإِذا اشتدَّت الحُمَّى فهي البُرَحاءُ.

  وفي الحديث: «بَرَّحَت بي الحُمَّى»، أَي أَصابني منها البُرَحَاءُ، وهو شِدَّتُها. وحديث الإِفْك: «فأَخَذه البُرَحاءُ»، وهو شِدّةُ الكَرْبِ من ثِقَلِ الوَحْيِ.

  ومنه تقول بَرَّحَ به الأَمرُ تَبْرِيحاً: أَي جَهَده.

  وفي حديث قتْلِ أَبي رافعٍ اليَهوديّ: «بَرَّحَتْ بنا امرأَتُه بالصِّياحِ».

  وفي الصّحاح: وبَرَّحَ بي: أَلَحَّ عَليَّ بالأَذَى. وأَنا مُبَرَّحٌ بي.

  وبه تَبارِيحُ الشَّوْقِ، أَي تَوَهُّجُه. والتَّبارِيحُ: الشَّدائِدُ.

  وقيل: هي كُلَفُ المعيشةِ في مَشَقَّة.

  قال شيخُنا: وهو من الجموع التي لا مُفردَ لها. وقيل: تَبْرِيحٌ. واستعمله المُحْدَثون، وليس بثَبتٍ.

  والبَرَاحُ كَسَحَابٍ: المُتَّسِعُ من الأَرض لا زَرْعَ بها، وفي الصّحاح: فيه ولا شَجَرَ. ويقال: أَرضٌ بَرَاحٌ: واسعةٌ ظاهرةٌ لا نباتَ فيها ولا عُمْرانَ.

  والبَرَاحَ: الرَّأْيُ المُنْكَرُ.

  والبَرَاحُ من الأَمْرِ: البَيِّنُ الواضحُ الظاهِرُ.

  وفي الحديث: «وجاءَ بالكُفْر بَرَاحاً»: أَي بَيِّناً. وقيل: جِهَاراً.

  وبَرَاحُ: اسمُ أُمّ عُثْوارَةَ⁣(⁣٥)، بالضّمِّ، ابنِ عامِر بنِ لَيْثٍ.

  والبَرَاحُ: مصدرُ بَرِحَ مكانَه كسَمِعَ: زالَ عنه، وصار في البَرَاحِ، وقد بَرِحَ بَرَحاً وبُرُوحاً.

  وقولُهم: لا بَرَاحَ، مَنصوبٌ، كقولِهم: لا رَيْبَ، ويجوز رفعُه فتكون لا بمنزلَةِ ليسَ، كما قال سَعْدُ بن ناشِبٍ في قصيدة مرفوعة:

  مَنْ فَرَّ عَنْ نِيرانِهَا

  فأَنَا ابنُ قَيْس لا بَراحُ

  قال ابن الأَثير: البيت لسعدِ بنِ مالكٍ يُعرِّض بالحارِث بنِ عَبّاد، وقد كان اعتزلَ حَرْبَ تَغْلِبَ وبَكْرٍ ابنَيْ وائِلٍ، ولهذا يقول:

  بِئْسَ الخَلائِفُ بَعْدَنا

  أَولادُ يَشْكُرَ واللِّقاحُ

  وأَرادَ باللِّقاحِ بني حَنيفةَ، سُمُّوا بذلك لأَنّهم لا يَدِينُونَ بالطّاعةِ للمُلوك، وكانوا قد اعتزلوا حَرْبَ بكْرٍ وتَغْلِبَ إِلَّا الفِنْدَ الزِّمّانيَّ.

  ومن المجاز قولهم: بَرِحَ الخَفَاءُ، كسَمِعَ ونَصَرَ، الأَخيرة عن ابن الأَعرابيّ، وذكرَه الزّمخشريّ أَيضاً، فهو مستدرَك على المصنّف: إِذا وَضَحَ الأَمْرُ، كأَنه ذَهَب السِّرُّ وزَالَ. وفي المستقصى: أَي زَالَت الخُفْيَةُ. وأَوَّلُ مَن تكلّم به شِقٌّ الكاهِنُ، قاله ابنُ دريد. وقال حسّان:

  أَلا أَبْلِغْ أَبا سُفْيانَ عَنِّي

  مُغَلْغَلةً فقد بَرِحَ الخَفاءُ

  وقال الأَزهريّ: معناه زالَ الخَفاءُ. وقيل: معناه ظهَر ما كان خافياً وانكشف، مأْخوذٌ من بَرَاحِ الأَرضِ، وهو البارِزُ الظاهِرُ⁣(⁣٦). وقيل: معناه: ظَهَرَ ما كُنْتُ أُخْفِي.

  وبَرَحَ كنَصَرَ يَبْرُحُ بَرْحاً: إِذا غَضِبَ. في اللسان: إِذا غَضِب الإِنسانُ على صاحبه قيل: ما أَشَدّ ما بَرَحَ⁣(⁣٧) عليه.

  وبَرَحَ الظَّبْيُ بُرُوحاً: إِذا وَلَّاك مَياسِرَه ومَرَّ مِن مَيامِنِكَ إِلى مَياسِرِك.


(١) التهذيب واللسان: تقول.

(٢) الأصل واللسان، وفي التهذيب: أو زالت.

(٣) الأصل واللسان، وفي التهذيب: المطواء وهو يناسب الرحضاء والبرحاء.

(٤) الأصل واللسان، وفي التهذيب: فإِذا تثاءب عليها فهي الثُّؤباء، فإِذا عرق عليها فهي الرحضاء.

(٥) في إِحدى نسخ القاموس: «أم عتوارة» ومثلها في التكملة.

(٦) الأصل واللسان، وفي التهذيب: الظاهر البارز.

(٧) هذا ضبط اللسان، وضبطت في التهذيب بكسر الراء.