[سبأ]:
  سَبَأَ الجِلْدَ: أَحرقه، وقيل: سَلَخَه، فالمناسبُ ذِكْرُه تحتَ أَحرقه(١) وانْسَبَأَ الجِلْدُ انْسَلَخ، وانسبأْ جِلْدُه إِذا تَقَشَّر، قال الشاعر:
  وَقَدْ نَصَلَ الأَظفارُ وانْسَبَأَ الجِلْدُ
  وسبأَ: صَافَحَ قال شيخنا: هو معنى غَرِيبٌ خَلَت عنه زُبُرُ الأَوَّلين. قلت: وهو في العُباب، فلا معنى لإنكاره وسَبَأَتِ النَّارُ وكذا السِّيَاطُ، كذا في المحكم الجِلْدَ سَبْأً: لَذَعَتْه بالذال المعجمة والعين المهملة وقيل غَيَّرَتْه ولَوَّحَتْه، وكذلك الشمسُ والسَّيْرُ والحُمَّى، كُلُّهنَّ يَسْبَأْنَ(٢) الإِنسانَ، أَي يُغَيِّرْنَه(٢).
  وسَبَأٌ كَجَبَلٍ يُصرَف على إِرادة الحي قال الشاعر:
  أَضْحَتْ يُنَفِّرُها الوِلْدَانُ مِنْ سَبَإٍ ... كَأَنَّهُمْ تَحْتَ دَفَّيْهَا دَحَارِيجُ
  ويُمْنَعُ من الصرف لأَنه اسم بَلْدَة بَلْقِيسَ باليمن، كانت تَسكُنها، كذا ورد في الحديث قال الشاعر:
  مِنْ سَبَأَ الحَاضِرِينَ مَأْرِبَ إِذ ... يَبْنُونَ مِنْ دُونِ سَيْلِهَا العَرِمَا(٣)
  وقال تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}(٤) قال الزجاج: سَبَأَ هي مدينة تُعرَف بمَأْرِب، من صَنْعاءَ على مَسيرِة ثلاثِ ليالٍ، ونقل شيخنا عن زَهر الأَكَمْ في الأَمثال والحِكم ما نصه: وكانَتْ أَخصَبَ بِلادِ الله، كما قال تعالى: {جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ}(٥) قيل: كانت مسافة شهرٍ للراكب المُجِدّ، يسير الماشي في الجِنانِ من أَوّلها إِلى آخرها لا يُفارِقه الظِّلُّ مع تدفُّقِ الماءِ وصفَاءِ الأَنهار واتِّساع الفَضاءِ، فَمَكَثُوا مُدَّة في أَمْنٍ، لا يُعَانِدُهم أَحدٌ إِلّا قَصَموه، وكانت في بَدْءِ الأَمرِ تَركَبُها السُّيول فجَمعَ لذلك حِمْيَرٌ أَهْلَ مملكتِه، وشاوَرَهم، فاتَّخذوا سَدًّا في بَدْءِ جَرَيَانِ الماءِ، وَرَصفوه بالحجارة والحَديد، وجعلوا فيه مَخَارِقَ للماءِ، فإِذا جاءَت السُّيولُ انقسمت على وَجْهٍ يَعُمُّهم نَفْعُه في الجَنَّاتِ والمُزْدَرَعَاتِ، فلما كَفروا نِعَمَ اللهِ تعالى ورأَوْا أَنَّ مُلْكَهم لا يُبِيدُه شيءٌ، وعَبدُوا الشَّمْسَ، سَلَّط الله على سَدِّهم فَأْرةً فخَرقَتْه، وأَرْسَلَ عليهم السَّيْلَ فمزّقهم اللهُ كلَّ مُمَزَّقٍ، وأَباد خَضْرَاءَهم.
  وقال ابنُ دُريدٍ في كتاب الاشتقاق: سَبَأٌ لَقَبُ ابْنِ يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بن قَحْطانَ، كذا في النسخ، وفي بعضها: ولَقَبُ يَشْجُب، وهو خطأٌ واسمُه عَبْدُ شَمْس، يَجْمَعُ قبائلَ اليَمَن عامةً(٦) يُمَدُّ ولا يُمَدُّ، وقول شيخنا: وزاد بعضٌ فيه المَدَّ أَيضاً، وهو غريبٌ غريبٌ، لأَنه إِذا ثبت في الأُمهات فلا غرابةَ، مع أَنه موجود في الصحاح(٧)، وأَما الحديث المُشار إِليه الذي وَقَع فيه ذِكْرُ سَبإٍ فأَخرجه التّرمذيُّ في التفسير(٨)، عن فَرْوَةَ بنِ مُسَيْكٍ المُرادِيُّ قال: أَتيْنَا رَسولَ الله ÷، فقلتُ: يا رسول الله، أَلَا أُقاتِلُ مَنْ أَدبَر مِن قَوْمِي بِمَن أَقْبلَ منهم؟ فأَذِنَ لي في قِتَالِهم، وأَمَّرني، فلما خَرجْتُ من عنده سأَل عني: «مَا فَعَلَ الغُطَيْفِيُّ؟»(٩) فأُخْبِر أَني قدْ سِرْتُ، قال: فأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَرَدَّني، فَأَتَيْتُه، وهو في نَفَرٍ من أَصحابِه، فقال «ادْعُ القَوْمَ، فَمَنْ أَسلَم منهم فاقْبَلْ مِنْه، ومن لَمْ يُسْلِمْ فلا تَعْجَل حتى أُحْدِثَ إِليك، قال: وأُنْزِل في سَبَإٍ ما أُنْزِلَ، فقال رَجلٌ: يا رسول الله، وما سَبَأٌ؟ أَرْضٌ أَو امرأَةٌ؟ قال: لَيْسَ بِأَرْضٍ وَلَا امْرَأَةٍ ولكنّه رَجُلٌ وَلدَ عَشْرَةً مِن اليمن(١٠) فَتَيَامَنَ منهم ستّةٌ، وتشاءَم منهم أَربعةٌ، فأَما الذين تشاءَموا فَلَخْمٌ وجُذَامٌ وغَسَّانُ وعَاملة، وأَما الذين تَيَامَنُوا فالأَزْدُ والأَشْعَرِيُّونَ وحِمْيَر وكِنْدَة ومَذْحِج(١١) وأَنمار فقال رجل: يا رسولَ الله، وما
(١) بهامش المطبوعة المصرية: قوله «تحت أحرقه» لعله بجنب أحرقه.
(٢) اللسان: كلهن يسبأ الإنسان أي يغيره.
(٣) البيت لأمية بن أبي الصلت الثقفي من قصيدة له، وتروى للنابغة الجعدي (سيرة ابن هشام ١/ ١٥).
(٤) سورة النمل الآية ٢٢.
(٥) سورة سبأ الآية ١٥.
(٦) في السيرة لابن هشام ١/ ١١ اسم سبأ عبد شمس، وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبى في العرب. وفي الجمهرة لابن حزم ص ٣٢٨ سبأ اسمه عامر.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية: قوله «موجود في الصِحاح» الذي فيه أنه يصرف ولا يصرف ولم يتعرض للمد والقصر، وكذلك الصغاني في التكملة لم يتعرض لذلك.
(٨) صحيح الترمذي - كتاب تفسير القرآن ٣٥ باب ومن سورة سبأ حديث رقم ٣٢٢٢ ج ٥/ ٣٦١.
(٩) بهامش المطبوعة الكويتية «في الترمذي القطيفي» وهو تحريف. قلت: وما في الترمذي «الغطيفي وليس القطيفي» فانظر.
(١٠) الترمذي: العرب.
(١١) في الترمذي ضبطت: مُذْحج.