فصل الميم مع الحاء المهملة
  الفِعْلِ غيرُه وغيرُ قولهم ما أُحَيْسِنَهُ وقال بعضهم: وما أُحَيْلاه. قال شيخُنَا: وهو مبنيٌّ على مذهَب البصريّين الّذين يَجزِمُون بفِعلِيّة أَفعَل في التّعجُّب. أَمَّا الكوفيّون الذين يَقولون باسميَّته فإِنّهم يُجوِّزُون تَصْغيرَه مطلقاً، ويَقيسون ما لم يَرِدْ على ما وَرد، ويِستدلُّون بالتصغير على الاسميَّة، على ما بُيِّن في العربيّة. قال الشاعر:
  يا ما أُميلِحَ غِزْلاناً عَطَوْنَ لَنا
  مِنْ هؤُلَيَّاءِ بَيْنَ الضّالِ والسَّمُرِ(١)
  البيت لعلِيّ بن أَحمدَ الغَرِيبيّ وهو حَضَرِيّ ويقال اسمه الحسين بن عبد الرحمن، ويُروَى للمجنون، وقبله:
  بِاللهِ يا ظَبَياتِ القَاعِ قُلْن لنا
  لَيْلايَ مِنكنَّ أَم لَيلَى من البَشَر
  ومن المجاز: مالَحْت فُلاناً مُمالَحة المُمَالَحةُ، المُوَاكَلَةُ. وفلانٌ يحفظ حُرمَةَ المُمَالَحة، وهي الرَّضَاعُ.
  وفي الأُمّهات اللُّغوِية: المُراضَعَةُ(٢). قال ابن بَرَّيّ: قال أَبو القاسم الزّجّاجيّ لا يَصحُّ أَن يقال تَمالَحَ الرَّجلانِ، إِذا رَضَعَ كلُّ واحدٍ منهما صاحِبَه، هذا محالٌ لا يكون، وإِنّمَا المِلْح رَضاعُ الصَّبِيِّ المرأَةَ، وهذا ما لا تَصحُّ فيه المُفَاعلةُ، فالمُمالحة لفظةٌ مُوَلَّدَةٌ وليستْ من كلام العرب. قال: ولا يَصحُّ أن يكون بمعنَى المُوَاكَلة ويكون مأْخوذاً من المِلْح، لأَنَّ الطعَّامَ لا يَخْلُو من المِلْح. ووَجْهُ فسادِ هذَا القَولِ أَنَّ المُفاعَلَةَ إِنما تكون مأْخُوذَةً من مصدرٍ، مثل المُضَارَبَة والمُقاتلة، ولا تكون مأْخُوذَةً من الأَسماءِ غير المصادِرِ. أَلَا تَرَى أَنَّه لا يَحْسُن أَن يقُال في الاثنَين إِذا أَكلا خُبزاً: بينهما مُخَابَزة، ولا إِذا أَكلَا لَحماً: بينهما مُلاحَمة.
  ومِلْحتانِ، بالكسر، تَثنيَة مِلْحةَ، مِنْ أَوْدِيَةِ القَبَلِيَّة، عن جار الله الزَّمخشريّ عن عُلَيٍّ. كذا في المعجم* ومما يستدرك عليه من هذه المادة: مَلَحَ الجِلْدَ واللَّحْمَ يَمْلَحه مَلْحاً فهو مَملوحٌ، أَنشد ابنُ الأعرابيّ:
  تُشْلِي الرَّمُوحَ وَهِيَ الرَّموحُ
  حَرْفٌ كأَنَّ غُبْرَها مملُوحُ
  وقال أَبو ذُؤَيب:
  يَسْتنُّ في عُرُضِ الصَّحراءِ فائِرُهُ
  كأَنّه سَبِطُ الأَهْدابِ مَملوحُ
  يَعنِي البحرَ، شَبَّه السَّرَابَ به.
  وأَملَحَ الإِبلَ: سَقاها ماءً مُلْحاً. وأَملِحْنِي بنَفْسك: زيِّنِّي. وفي التهذيب: سأَل رَجلٌ آخَرَ فقال: أُحِبُّ أَن تُمْلِحَني عند فُلان بنَفْسِك، أَي تُزيِّنَني وتُطْرِيَني. وقال أَبو ذُبيانَ(٣) بنُ الرَّعْبَل: أَبغَضُ الشُّيوخِ إِليّ الأَقَلحُ الأَمْلَحُ الحَسُوّ الفَسُوّ. كذا في الصّحاح.
  وفي حديث خَبّابٍ «لكنّ حَمزةَ لم يَكن له إِلّا نَمِرَةٌ مَلْحاءُ»، أَي بُرْدَة فيها خطوطٌ سُودٌ وبِيضٌ.
  ومنه حديث عُبَيْد بن خالدٍ(٤): خَرَجْتُ في بُردَين وأَنا مُسبِلُهما، فالتفتُّ فإِذا رسولُ الله ÷، فقلت: إِنّما هي مَلْحَاءُ. قال: وإِنْ كانت مَلْحَاءَ، أَما لَكَ فيَّ أُسْوَةٌ».
  والمُلْحَة والمَلَحُ في جَميع شَعرِ الجَسَد من الإِنسان وكلِّ شيْءٍ: بَياضٌ يَعلو السَّوَادَ.
  وقال الفرّاءُ: المليحُ: الحَليم والرّاسِب(٥).
  ومن المجاز يقال: أَصَبْنا مُلْحَةً من الرّبيع، أَي شيئاً يَسِيراً منه. وأصابَ المالُ مُلْحَةً من الرَّبِيع: لم يَستَمْكِنْ منه فنَالَ منه شَيْئاً يَسِيراً.
  والمِلْحُ: اللَّبَنُ، عن ابن الأعرابيّ، وذكره ابن السيِّدْ في المثلّث. والمِلْح: البَرَكَة، يقال: لا يُبَارِك الله فيه ولا يُملِّح، قاله ابن الأَنبارِيّ. وقال ابنُ بُزُرج: مَلَحَ الله فيه فهو مملوحٌ فيه، أَي مُبَارَكٌ له في عَيشه ومالِه.
  والمُلْحَة، بالضّمّ، موضع، كذا في المعجم.
  وفي الحديث «لا تُحَرِّم المَلْحَةُ والمَلْحَتَانِ» أي الرَّضْعَة والرَّضعتَان، فأَمّا بالجيم فهو المَصّة، وقد تقدّمت ومَلِيح،
(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله عطون ويروى شدن».
(٢) كذا في اللسان والأساس، وفي الصحاح: الرضاع.
(٣) الأصل والصحاح، وفي اللسان: أبو دبيان بالدال المهملة.
(٤) بهامش اللسان: «ومنه حديث عبيد بن خالد الخ، نصه كما بهامش النهاية: كنت رجلاً شاباً بالمدينة، فخرجت في بردين وأنا مسبلهما، فطعنني رجل من خلفي، إِما بإِصبعه وإِما بقضيب كان معه، فالتفتّ الخ».
(٥) في التهذيب: والراسب والمَرِث.