تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نصح]:

صفحة 231 - الجزء 4

  العِبَارَة عن معنَى هذه الكَلمة، كما قالوا في الفَلَاح. وفي شَرْح الفصيح للَّبْليّ: النّصيحة: الإِرشادُ إِلى ما فيه صَلاحُ المَنْصوحِ له، ولا يكون إِلّا قَولاً، فإِن استُعْمِل في غَير القَول كان مجازاً. والنُّصْح: بَذْلُ الاجتهادِ في المَشورةِ، وهو النَّصِيحَة أَيضاً، عن صاحِب الجَامع. هذا زبدةُ كلامهم في النّصيحة انتهى.

  قلْت: وهذا الّذي نقله شيخُنَا من أَنَّ النُّصح تَصفيةُ العسَل عند الأَكثرِ، قد رَدّه المصنّف في البصائر وقال: النُّصْح: الخلوص مُطلقاً، ولا تَقييد له بالعَسلِ ولا بغَيره.

  وقال في محلٍّ آخرَ: النَّصِيحة كلمةٌ جامعَةٌ، مُشتقَّة من مادّة ن ص ح الموضوعة لمعنيَينِ: أَحدهما الخُلوص والنّقَاء، والثاني الالْتئامُ والرِّفَاءُ، إِلى آخِرِ ما قال.

  ونَصَحَ الشيْءُ: خَلَصَ، وكلُّ شيْءٍ خَلَصَ فقد نَصَحَ.

  ومن المجاز: نَصَحَ الخيّاطُ الثَّوْبَ والقَمِيصَ: خَاطَهُ، يَنْصَحه نَصْحاً، أَو أَنْعَمَ خِياطَتَه⁣(⁣١)، كَتَنَصَّحَهُ. ونَصَحَ الرَّجلُ الرِّيَّ نَصْحاً، إِذا شَرِبَ حَتّى رَوِيَ. وفي بعض الأُمّهات⁣(⁣٢) «حتى يَرْوَى» قال:

  هذا مقامِي لك حتَّى تَنْصَحِي

  رِيًّا وتَجْتَازِي بَلاطَ الأَبطَحِ

  ويُروَى «حتّى تَنْضَحي» بالضاد المعجمة، وليس بالعالي.

  ومن المجاز قال النضْر: نَصَحَ الغَيْثُ البَلَدَ⁣(⁣٣) نَصْحاً: سَقَاه حتَّى اتَّصَلَ نَبْتُه فلم يكُنْ فيه فَضَاءٌ ولا خَلَلٌ. وقال غيرُه: نَصَحَ الغَيْثُ البِلادَ ونَصَرَهَا⁣(⁣٤) بمعنًى واحدٍ.

  ومن المجاز قولُهم: رجُلٌ ناصحُ الجَيْبِ: نَقِيُّ الصَّدْرِ ناصِحُ القلب، لا غِشَّ فِيه. وفي الجامع للقزّاز: النُّصْحُ: الاجتهادُ في المَشُورَةِ، وقد يستعار فيقال: فلانٌ ناصحُ الجَيْبِ، أَي ناصِحُ القَلْبِ، ليس في قَلْبه غِشٌّ. وقيل: ناصِحُ الجَيبِ مثل قولهم: طاهرُ الثَّوْب، وكلُّه على المثَل. قال النابغة:

  أَبْلِغِ الحَارِثَ بنَ هِنْدٍ بأَنّي

  ناصِحُ الجَيْبِ باذلٌ للثَّوَابِ

  ومن المجاز: سقاني ناصِحَ العَسَلِ، أَي ماذِيَّه.

  والنَّاصح: العَسَل الخالِصُ. وفي الصّحاح عن الأَصمعيّ: هو الخَالِصُ من العَسَل وغيرِهَا⁣(⁣٥)، مثْل الناصِع. ووجدْت في هامشه ما نَصُّه: العربُ تُذكِّر العسَلَ وتُؤَنّثه، والتأْنِيث أَكثرُ، كذا قال الأَزهريّ في كتابه، انتهى. قال ساعدة بن جُؤَيّة الهذليّ يَصِف رَجلاً مَزَجَ عَسَلاً صافياً بماءٍ حتّى تَفرَّق فيه:

  فأَزالَ مُفرِطَهَا بأَبيضَ نَاصحٍ

  من ماءِ أَلْهَاب بهنَّ التَّأْلَبُ⁣(⁣٦)

  وقال أَبو عمرو: النَّاصِح: النَّاصِعُ في بيت ساعدةَ.

  قال: وقال النَّضرُ: أَرادَ أَنّه فَرّقَ بين خالِصِها ورَديئها بأَبيضَ مُفْرَط، أَي بماءِ غدِير مملوءٍ.

  والناصِح الخَيّاطُ، كالنَّصَّاح والنَّاصِحِيّ. وقميصٌ منصوحٌ و [آخَرُ]⁣(⁣٧) مُنْصَاحٌ [أَي منشق].

  والناصِح: فَرَسُ الحَارث بن مَرَاغَةَ أَوْ فَضَالَةَ بنِ هِنْد، وفَرَسُ سُوِيدِ بن شَدّادٍ.

  ومن المجاز: صَلِّبْ نِصَاحَكَ. النِّصَاح ككِتَابِ: الخَيْطُ، وبه سُمِّيَ الرَّجلُ نِصَاحاً. والسِّلْكُ يُخَاط به، ج نُصُحٌ بضمتين، ونِصَاحةٌ، الكسرة في الجميع غير الكسرة في الواحد، والأَلف فيه غير الأَلف، والهاءُ لتأْنيثِ الجميعِ.

  ونِصَاحٌ: والدُ شَيْبَة القارِئ، وكان أَبو سعد الإِدريسيّ يقوله بفتح فتشديد، قاله الحافظ ابن حجر.

  والمِنْصَحَةُ، بالكسر: المِخْيَطَة كالمِنْصَح، بغير هاءٍ، وهي الإِبرة، فإِذا غلُظَت فهي الشَّعيرة⁣(⁣٨).

  ومن المجاز: المُتَنَصَّحُ: المَتَرقَّعُ⁣(⁣٩) كلاهما على صيغةِ


(١) وهي عبارة الأساس، وزيد فيه: ولم يترك فيه فتقاً ولا خللاً.

(٢) وهي عبارة التهذيب واللسان.

(٣) التهذيب واللسان والتكملة: البلاد ... نبتها.

(٤) الأصل والتهذيب والتكملة وفي اللسان (دار المعارف): نضرها ..

(٥) الصحاح: وغيره.

(٦) في التهذيب واللسان والتاج (فرط):

فأزال ناصحها بأبيض مفرط.

وفي التهذيب «عليه» بدل «بهن».

(٧) زيادة عن الأساس.

(٨) كذا بالأصل واللسان، وفي التهذيب واللسان (شغز): الشغيزة).

(٩) في القاموس: المرقع، وفي إِحدى النسخ منه: المترقع كالأصل.