تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الميم مع الحاء المهملة

صفحة 232 - الجزء 4

  المفعولِ. ويقولُون: في ثوبِه مُتَنصَّح لمَنْ يُصلِحه، أَي موضِعُ إِصلاحٍ وخِيَاطةٍ، كما يُقَال إِنّ فيه مُتَرقَّعاً⁣(⁣١). قال ابن مُقْبل:

  ويُرعَدُ إِرعادَ الهَجِينِ أَضاعَه

  غَدَاةَ الشَّمَالِ الشُّمْرُجُ المُتَنصَّحُ⁣(⁣٢)

  وقال أَبو عمرٍو: المُتَنَصَّحُ: المُخَيَّطُ جيِّداً، وأَنشد بيت ابن مُقْبل.

  ومن المجاز أَرْضٌ مَنصوحةٌ: مَجُودَةٌ، نُصِحَتْ نَصْحاً، قاله أَبو زيدٍ. وحكى ابنُ الأَعرابيّ: أَرضٌ مَنصوحة: مُتَّصِلة بالغَيْث كما يُنصَح الثّوبُ. قال ابن سيده: وهذه عبارةٌ رَدِيئة، إِنَّمَا المنصوحَة الأَرضُ المتَّصلةُ النَّبَاتِ بعضه ببعضٍ، كأَنَّ تلك الجُوَبَ التي بين أَشخاصِ النَّبَات خِيطَت حتّى اتّصلَ بعضُها ببعض.

  ومن المجاز: نَصَحَتِ الإِبلُ الشّرْبَ⁣(⁣٣) تَنصَح نُصُوحاً: صَدَقَتْه. وأَنْصَحَ الإِبلَ: أَرْوَاهَا، عن ابن الأَعرابيّ، كما في الصحاح.

  والنِّصَاحات كجِمالاتٍ: الجُلودُ، قال الأَعشى:

  فتَرَى القَوْمَ نَشَاوَى كُلَّهُمْ

  مِثْلَما مُدّتْ نِصَاحاتُ الرُّبَحْ⁣(⁣٤)

  قال الأَزهريّ: أَراد بالرُّبَح الرُّبَعَ في قول بعضهم.

  وقال ابن سيده: الرُّبَح من أَولاد الغَنَم، وقيل: هو الطائرُ الّذي يُسمَّى بالفارسية زَاغ وقال المؤرِّج: النِّصَاحاتُ: حَبَالاتٌ⁣(⁣١١) يُجعَلُ لها حَلَقٌ وتُنْصَبُ فيُصَادُ بها القُرُودُ. وذلك أَنّهم إِذا أَرادوا صَيْدَهَا يَعمِد رَجلٌ فيعمَل⁣(⁣٥) عِدّة حِبَالٍ ثم يأْخذ قِرْداً فيجعله في حَبْلٍ منها، والقُرُود تَنظُرُ إِليه من فوقِ الجَبَل، ثم يَتنحَّى الحابلُ فتنزلُ القُرُودُ فتدخلُ في الحِبَالِ وهو ينظر إِليها من حيث لا تراه ثم ينزل إِليها فيأْخذ ما نَشِب في الحِبال. وبه فسَّر بعضُهم قول الأَعشى، والرُّبَح القُرُودُ⁣(⁣٦) أصلها الرُّبّاح⁣(⁣٧) وقد تقدّم.

  والنِّصَاحَات: جِبَالٌ بالسَّرَاة.

  والنَّصْحاءُ، بفتح فسكون: ع ومِنْصَحٌ كمِنْبَرٍ⁣(⁣٨): د، والذي في المعجم أَنّه وادٍ بتهامة وراءَ مكَّة. قال امرؤ القيسِ بن عابسٍ السَّكُونيّ:

  أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى الوَرْدَ مَرَّةً

  يُطَالِب سِرْباً مُوكَلاً بِغِوَارِ

  امامَ رَعِيلٍ أَو برَوْضَةِ مِنْصَحٍ

  أُبادرُ أَنعاماً وإِجْلَ صُوَارِ

  والْمَنْصَحيَّةُ، بالفتح وياءِ النّسبة ماءٌ بتِهَامَةَ لبني هُذَيْل⁣(⁣٩).

  ومَنْصَحٌ، كمَسْكَنٍ: ع آخرُ والصواب في هذا أن يكون بالضاد المعجمة كما سيأْتي.

  وتَنَصَّحَ الرَّجلُ، إِذا تَشَبَّه بالنُّصَحاءِ، وانْتَصَحَ فلانٌ قَبِلَهُ أَي النُّصْحَ. وفي اللسان: انتصِحْ كِتَابَ الله، أَي اقْبَلْ نُصْحَه. وأَنشدوا:

  تقولُ انْتَصِحْني إِنّني لك ناصِحٌ

  وما أَنا إِنْ خبَّرْتُهَا بأَمينِ⁣(⁣١٠)

  قال ابن بَرّيّ: هذا وَهَمٌ، لأَنّ انْتَصَح بمعنَى قبِلَ النصيحةَ لا يَتعدّى أَنّه مطاوعُ نَصحتُه فانتَصَح، كما تَقُول رَددته فارْتَدّ، وسدَدْته فاستَدّ، ومدَدْته فامتدّ، فأمّا انتصَحْتُه بمعنَى اتَّخذْته نَصيحاً فهو متعدٍّ إِلى مفعول، فيكون قوله انتصِحْني إِنّني لك ناصح، بمعنَى اتَّخِذْني ناصحاً لك، ومنه قولهم: لا أُريد منك نُصْحاً ولا انْتِصَاحاً، أَي لا أُريد منك أَن تَنْصَحنِي ولا أَن تتّخذني نَصِيحاً، فهذا هو الفَرْق بين النُّصح والانتصاح. والنُّصْح مصدر نَصَحْته، والانتصاح مصدر انتَصَحْتُه أَي اتخذْتُه نَصيحاً، أَو قَبِلْت النَّصِيحَةَ، فقد صار للانْتِصَاح معنيانَ.


(١) هذه رواية اللسان والتهذيب، وفي الأساس: وثوب متنصَّح، وإِن في ثوبك لمترقَّعاً ومتنصَّحاً: موضع خياطة وترقيع.

(٢) بالأصل والتهذيب «الشمرخ» وما أثبت عن اللسان (شمرج) وفي اللسان هنا «شمرخ» أيضاً ..

(٣) الأصل واللسان، وفي الأساس: الريّ.

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: فترى الخ كذا في اللسان وأنشد في التكملة:

فترى الشرب نشاوى غُرَّدا

(١١) في القاموس: جبَالٌ.

(٥) التهذيب واللسان: فيجعل.

(٦) كذا بالأصل والتهذيب وفي اللسان (دار المعارف): القرد.

(٧) أهمل في التهذيب واللسان ضبط الباء في الرُّباح وخففت في التكملة.

(٨) في معجم البلدان: مَنْصَح بالفتح ثم السكون ثم فتح الصاد.

(٩) في معجم البلدان: لبني الدُّئِل.

(١٠) بالأصل «خيرتها» وما أثبت عن اللسان.