تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء الموحدة مع الدال المهملة

صفحة 360 - الجزء 4

  سَقَطَ. وكذلك ما أَشبههما⁣(⁣١) وإِن نوَيتَ أَن تُظهرَ ما أُضِيف إِليه وأَظهرْتَهُ فقلْت: للهِ الأَمرُ من قبلِ ومن بعدِ، جازَ، كأَنَّك أَظهرْتَ المخفوضَ الّذِي أَضَفْتَ إِليه قَبْل وبَعْد. وقال ابن سيده: ويُقرأُ: لله الأَمرُ من قَبْلٍ ومن بَعْدٍ يجعلونهما نَكرتَين، المعنَى: لله الأَمرُ من تَقَدُّمٍ ومن تأَخُّرٍ. والأَوّلُ أَجوَدُ. وحكى الكسائيّ لله الأَمْرُ مِن قَبْلِ ومن بَعْدِ بالكسر بلا تنوين.

  واسْتَبْعَدَ الرَّجُلُ، إِذا تَبَاعَدَ. واستبعدَ الشَّيءَ: عَدَّه بعيداً.

  وقولهم: جِئت بَعْدَيْكُما⁣(⁣٢) أَي بَعْدَكُما، قال:

  أَلَا يا اسْلَمَا يا دِمْنَتَيْ أُمِّ مالكٍ

  ولا يَسْلماً بَعدَيْكُما طَللانِ

  وفي الّصحاح: رأَيْته، وقال أَبو عُبيد⁣(⁣٣): يقال: لَقيته بُعَيداتِ بَيْن بالتصغير، إِذا لَقيتَه بعد حِين. وقيل بَعِيدَاتِهِ، مُكبّراً، وهذه عن الفَرّاءِ، أَي بُعَيْدَ فِرَاق، وذلك إِذا كان الرّجلُ يُمسِك عن إِتيانِ صاحِبه الزَّمَانَ، ثمّ يُمسك عنه نحْوَ ذلك أَيضاً، ثمّ يأْتِيه. قال: وهو من ظُروف الزَّمَان التي لا تَتمكّن ولا تُسْتعمل إِلّا ظَرفاً. وأَنشد شَمِرٌ:

  وأَشْعَثَ مُنْقَدِّ القَمِيصِ دَعَوْتُه

  بُعَيْدَاتِ بَيْنٍ لاهِدَانٍ ولا نِكْسِ

  ومثله في الأَساس. ويقال: إِنّها لتَضْحكُ بُعيداتِ بَيْنٍ، أَي بينَ المرّةِ ثمَّ المَرَّةِ في الحِين.

  وأَمَّا بَعْدُ فقد كان كذا، أَي إِنَّما يريدون أَمّا بَعْدَ دُعائِي لك، فإِذا قلْت أَمّا بعدُ فإِنّك لا تُضِيفه إلى شيْءٍ ولكنك تَجعله غايةً نَقيضاً لقبْل.

  وفي حديث زيدِ بن أَرقمَ: أَنَّ رسول الله ÷ خَطَبَهم فقال: «أَمّا بَعْدُ»، تقدير الكلام: أَمّا بعدَ حَمْدِ الله. وأَوَّلُ مَنْ قاله دَاوُودُ #، كذا في أَوَّليّاتِ ابن عَسَاكِر، ونقله غيرُ واحِد من الأَئمّة وقالُوا: أَخرَجَه ابن أَبي حاتم والدَّيْلميّ عن أَبي موسى الأَشعريّ مرفوعاً. ويقال: هي فَصْلُ الخِطَاب، ولذلك قال ø {وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ}⁣(⁣٤) أَوْ كَعْبُ بن لُؤَيٍّ، زعمه ثَعلب. وفي الوسائل إِلي معرفة الأَوائل: أَوّلُ من قال أَمّا بَعدُ داوودُ #، لحديث أَبي موسى الأَشعرِيّ مرفوعاً، وقيل: يَعْقُوبُ #، لأَثَرٍ في أَفرادِ الدّارَقُطْني، وقيل، قُسّ بن ساعدةَ كما للكلبيّ، وقيل يَعْرُب بن قَحطانَ، وقيل كَعْب بن لُؤَيّ.

  ويقال: هو مُحْسِنٌ للأَباعدِ والأَقارِبِ⁣(⁣٥)، الأَباعِد: ضِدّ الأَقارب. وقال اللَّيْث: يقال هو أَبْعَدُ وأَبعَدُونَ، وأَقرَبُ وأَقربُونَ، وأَبَاعِدُ وأَقارِبُ. وأَنشد [لشيخٍ من الأزد]⁣(⁣٦):

  مِنَ النَّاسِ منْ يَغْشَى الأَباعِدَ نَفْعُه

  ويَشْقَى بِه حَتَّى الممَاتِ أَقارِبُهْ

  فإِنْ يَكُ خَيْراً فالبَعيدُ يَنالُه

  وإِنْ يَكُ شَرًّا فابنُ عمِّك صاحِبُه

  وقولهم: بَيننا بُعْدَةٌ - بالضّمّ - من الأَرضِ ومِنَ القَرَابة.

  قال الأَعشى:

  بأَنْ لا تَبَغَّى الوُدَّ من متباعِدٍ

  ولا تَنْأَ من ذي بُعْدَةٍ إِنْ تَقَرَّبَا

  وبَعْدَانُ، كسَحْبَانَ: مِخلافٌ باليَمَن مشهورٌ، وقد نُسِبَ إِليه جُملةٌ من الأَعيانِ.

  * ومما يستدرك عليه قولهم:

  ما أَنتَ منا ببَعيدٍ، وما أَنتم منا ببَعيد، يَستوِي فيه الواحد والجمع، وكذلك ما أَنتَ [منا]⁣(⁣٧) ببَعَدٍ، وما أَنتم منَّا ببَعَدٍ، أَي بَعيد. وإِذا أَردْتَ بالقَرِيبِ والبَعِيدِ قَرَابَةَ النَّسَبِ أَنثْتَ لا غير، لم تَختلف العربُ فيها.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله وإِن نويت الخ هذه العبارة ليست متصلة بما قبلها في اللسان بل أسقط بينهما جملة ولعله اختصار فراجعه» والعبارة في التهذيب واللسان بعد قوله ما أشبههما: «كقوله:

إِن تأت من تحت أجئه من علو

وقال الآخر: [هو عتي بن مالك العقيلي].

إِذا أنا لم أومن عليك ولم يكن

لقاؤك إِلا من وراءُ وراءُ

فرفع إِذ جعله غاية ولم يذكر بعده الذي أضيف إِليه.

قال الفراء: وإِن نويت ...» هذا نص عبارة التهذيب.

(٢) عن القاموس، وبالأصل «بعيديكما».

(٣) في التهذيب: أبو عبيد عن أبي زيد: لقيته ...

(٤) سورة ص الآية ٢٠.

(٥) الأساس: دون الأقارب.

(٦) زيادة عن الامالي ٣/ ٢٢٠.

(٧) زيادة عن اللسان.