تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء الموحدة مع الدال المهملة

صفحة 361 - الجزء 4

  والأَبْعَدُّ، مُشدَّدَ الآخِر في قول الشاعر:

  مَدًّا بأَعناقِ المَطِيِّ مَدَّا

  حتَّى تُوافِي المَوْسمَ الأَبعَدَّا

  فلضرورة الشِّعر.

  والبُعَداءُ: الأَجانبُ الّذِين لا قَرَابَةَ بينهم، قاله ابن الأَثير⁣(⁣١).

  وقال النضْر في قولهم: هَلَكَ الأَبْعَدُ قال: يعنِي صاحِبَه، وهكذا يقال إِذا كَنَى عن اسمه.

  ويقال للمرأَة: هَلَكَتِ البُعْدى قال الأَزهريّ: هذا مثْل قولهم: فلا مَرْحباً بالآخَر، إِذا كَنَى عن صاحبه وهو يَذُمُّه.

  ويقال: أَبعَدَ الله الأَخَرَ قلْت: الأَخَر⁣(⁣٢)، هكذا في نُسخ الصّحاح، وعليها علامة الصِّحّة، فليُنظر. قال: ولا يقال للأُنثى منه شيْءٌ. وقولهم: كَبَّ اللهُ الأَبعَدَ لفِيهِ، أَي أَلقاه لوَجْهه. والأَبعَدُ: الحائنُ: هكذا في الصّحاح بالمهملة⁣(⁣٣).

  وفُلانٌ يَسْتَخْرِج الحَديثَ من أَباعدِ أَطْرافِه. وأَبْعَدَ في السَّوْم شَطَّ. وتَبَاعَدَ منّي، وابتَعَد، وتَبَعَّدَ.

  وفي الحديث «أَنّ رجلاً جَاءَ فقالَ: إِنّ الأَبعَدَ قد زَنَى»، معناه المتباعِد عن الخَير والعِصْمة.

  وجَلَسْتُ بَعِيدةً منك وبعِيداً منك، يَعِني مَكاناً بعيداً.

  ورُبما قالُوا: هي بَعيدٌ منك، أَي مكانُها. وأَمَّا بعيدةُ العهدِ فبالهَاءِ.

  وذو البُعْدة: الّذي يُبْعِد في المُعادَاة. وأَنشد ابنُ الأَعرابيّ لرؤبةَ:

  يَكْفِيك عندَ الشِّدّة اليَبيسَا

  ويَعتلِي ذا البُعْدَةِ النّحوسا

  قال أَبو حاتم: وقالوا قَبْلُ وبَعْدُ مِن الأَضداد. وقال في قوله ø: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها}⁣(⁣٤) أَي قَبْلَ ذلك.

  ونقلَ شيخُنا عن ابن خالَويه في كتاب «ليس» ما نصُّه: ليس في القرآن بعْد بمعنى قبْل إِلّا حَرْفٌ واحِد {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ}⁣(⁣٥). وقال مُغُلْطَاي في المَيْس على ليس: قد وَجَدْنَا حَرْفاً آخَرَ، وهو {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها} قال أَبو موسى في كتاب المغيث: معناه هنا قَبْل، لأَنّه تعالى {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ... ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ}، فعلَى هذا خلَق الأَرضَ قبْلَ السماءِ. ونقَله السُّيوطيّ في الإِتقان، كذا نقله شيخنا.

  قلْت: وقد رَدَّه الأَزهريّ فقال: والّذي قاله أَبو حاتم عمَّن قاله خَطأٌ، قَبْل وبعْد كلُّ واحدٍ منهما نَقيضُ صاحِبه، فلا يَكونُ أَحدُهما بمعنَى الآخَرِ، وهو كَلامٌ فاسدٌ. وأَمَّا ما زَعَمه من التناقض الظاهرِ في الآيات فالجواب أَنَّ الدَّحْوَ غَيرُ الخلْق، وإِنَّما هو البَسْط، والخَلْقُ هو الإِنشاءُ الأَوّل، فالله ø خَلَق الأَرضَ أَوَّلاً غير مَدْحُوَّة، ثم خَلقَ السماءَ، ثم دحَا الأَرضَ، أَي بَسَطَها. قال: والآيات فيها مُتّفقةٌ ولا تناقضَ بحمْدِ الله تعالى فيها، عندَ مَن يَفهمها، وإِنّمَا أُتِيَ الملحِدُ الطَّاعنُ فيما شاكلَها من الآيات من جِهَةِ غَبَاوَته وغِلَظِ فَهْمِه وقِلّة عِلْمِه بكلام العرب. كذا في اللسان.

  قال شيخنا: وجعلَها بعض المُعْرِبين بمعنَى مع، كما مرَّ عن المصباح⁣(⁣٦)، أَي مع ذلك دَحَاها. وقال القاليُّ في أَماليه، في قول المضرِّب بن كعْب:

  فقُلْتَ لها فِيئي إِليْكِ فإِنّني

  حَرَامٌ وإِنِّي بعدَ ذاكِ لَبيبُ

  أَي مع ذاكِ. ولَبيب: مُقيم.

  وقد يُرَادُ بها الآنَ في قول بعضِهم:

  كما قَدْ دَعَاني في ابنِ مَنصورَ قَبْلَهَا

  وماتَ فمَا حانتْ مَنِيَّتَه بَعْدُ

  أَي الآنَ.

  وأَبعَدَ فلانٌ في الأَرض، إِذا أَمْعَنَ فيها.

  وفي حديث قتْل


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله قاله ابن الأثير، أي في حديث مهاجري الحبشة: وجئنا إِلى أرض البعداء».

(٢) في الصحاح المطبوع: الآخَرَ.

(٣) في الصحاح المطبوع: الخائن بالخاء المعجمة.

(٤) سورة النازعات الآية ٣٠.

(٥) سورة الأنبياء الآية ١٠٥.

(٦) يشير إِلى ما ورد في المصباح: وتأتي بمعنى مع كقوله تعالى {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ} أي مع ذلك.