تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الدال المهملة

صفحة 183 - الجزء 5

  قال ابن بَرِّيّ: البيتُ لعَبيد بن الأَبرص، انتهى، وقال الزَّمخشريُّ في قوله تعالى: {قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ}⁣(⁣١) قال: أَي رُبَّمَا نَرى، ومعناه تَكثيرُ الرُّؤْية، ثم استشهد ببيت الهُذليّ. قال شيخنا⁣(⁣٢): واستشهد جَمَاعَةٌ من النَّحويين على ذلك ببيت العَروضِ⁣(⁣٣):

  قَدْ أَشْهَدُ الغَارَةَ الشَّعْوَاءَ تَحْمِلُني ... جَرْدَاءُ مَعْرُوقَةُ اللَّحْيَيْنِ سُرْحُوبُ

  وفي التهذيب: وقد حَرْفٌ يُوجَبُ به الشيءُ كقولك، قد كان كذا وكذا، والخبر أَن تقول: كان كذا وكذا فأُدْخِلَ قَدْ توكيداً لتصديق ذلك، قال: وتكون قدْ في موضعٍ تُشبِه رُبَّما، وعندها تَمِيلُ قَدْ إِلى الشَّكّ، وذلك إِذا كانت مع الياءِ [والتاءِ]⁣(⁣٤) والنون والأَلف في الفِعْل، كقولك: قد يكون الذي تقول. انتهى. وفي البصائر للمصنِّف: ويجوزُ الفَصْل بينه وبين الفِعْل بالقَسَمِ، كقولك: قد واللهِ أَحْسَنْت، وقد لَعَمْرِي بتّ ساهِراً. ويجوز طَرْحُ الفِعْل بَعْدَهَا إِذَا فُهِم، كقولِ النابغة:

  أَفِدَ التَّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكَابَنَا ... لَمَّا تَزُلْ بِرِحَالنَا وكَأَنْ قَدِ

  أَي كأَن قَدْ زَالَتْ، انتهى. وفي اللسان: وتكون قَدْ مثل قَطْ بِمنزلة حَسْب، تقول: ما لَك عندي إِلَّا هذا فَقَدْ، أَي فَقَطْ، حكاه يَعقوبُ، وزعم أَنه بَدَلٌ. وقَوْلُ الجَوْهَرِيِّ: وإِنْ جَعَلْتَهُ اسْماً شَدَّدْتَه، فتقول كتَبْتُ قَدًّا حَسَنَةً، وكذلك كَيْ وهُو ولَوْ، لأَن هذه الحروف⁣(⁣٥) لا دَلِيلَ على ما نَقَص منها، فيَجِبُ أَن يُزَادَ في أَواخِرِهَا ما هو من⁣(⁣٦) جِنْسها وتُدْغَم إِلَّا في الأَلف فإِنك تَهْمِزُها، ولو سمَّيْتَ رَجُلاً بلا، أَو ما، ثم زِدْت في آخِره أَلِفاً هَمَزْتَ، لأَنك تُحَرِّك الثانِيةَ، والأَلِف إِذا تَحَرَّكَتْ صارَتْ هَمزةً، هذا نصُّ عبارةِ الجوهريِّ، وهو مَذْهَب الأَخفشِ وجَمَاعَةٍ من نُحَاةِ البَصْرَةِ، ونَقلَه المُصنِّف في البصائر، له، وأَقرَّه، وقال ابنُ بَرِّيٍّ: وهذا غلطُ منه وإِنَّما يُشَدَّدُ ما كانَ آخِرُه حَرْفَ عِلَّةٍ. وعبارةُ ابنِ بَرِّيٍّ: إِنما يكون التَّضْعِيفُ في المُعْتَلِّ تَقُولُ في هُو اسم رجل: هذا هُوّ وفي لَوْ: هذا لَوّ، وفي في هذا فِيّ، وإِنَّمَا شُدِّدَ لئلَّا يَبْقَى الاسمُ على حَرْف واحد، لسكون حَرْفِ العِلَّةِ مع التَّنْوِينِ، وأَمَّا قَدْ إِذا سَمَّيْتَ بها تَقولُ هذا قَدٌ ورأَيتُ قَداً ومررتُ بِقَدٍ، وفي مَنْ: هذا مَنٌ، وفي عَنْ هذا عَنٌ، بالتخفيفِ في الكُلِّ لا غَيْرُ، ونظيرُه يَدٌ ودَمٌ وشِبْهُهُ. تقول: هذه يَدٌ ورأَيتُ يَداً ومررْت بِيَدٍ، وقد تَحامَلَ شيخُنَا هنا على المُصَنِّف، ونَسبه إِلى القُصور وعَدمِ الاطِّلاعِ على حَقِيقةِ مَعْنَى كلام الجوهريّ ما يقضي به العَجَب، سامَحه اللهُ تعالى، وتجاوز عن تَحامُله.

  * ومما يستدرك عليه:

  القِدُّ، بالكسر: الشيْءُ المَقْدُودُ بِعَيْنِه. والقِدُّ: النَّعْلُ لم يُجَرَّد من الشَّعَر، ذكرهما المُصنّف في البصائر، له. قلت: وفي اللسان بعد إِيراد الحَدِيث «لَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكم» إِلى آخره: وقال بعضُهم: يجوز أَن يكون القِدُّ النَّعْلَ، سُمِّيت قِدًّا لأَنها تُقَدُّ مِن الجِلْدِ، وروى ابنُ الأَعرابيّ:

  كسِبْتِ اليَمَانِي قِدُّهُ لَمْ يُجَرَّدِ

  بالجيم، أَي لم يُجَرَّد من الشَّعَرِ، فيكون أَلْيَنَ له، ومن روَى: قَدُّه بالفتح، ولم يُحَرَّد، بالحاءِ⁣(⁣٧)، أَراد: مِثَالُه لم يُعَوَّج، والتحْرِيد: أَن تَجْعَلَ بعضَ السَّيْرِ عَريضاً وبعضَه دَقيقاً، وقد تَقدَّم في موضعه.

  والمَعقدُّ بالفتح: مَشَقُّ القُبُل. وقولُ النابِغَةِ.

  ولِرَهْطِ حَرَّابٍ وقَدٍّ سَوْرَةٌ ... فِي المَجْدِ لَيْسَ غُرَابُهَا بِمُطَارِ

  قال أَبو عُبيد: هما رَجلانِ من بني أَسَدٍ. وفي حديث أُحُدٍ: «كان أَبو طَلْحَةَ شَدِيدَ القَدِّ» إِن رُوِيَ بالكَسر فيريد به


(١) سورة البقرة الآية ١٤٤.

(٢) قوله: «قال شيخنا» فالعبارة التالية، من تتمة عبارة المغني.

(٣) يريد بقوله «بيت العروض» البيت الذي يستشهد به في علم العروض.

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله مع الياء الخ في اللسان مع الياء والتاء الخ» والزيادة عن التهذيب.

(٥) أي الكلمات.

(٦) سقطت من المطبوعة الكويتية.

(٧) البيت لطرفة، من معلقته وتمامه كما في جمهرة أشعار العرب للقرشي ص ٨٧:

وخدّ كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قَدّه لم يحرّد

قال أبو زيد: شبه خدها بالقرطاس وهو الورق من جهة الشام، وشبه مشفرها بالجلد المدبوغ بدباغ القرط اللينة وذلك محمود في الناقة والفرس، وقدّه يعني قطعته، لم يحرد أي لم يعوّج.