فصل القاف مع الدال المهملة
  يكون ماضياً أَو مضارعاً، المُتَصَرِّفِ، فلا تَدخل على فِعْلٍ جامدٍ، وأَما قولُ الشاعر:
  لَوْ لَا الحَيَاءُ وأَنَّ رَأْسِيَ قَدْ عَسَى ... فِيهِ المَشِيبُ لَزُرْتُ أُمَّ القَاسِمِ(١)
  فعَسَى فيه ليست الجامِدَة، بل هي فِعْلٌ متصرِّفٌ معناه اشتَدَّ وظهرَ وانتَشَر، كما سيأْتي، الخَبَرِيِّ، خرجَ بذلك الأَمرُ، فإِنه إِنشاءٌ، فلا تَدخل عليه، المُثْبَتِ، اشترطه الجماهيرُ، المُجَرَّدِ مِن جَازِمٍ وناصِبٍ، وحَرْفِ تَنْفِيسٍ قال شيخُنا: هذه كلُّها شُرُوطٌ في دُخولها على المضارِع، لأَن غالِبَ النواصبِ والجوازم تَقتضي الاستقبالَ المَحْضَ، وكذلك حَرْفَا التنفيسِ [و] قد موضوعة للحال كما بُيّن في المُطَوَّلات.
  ولها سِتَّةُ مَعَانٍ(٢): الأَوّل التَّوَقُّعُ، أَي كون الفِعْلِ مُنْتَظَراً مُتَوَقَّعاً، فتَدخل على الماضي والمضارع. نحو قد يَقْدَمُ الغائبُ، فتدُلّ على أَن قُدومَ الغائب منتظَرٌ، وقد أَجْحَف المُصنِّف فلم يأْتِ بمثالِ الماضي، بناءً على زَعْمِه أَنَّهَا لا تكون للتوقُّعِ مع الماضي، لأَن التوقُّعَ هو انتظارُ الوُقُوعِ، والماضي قد وَقَعَ، وقد ذَهَبَ إِلى هذا القولِ جماعَةٌ من النُّحاةِ، وقال الذين أَثبتوه: معنَى التوقُّعِ مع الماضي أَنها تَدُلُّ على أَنه كان مُنْتَظَراً، تقول: قد رَكِبَ الأَميرُ. لِقومٍ كانوا يَنتظرون هذا الخبر ويَتوقَّعُون ثُبوتَ الفِعْل، كما قاله ابنُ هِشام(٣).
  والثاني تَقْرِيبُ الماضِي مِن الحَالِ، وهو مُقْتَضَى كلامِ الشيخِ ابنِ مالك: أَنها مع الماضي تُفِيد التقريبَ، كما جزمَ به ابنُ عُصفورٍ، وأَن من شَرْطِ دُخولِها كَوْنَ الفِعْل مُتَوقَّعاً، نحو قد قام زَيْدٌ، وقال أَبو حيّان في شرْح التَّسهيل: لا يَتحقَّق التَّوقُّع في قَدْ، مع دخوله على الماضي، لأَنه لا يُتَوَقَّع إِلا المُنتَظَرُ، وهذا قد وَقعَ، وأَنكرَه ابنُ هِشامٍ في المُغنِي فقال: والذي يَظهر لي قولٌ ثالِثٌ(٤): وهو أَنها لا تُفيد التَّوقُّعَ أَصْلاً، فراجعْهِ، قال شيخنا: والذي تَلقَّيْنَاه من أَفواهِ الشيوخِ بالأَندَلس أَنها حَرْفُ تَحقيقٍ إِذا دخلَتْ على الماضِي، وحرْفُ تَوقُّعٍ إِذا دخلَتْ على المستقبَل، وأَقرَّه صاحب هَمْع الهوامِع، وعليه مُعْتَمَدُ الشيوخ.
  والثالث التَّحْقِيقُ، وذلك إِذا دخلَتْ على الماضي، كما ذُكر قريباً، نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها}(٥) وزاد ابنُ هِشَام في المغني: وعلى المضارع، كقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ}(٦).
  والرابع النَّفْيُ(٧)، فِي اللسان نقلاً عن ابنِ سيدَه: وتكون قَدْ بمنزلةِ ما، فيُنْفَى بها، سُمِعَ بعض الفصحاءِ يقول: قد كُنْتَ فِي خَيْرٍ فَتَعْرِفَه، بنصف تَعْرِف، قال في المغنى: وهذا غرِيبٌ، وإِليه أَشار في التسهيل بقوله: ورُبَّمَا نُفِيَ بقد فنُصِب الجوابُ بعدها.
  والخامس التَّقْلِيل، ذكره الجماهيرُ، وأَنكره جماعةٌ، قال في المغنى: هو ضَرْبَانِ: تَقلِيلُ وُقُوعِ الفعلِ، نحو قَدْ يَصْدُق الكَذُوبُ وقد يَجُودُ البَخِيلُ، وتَقْلِيلُ مُتَعَلَّقِهِ(٨) نحو [قوله تعالى]: {قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أَي ما هم عليه هو أَقلُّ معلوماتِه، قال شيخنا(٩): وزعمَ بعضُهم أَنها في هذه الأَمثلة ونحوِها للتحقيق، وأَن التقليلَ في المِثَالينِ الأَوّلينِ لم يُسْتَفَدْ مِن قَدْ، بل من قولِكَ: البخيل يجود، والكذوب يصدق، فإِنه إِن لم يُحْمَل على أَنّ صُدُورَ ذلك منهما قليلٌ كان فاسداً، إِذ آخِرُ الكلامِ يُناقِض أَوَّلَه.
  والسادس التَّكْثِيرُ، في اللسان: وتكون قَدْ مع الأَفعال الآتِيَةِ بمنْزِلَة رُبَّما، قال الهذليُّ: قَدْ أَتْرُكُ القِرْنَ مُصْفَرًّا أَنامِلُه كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ(١٠)
(١) البيت لعدي بن الرقاع (المغني ص ٢٢٩).
(٢) في المغني: ولها خمسة معانٍ.
(٣) وفي المغني أيضاً ص ٢٢٨: ومنه قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لأن الجماعة منتظرون لذلك ... وفي التنزيل: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ}. قال ابن هشام: وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي، وقال: التوقع انتظار الوقوع، والماضي قد وقع.
(٤) القول الأول: ألذين أثبتوا ل «قد» معنى التوقع مع الماضي، والقول الثاني: الذين أنكروا ذلك. انظر المغني ص ٢٢٨.
(٥) سورة الشمس الآية ٩.
(٦) سورة النور الآية ٦٤.
(٧) ابن هشام ينكر هذا المعنى، ولم يعتبره ولذلك قال: إن ل «قد» خمسة معانٍ، انظر ما لا حظنا، قريباً.
(٨) في المطبوعة الكويتية: متعلقة تحريف.
(٩) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله قال شيخنا: وزعم الخ هذه العبارة إلى آخرها هي بقية كلام المغني، فكان الأولى اسقاط قوله: قال شيخنا» انظر المغني ص ٢٣١.
(١٠) صدره في المغني، ونسب للهذلي، وبهامشه قال محققه: نسب في حاشية سيبويه ٢/ ٣٠٧ لشماس الهذلي.