تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الدال المهملة

صفحة 200 - الجزء 5

  والقول الأَخير قاله ابنُ القَطَّاع في الأَفعال له، وأَنشد البيت، قال أَبو عبيدة⁣(⁣١): الإِقواءُ نُقْصَانُ الحُرُوفِ من الفاصلة فَتَنْقُص مِن عَرُوض البيت قُوَّةٌ، وكان الخليلُ يُسَمِّي هذا: المُقْعَدَ، قال أَبو منصورٍ: هذا صحيحٌ عن الخليل، وهذا غيرُ الزِّحافِ، وهو عَيْبٌ في الشِّعْر، والزِّحَافُ ليس بعَيْب. ونقلَ شيخُنا عن علماءِ القوافي أَنّ الإِقْعَادَ عِبَارَةٌ عن اختلافِ العَرُوض مِن بَحْرِ الكامِل، وخَصُّوه به لكثرةِ حَرَكاتِ أَجزائه، ثم أَقامَ النَّكِير على المُصَنِّف بأَن الذي ذَهَبَ إِليه لم يُصَرِّحْ به أَحدٌ من الأَئمّة، وأَنه أَدْخَل في كِتابه مِن الزِّيادَة المُفْسِدة التي يَنْبَغِي اجتنابُها، إِذ لم يَعْرِفْ مَعناها، ولا فَتَحَ لهم بابَها، وهذا مع ما أَسْبَقْنَا النَّقْلَ عن أَبي عُبَيْدَة والخَليلِ وهُمَا هُمَا مِمَا يَقْضِي به العَجَبُ، والله تعالَى يُسامِح الجميعَ بفَضْلِه وكَرَمِه آمِين.

  والمُقْعَدُ اسم رَجُل كانَ يَرِيشُ السِّهَامَ بالمَدينة، وكان مُقْعَداً، قال عاصِم بنُ ثابِتٍ الأَنصاريُّ ¥، حين لَقِيَه المُشْرِكون ورَمَوْه بالنَّبْل:

  أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ المُقْعَدِ ... وَمُجْنَأٌ مِنْ مَسْكِ ثَوْرٍ أَجْرَدِ⁣(⁣٢)

  وَضَالَةٌ مِثْلُ الجَحِيمِ المُوقَدِ ... وصَارِمٌ ذُو رَوْنَقٍ مُهَنَّدِ

  وإِنما خُفِض مُهَنَّد على الجِوار أَو الإِقواءِ⁣(⁣٣)، أَي أَنا أَبو سليمان، ومعي سِهامٌ رَاشَهَا المُقْعَدُ. فما عُذْرِي أَن لا أُقاتل؟ قال الصاغانيّ: ويُرْوَى المُعْقَد، بتقديم العين وقيل: المُقْعَدُ: فَرْخُ النَّسْرِ، ورِيشُه أَجْوَدُ الرِّيشِ، قاله أَبو العباس، نقلاً عن ابنِ الأَعرابيّ وقيل: المُقْعَد: النَّسْرُ الذي قُشِبَ له فصِيدَ وأُخِذَ رِيشُه وقيل: المُقْعَدُ: فَرْخُ كُلِّ طائر لَمْ يَسْتَقِلَّ، كالمُقَعْدِدِ، فيهما أَي في النَّسْرِ وفَرْخِهِ، والذي ثَبتَ عن كُراع: المُقَعْدَدُ⁣(⁣٤): فَرْخ النَّسرِ.

  ومن المَجاز: المُقْعَدُ مِن الثَّدْيِ: الناتئُ على النَّحْرِ مِلْءَ الكَفِّ، النَّاهِدُ الذي لم يَنْثَنِ بَعْدُ ولم يَتَكَسَّرْ⁣(⁣٥)، قال النابِغَة:

  والبَطْنُ ذُو عُكَنٍ لَطِيفٌ طَيُّهُ ... والإِتْبُ تَنْفُجُه بِثَدْيٍ مُقْعَدِ

  ومن المجاز رَجُلٌ مُقْعَدُ الأَنْفِ إِذا كان في مَنْخِرَيْهِ سَعَةٌ وقِصَرٌ.

  والمُقْعَدَةُ بهاءٍ: الدَّوْخَلَّةُ مِنَ الخُوصِ، نقله الصاغانيّ. والمُقْعَدَة: بئر⁣(⁣٦) حُفِرَتْ فَلَمْ يَنْبَطْ مَاؤُها وتُرِكَتْ، وهي المُسْهَبَةُ عندهم.

  والمُقْعَدَانُ⁣(⁣٧)، بالضمّ: شَجرةٌ تَنْبُتُ نَبَاتَ المَقِرِ ولا مَرارةَ لها، يَخرُجُ في وَسَطِها قَضيبٌ يَطولُ قامَةً، وفي رأْسِهَا مثْل ثَمَرَة العَرْعَرةِ صُلْبَةٌ حمراءُ يتَرامَى بها الصِّبيَانُ ولا تُرْعَى.

  قاله أَبو حنيفة.

  وعن ابن الأَعرابيّ: حَدَّدَ شَفْرَتَه حَتَّى قَعَدَتْ كأَنَّهَا حَرْبَةٌ، أَي صَارَتْ وهو مَجازٌ. ولما غفلَ عنه شيخُنَا جعَلَه في آخرِ المادّة من المُسْتَدْرَكَات.

  وقال ابن الأَعْرَابيّ أَيضاً ثَوْبَكَ لا تَقْعُدْ تَطِيرُ به الرِّيحُ، أَي لا تَصِيرُ الرِّيحُ طائرَةً بهِ ونَصب ثوبَكَ بفعلٍ مُضْمَر، أَي احفظْ ثوبَك وقال أَيضاً: قعَدَ لا يسْأَله أَحدٌ حاجَةً إِلَّا قَضَاهَا. ولم يُفَسِّره، فإِن عنَى به صارَ فقد تَقدَّم لها هذه النظائر، واسْتَغْنى بتفسير تلكَ النظائرِ عن تفسيرِ هذه، وإِن كان عنَى القُعُودَ فلا معنَى له، لأَن القُعُود ليست حالٌ أَوْلَى به مِن حالٍ، أَلَا ترَى أَنك تقول: قَعَدَ لا يَمُرُّ به أَحَدٌ إِلَّا يَسبُّه، وقَعَدَ لا يَسْأَلُه سائلٌ إِلَّا حَرَمَه، وغير ذلك مما يُخْبَر به من أَحوالِ القاعد، وإِنما هو كقولِك: قَامَ لا يُسْأَلُ حاجَةً إِلَّا قَضاها. قلت. وسيأْتي في المستدركات ما يتعلَّق به.

  والقُعْدَةُ، بالضمّ: الحِمَارُ، ج قُعْدَاتٌ، بضمّ فسكون، قال عُرْوَة بن مَعدِيكربَ:

  سَيْباً عَلَى القُعْدَاتِ تَخْفِقُ فَوْقَهُمْ ... رَايَاتُ أَبْيَضَ كالفَنِيقِ هِجَانِ


(١) في اللسان: «أبو عبيد» والصواب ما أثبت ففي التهذيب: قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله «ومجنأ» في التكملة: ووتر».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: أو الإقواء، الصواب ولا إقواء كما هو ظاهر.

(٤) المُقَعْدَدُ بفتح الدال الأولى، هكذا خطبت في اللسان.

(٥) في الأساس: ثدي مقعد: ملء الكف ناهد لا ينكسر.

(٦) القاموس: والبئر.

(٧) على هامش القاموس عن نسخة أخرى: والمُقْعَداتُ.