تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

(فصل الواو) مع الدال المهملة

صفحة 295 - الجزء 5

  فزَالَتِ المَدَامِعُ، ولم يَزُلْ ذلك الجَفْنُ الدَّامِعُ، قال ابنُ سِيدَه، وهذه الأَبياتُ قَرَأْتُها على أَبِي العَلاءِ صاعِدُ بنِ الحَسَن في الكِتَاب المَوْسُوم بالفُصُوصِ.

  وَكَذَا في الحُزْنِ ولكن⁣(⁣١) بِكَسْرِ ماضِيه، مُرَاده أَن وَجِدَ في الحُزْن مِثْل وَجَدَ في الحُبِّ، أَي ليس له إِلَّا مَصْدَرٌ واحِدٌ، وهو الوَجْدُ، وإِنما يخالفه في فِعْلِه، ففِعل الحُبِّ مفتوح، وفِعْل الحُزْن مَكسورٌ، وهو المراد بقوله: ولكن بكسرِ ماضِيه. قال شيخُنا: والذي في الفصيح وغيرِه من الأُمَّهات القديمةِ كالصّحاحِ والعَيْنِ ومُخْتَصر العينِ اقتَصَرُوا فيه على الفَتْح فقط، وكلامُ المصنّف صَرِيحٌ في أَنه إِنما يُقال بالكَسْرِ فقطْ، وهو غَرِيبٌ، فإِن الذين حَكَوْا فيه الكَسْرَ ذَكَرُوه مع الفَتْح الذي وَقَعَتْ عليه كَلِمَةُ الجماهيرِ، نَعمْ حَكَى اللَّحْيَانيُّ فيه الكسْرَ والضَّمَّ في كتابِه النوادِر، فظَنَّ ابنُ سِيدَه أَن الفَتْحَ الذي هو اللغةُ المشهورةُ غير مَسمُوعٍ فيه، واقتصر في المُحكمِ على ذِكْرِهما فقط، دون اللغَةِ المشهورةِ في الدَّوَاوِين، وهو وَهَمٌ، انتهى. قلت: والذي في اللسانِ: وَوَجَدَ الرَّجُلُ في الحُزْنِ وَجْداً، بالفتح، وَوَجِدَ، كِلَاهُمَا عن اللِّحْيَانيِّ: حَزِنَ. فهو مُخَالِفٌ لما نَقَلَه شَيْخُنَا عن اللِّحْيانيِّ من الكَسْرِ والضّمِّ، فليتأَمَّل، ثم قال شيخُنَا: وابنُ سيده خالَفَ الجُمْهُورَ فَأَسْقَطَ اللُّغَةَ المشهورَةَ، والمُصَنِّف خالَف ابنَ سِيدَه الذي هو مُقْتَدَاه في هذه المادَّةِ فاقتَصَر على الكَسْرِ، كأَنَّه مُرَاعاةً لِرَدِيفه الذي هو حَزِنَ، وعلى كِلِّ حالٍ فهو قُصُورٌ وإِخلالٌ، والكَسْر الذي ذَكَرَه قد حكاه الهَجَرِيُّ وأَنشَدَ:

  فَوَاكَبِدَا مِمَّا وَجِدْتُ مِن الأَسَى ... لَدَى رَمْسِه بَيْنَ القَطِيلِ المُشَذَّب

  قال: وكأَنَّ كَسْر الجِيمِ مِن لُغَتِه، فتحَصَّل مِن مجموعِ كَلامِهم أَنَّ وَجَدَ بمعنى حَزِن فيه ثلاثُ لُغَاتٍ، الفتْح الذي هو المشهور، وعليه الجمهور، والكسْر الذي عليه اقتصر المُصَنِّف والهَجَرِيّ وغيرُهما، والضمُّ الذي حكاه الِّلحيانيّ في نَوَادِرِه، ونقلَهما ابنُ سِيده في المُحْكَم مقتَصِراً عليهما.

  والوُجْدُ: الغِنَى، ويُثَلَّث، وفي المحكم: اليَسَار والسَّعَةُ، وفي التنزيلِ العزيز: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}⁣(⁣٢) وقد قُرِئ بالثلاث، أَي في سَعَتِكم⁣(⁣٣) وما مَلَكْتُم، وقال بعضُهم: مِن مَسَاكِنِكُم. قلت: وفي البصائر: قَرَأَ الأَعْرَجُ ونافِعٌ ويَحْيَى بن يَعْمُر وسَعِيد بن جُبَير وطَاوُوس وابنُ أَبي عَبْلَة وأَبو حَيْوَةَ: «مِنْ وَجْدِكُم»، بالفتح، وقرأَ أَبو الحَسن رَوْحُ بن عبد المُؤْمن: «من وِجْدِكم» بالكسر، والباقُون بالضَّمّ، انتهى، قال شيخُنَا: والضمُّ أَفْصَح، عن ابنِ خَالَوَيْه، قال: ومعناه: من طَاقَتِكُم ووُسْعِكُم، وحكَى هذا أَيضاً اللّحيانيُّ في نَوَادِرِه.

  والوَجْدُ، بالفتح: مَنْقَعُ الماءِ، عن الصاغانيِّ، وإِعجام الدال لغةٌ فيه، كما سيأْتي ج وِجَادٌ، بالكسر.

  وأَوْجَدَه: أَغْنَاهُ.

  وقال اللِّحيانيُّ: أَوْجَدَه إِيَّاه: جَعَلَه يَجِدُه.

  وأَوْجَدَ اللهُ فُلاناً مطلُوبَهُ، أَي أَظْفَرَهُ به.

  وأَوْجَدَه عَلى الأَمْرِ: أَكْرَهَهُ وأَلْجَأَه، وإِعجام الدَّالِ لُغَةٌ فيه.

  وأَوْجَدَهُ بَعْدَ ضُعْفٍ: قَوَّاهُ، كآجَدَه والذي في اللسان: وقالُوا: الحَمْدُ للهِ الذي أَوْجَدَني بَعْدَ فَقْر⁣(⁣٤)، أَي أَغْنَاني، وآجَدَنِي بَعْدَ ضَعْف، أَي قَوَّانِي.

  وعن أَبي سعيدٍ: تَوَجَّدَ فلانٌ السَّهَرَ وغَيْرَه: شَكَاهُ، وهم لَا يَتَوَجَّدُونَ سَهَرَ لَيْلِهم ولا يَشْكُونَ ما مَسَّهم مِنْ مَشَقَّتِه.

  والوَجِيدُ: مَا اسْتَوَى من الأَرْضِ، ج وُجْدَانٌ، بالضَّمّ، وسيأْتي في المُعْجَمَة.

  ووُجِدَ الشيْءُ مِن العَدَمِ، وفي بعضِ الأُمّهات: عن عَدَمٍ، ومثلُه في الصَّحاح كعُنِىَ، فهو مَوجودٌ [مثل]⁣(⁣٥): حُمَّ، فهو مَحْمُومٌ، ولا يُقَال: وَجَدَه الله تَعالى، كما لا يُقَال: حَمَّه اللهُ، وإِنما يقال: أَوْجَدَه الله تَعَالى وأَحَمَّه، قال الفيّومِيّ: الموجود خِلافُ المَعْدُومِ⁣(⁣٦)، وأَوْجَد اللهُ الشيْءَ من العَدَمِ فوُجِدَ فهو مَوْجُود، من النَّوادِر، مثْل أَجَنَّه اللهُ


(١) في القاموس «لكن» بدون «واو».

(٢) سورة الطلاق الآية ٦.

(٣) عن اللسان، وبالأصل «سعيكم».

(٤) في التهذيب: «بعد ما أفقرني».

(٥) زيادة عن الصحاح واللسان.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: الموجود الخ عبارة المصباح الذي بيدي: والوجود خلاف العدم».