تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

(فصل الواو) مع الدال المهملة

صفحة 296 - الجزء 5

  فجُنَّ فهو مَجْنُونٌ، قال شيخُنا: وهذا البابُ من النوادرِ يُسَمِّيه أَئمّةُ الصَّرْفِ والعَربيَّةِ بابَ أَفْعَلْتُه فهو مَفْعُولٌ، وقد عَقَدَ له أَبو عُبَيْدٍ بَاباً مُستقِلًّا في كتابِه الغَرِيب المُصَنَّف وذكر فيه أَلفاظاً منها: أَحَبَّه فهو مَحْبُوبٌ. قلت: وقد سبق البَحْثُ فيه في مواضِعَ مُتَعَدِّدةٍ في ح ب ب. وس ع د، ون ب ت، فراجِعْه، وسيأْتي أَيضاً.

  * ومما يستدرك عليه:

  الواجِدُ: الغَنِيُّ قال الشاعِر:

  الحَمْدُ للهِ الغَنِيِّ الوَاجِدِ

  وفي أَسماءِ الله تعالى: الواجِدُ، هو الغَنِيُّ الذي لا يَفْتَقِر.

  وقد وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً، أَي استَغْنَى غِنىً لا فَقْرَ بَعْدَه، قاله ابنُ الأَثير، وفي الحديث: «لَيُّ الوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وعِرْضَهُ» أَي القادِر على قَضَاءِ دَيْنِه، وفي حديثٍ آخَرَ: «أَيُّهَا النَّاشِدُ، غَيْرُك الوَاجِدُ» مِنْ وَجَدَ الضّالَّةَ يَجِدُهَا.

  وتَوَجَّدْتُ لِفُلانٍ: حَزِنْتُ له.

  واستَدْرَك شيخُنَا: الوِجَادَة، بالكسر، وهي في اصْطِلاح المُحَدِّثين اسمٌ لما أُخِذَ من العِلْمِ مِن صَحِيفَةٍ مِن غَيْرِ سَمَاعٍ ولا إِجَازَةٍ ولا مُنَاوَلَةٍ، وهو مُوَلَّدٌ غيرُ مَسموعٍ، كذا في التقريبِ للنووي.

  والوُجُدُ، بضمتين، جَمْعُ واجِد، كما في التَّوشيحِ، وهو غَرِيبٌ، وفي الجامع للقَزَّاز: يقولون: لم أَجْدِ مِن ذلك بُدّاً، بسكون الجيم وكسْرِ الدال، وأَنشد:

  فَوَ اللهِ لَوْلَا بُغْضُكُمْ ما سَبَبْتُكُمْ ... ولكِنَّنِي لَمْ أَجْدِ مِنْ سَبِّكُمْ بُدّاً

  وفي المُفْرَدات للراغب: وَجَدَ اللهُ: عَلِم، حَيْثُمَا وَقَعَ، يعنِي في القُرآنِ، ووافقَه على ذلك الزَّمَخْشَرِيُّ وغيرُه.

  وفي الأَساس: وَجَدْت الضَّالَّةَ، وأَوْجَدَنِيه اللهُ، وهو واجِدٌ بِفُلانَةَ، وعَلَيْهَا، وَمُتَوَجِّدٌ.

  وَتَوَاجَدَ فُلانٌ: أَرَى مِن نَفْسِه الوَجْدَ.

  ووَجَدْتُ زَيْداً ذَا الحِفَاظِ: عَلِمْتُ.

  والإِيجادُ: الإِنشاءُ من غير سَبقِ مِثَالٍ.

  وفي كِتَاب الأَفْعَال لابنِ القطَّاع: وأُوْجِدَتِ النّاقَةُ: أُوثِقَ خَلْقُهَا.

  تكميل وتذنيب: قال شيخنا نقلاً عن شَرْحِ الفصيح لابنِ هشامٍ اللَّخميِّ: وَجدَ له خَمْسَةُ مَعَانٍ، ذَكرَ منها أَرْبَعَةً ولم يَذكر الخَامِس، وهو: العِلْمُ والإِصابَةُ والغَضَب والإِيسارُ وهو الاستغْنَاءُ، والاهتمام وهو الحُزْن، قال: وهو في الأَوّل مُتَعَدٍّ إِلى مفعولينِ، كقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ٧ وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى}⁣(⁣١).

  وفي الثاني مُتَعدٍّ إِلى واحِدٍ، كقولِه تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً}⁣(⁣٢).

  وفي الثالثِ متَعدٍّ بحرْف الجَرِّ، كقولِه وَجَدْت على الرَّجُلِ، إِذا غَضِبْتَ عليه.

  وفي الوجهين الأَخِيرَين لا يَتَعَدَّى، كقولِك: وَجَدْت في المالِ، أَي أَيْسَرْت، ووَجَدْتُ في الحُزْن، أَي اغْتَمَمْتُ.

  قال شيخُنَا: وبقيَ عليه: وَجَدَ به، إِذَا أَحَبَّه وَجْداً، كما مَرَّ عن المُصنِّف، وقد استدرَكه الفِهْرِيُّ وغيرُه على أَبي العَبَّاسِ في شَرْحِ الفصيحِ، ثم إِن وَجَدَ بمعنى عَلِمَ الذي قال اللّخميّ إِنه بَقِيَ على صاحِبِ الفصيح لم يَذْكُر له مِثَالاً، وكأَنّه قَصَدَ وَجَدَ التي هي أُخْتُ ظَنَّ، ولذلك قال يَتَعَدَّى لِمَفْعُولينِ، فيبقى وَجَدَ بمعنَى عَلِم الذي يتعدَّى لمفعولٍ واحِدٍ، ذكرَه جمَاعَةٌ، وقَرِيبٌ من ذلك كلامُ الجَلَالِ في هَمْعِ الهَوَامِعِ، وَجَدَ بمعنَى عَلِمَ يتعَدَّى لمفعولينِ ومَصْدَرُه وِجْدَانٌ، عن الأَخْفَش، ووُجُود، عن السيرافيّ، وبمعنى أَصَابَ يتعدَّى لواحِدٍ، ومَصْدرُه وِجْدَانٌ، وبمعنى اسْتَغْنَى أَو حَزِنَ أَو غَضِب لازِمَةٌ، ومصدر الأَوَّل الوَجْد، مثلّثه، والثاني الوَجْدُ، بالفتح، والثالث المَوْجِدَة.

  قلت: وأَخْصَرُ من هذا قولُ ابنِ القَطّاعِ في الأَفعال: وَجَدْتُ الشيْءَ وِجْدَاناً بعد ذَهَابِه وفي الغِنَى بَعْدَ الفَقْرِ جِدَةً، وفي الغَضَب مَوْجِدَةً وفي الحُزْن وَجْداً حَزِنَ.


(١) سورة الضحى الآيتان ٧ و ٨.

(٢) سورة الكهف الآية ٥٣.