تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وعد]:

صفحة 318 - الجزء 5

  مَوَاعِيدَ عُرْقُوبٍ أَخَاهُ بِيَثْرِبِ⁣(⁣١)

  قال شيخنا: ووُرُود مَفْعُولٍ مَصْدَراً من الثلاثيّ الجُمْهُورُ حَصَرُوه في السَّمَاعِ، وَقَصْروه على الوارِد، وأَبو الخَطَّابِ الأَخفشُ الكبيرُ في جَمَاعَةٍ قاسُوه في الثُّلاثيِّ، كما قاس الكل اسْمَ مَفعولٍ مَصْدَراً في غيرِ الثلاثيِّ، على ما عُرِف في الصَّرْف.

  ووَعَدَه خَيْراً وشَرًّا، فَيُنْصَبَانِ على المفعوليَّة المُطلقَة، وقيل، على إِسقَاط الجَارِّ، والصوابُ الأَوّل، كما حَقَّقَه شيخُنَا، وعبارَة الفَصِيح: وَعَدْت الرجُلَ خيراً وشَرًّا. قال شُرَّاحُه: أَي مَنَّيْتُه بهما، قال الله تعالى في الخير: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}⁣(⁣٢) ومثلُه كَثِيرٌ، وقال في الشَّرِّ: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}⁣(⁣٣) وأَنْشَدُوا:

  إِذَا وَعَدَتْ شَرّاً أَتَى قَبْلَ وَقَتِهِ ... وَإِنْ وَعَدَتْ خَيْراً أَرَاثَ وعَتَّمَا

  قلت: وصَرَّح الزمخشريّ في الأَساس بأَن قولَهم: وَعَدْتُه شَرًّا، وكذا قول الله تعالى: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}⁣(⁣٤) من المَجاز، فَإِذا أُسْقِطَا أَي الخير والشَّرّ قِيلَ في الخَيْرِ وَعَدَ، بلا أَلف، وفي الشَّرِّ أَوْعَدَ، بالأَلف، قاله المُطرّز، وحكاه القُتَيْبِيّ عن الفرَّاءِ، وقال اللَّبْلِيّ في شَرْح الفَصِيح: وهذا هو المَشْهُورُ عند أَئِمَّةِ اللغةِ. وفي التهذيب: كلامُ العَرَب: وَعَدْتُ الرجُلَ خَيْراً، ووعَدْتُه شَرًّا، وأَوْعَدْتُه خَيْراً، وأَوْعَدْتُه شَرًّا، فإِذا لم يَذْكُرُوا الخَيْرَ قالُوا وَعَدْتُه، ولم يُدْخِلُوا أَلِفاً، وإِذا لم يَذْكروا الشّرَّ قَالُوا أَوْعَدْتُه ولم يُسْقِطُوا الأَلف، وأَنْشَدَ لِعَامِرِ بنِ الطفَيْل:

  وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُه أَوْ وَعَدْتُهُ ... لأَخْلِفُ إِيعَادِي وأُنْجِزُ مَوْعِدِي

  وقالوا: أَوْعَدَ الخَيْرَ، حكاه ابنُ سِيدَه عن ابنِ الأَعرابِيِّ، وهو نادِرٌ، وأَنشد:

  يَبْسُطُنِي مَرَّةً ويُوعِدُنِي ... فَضْلاً طَرِيفاً إِلى أَيَادِيه

  وأَوْعَدَه بالشَّرِّ، أَي إِذا أدخلوا⁣(⁣٥) الباءَ لم يكن إِلَّا في الشَّرِّ، كقولك: أَوْعَدْتُه بالضَّرْبِ، وعبارةُ الفَصِيحِ: فإِذا أَدْخَلْتَ الباءَ قُلْتَ: أَوْعَدْتُه بِكَذا وكَذَا، تَعْنِي مِن الوَعِيد، قال شُرَّاحُه: معناه أَنهم إِذا أَدْخَلوا الباءَ أَتَوْا بالأَلفِ مَعَهَا، فقالوا، أَوْعَدْتُه: بِكَذَا، ولا تَدْخُلُ البَاءُ في وَعَدَ بغيرِ أَلِفٍ، فلا تَقُلْ وَعَدْتُه بِخَيْرٍ وبِشَرٍّ وعلى هذا القولِ أَكثَرُ أَهلِ اللغةِ. قلت: وفي المحكم: وفي الخَيْرِ الوَعْدُ والعِدَةُ، وفي الشرِّ الإِيعادُ والوَعِيدُ، فإِذا قالوا أَوْعَدْتُه بالشرّ أَثبتُوا الأَلِفَ مع الباءِ، وأَنْشَد لبعْضِ الرُّجَّازِ:

  أَوْعَدَنِي بِالسِّجْنِ والأَدَاهِمِ ... رِجْلِي وَرِجْلِي شَثْنَةُ المَنَاسِمِ

  قال الجوهريُّ: تقديرُه أَوْعَدَني بالسِّجْنِ، وأَوْعَدَ رِجْلِي بالأَدَاهِم، ورِجْلي شَثْنَةٌ، أَي قَوِيَّة على القَيْدِ. قلت، وحكَى ابنُ القُوطِيَّة، وَعَدْتُهُ خَيْراً وشَرًّا، وبِخَيْر وبِشَرٍّ، فعلى هذا لا تَخْتَصُّ الباءُ بأَوْعَدَ، بل تكون مَعَهَا ومع وَعَدَ، فتقول: أَوْعَدْته بِشرٍّ، ووعَدْته بِخَيْرٍ، لكن الأَكْثَر ما مَرَّ.

  وحكى قُطْرُب في كِتاب فَعَلْت وأَفعلْت: وَعَدْت الرَّجُلَ خَيْراً، وأَوْعَدْته خَيْراً، ووَعَدْتُه شَرًّا، وأَوْعَدْتُه شَرًّا.

  والمِيعَادُ: وَقْتُه ومَوْضِعُه وكذا المُواعَدَةُ يكون وقتاً ومَوْضِعاً، قال الجوهَرِيُّ، وكذلك المَوْعِدُ، أَي يكون وَفْتاً ومَوْضِعاً وفي الأساس: وهذا الوَقْتُ والمَكَانُ مِيعَادُهم ومَوْعِدُهُم.

  وتَوَاعَدُوا واتَّعَدُوا بمعنًى واحدٍ، أَو الأُولَى في الخَيْرِ، والثانِيةُ في الشَّرِّ، وهذا الفَرْقُ هو المَشْهورُ الذي عليه الجُمهُورُ، ففي اللّسَانِ: اتَّعَدْت الرَّجُلَ، إِذا أَوْعَدْتَه، قال الأَعْشي:

  فَإِنْ تَتَّعِدْنِي أَتَّعِدْكَ بِمِثْلِهَا⁣(⁣٦)

  وقال أَبو الهيثم: أَوْعَدْت الرجُلَ أُوعِدُه إِيعَاداً، وتَوَعَّدْتُه تَوَعُّداً. واتَّعَدْت اتِّعَاداً، ووَاعَدَه الوَقْتَ والمَوْضِعَ. وواعَدَه فَوَعَدَه: كَانَ أَكْثَرَ وَعْداً مِنه، وقال أَبو مُعاذٍ: وَاعَدْتُ زَيْداً،


(١) البيت في معجم البلدان (يترب) وصدره:

وعدتِ وكان الخلف منك سجيةً

(٢) سورة الفتح الآية ٢٩.

(٣) سورة الحج الآية ٧٢.

(٤) سورة البقرة الآية ٢٦٨.

(٥) في المطبوعة الكويتية «أخلوا» تحريف.

(٦) ديوانه، وعجزه:

وسوف أزيد الباقيات القوارصا