تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وعد]:

صفحة 317 - الجزء 5

  وله عِنْدَه وَطِيدَةٌ، أَي مَنْزِلَةٌ ثابِتَةٌ، عن يعقوب.

  ومن المَجازِ يقال: وَطَّدَ اللهُ للسُّلطانِ مُلْكَه وأَطَّدَهُ⁣(⁣١)، إِذا ثَبَّتَه.

  وعِزٌّ مُوَطَّدٌ ومَوطُودٌ ووَاطِدٌ: ثابِتٌ.

  ووطَائدُ المَسْجِد: أَساطِينُه. وفُلانٌ مِن وَطَائِدِ الإِسْلام.

  كما في الأَساس.

  [وعد]: وعَدَه الأَمْرَ، مُتَعدِّياً بنفسه، ووعَدَه بِهِ.

  مُتَعدِّياً بالباءِ وهو رأْيُ كَثيرٍ، وقيل: الباءُ زائدةٌ ومَنَع جَماعَةٌ دُخُولَها مع الثلاثيِّ، قالوا: وإِنما تكون مع الرُّباعيّ، يَعِدُ عِدَةً، بالكسر، وهو القياس في كُلِّ مِثَالٍ، ورُبَّمَا فُتِح كسَعَةٍ، ووَعْداً، وهو من المصادر المَجْموعة، قالوا الوُعُودُ، حكاها ابنُ جِنِّي، وقوله تعالى: {مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}⁣(⁣٢) أَي إِنجاز هذا الوَعْد، أَرُونَا ذلك. وفي التهذيب: الوَعْدُ والعِدَةُ يَكُونَانِ مَصْدَراً واسْماً، فأَمَّا العِدَةُ فتُجْمَع عِدَات، والوَعْد لا يُجْمَع، وقال الفراءُ وَعَدْتُ عِدَةً، ويَحذِفون الهاءَ إِذا أَضَافُوا، وأَنشد:

  إِنَّ الخَلِيطَ أَجَدُّوا البَيْنَ فَانْجَرَدُوا ... وأَخْلَفُوكَ عِدَى الأَمْرِ الذِي وَعَدُوا

  وقال ابن الأَنبارِيّ وغيرُه: الفَرَّاءُ يقول: عِدَةٌ وعِدًى، قال: ويُكْتَب بالياءِ. وفي الصّحاح والعِدَةُ: الوَعْدُ، والهاءُ، عِوَضٌ من الواو، ويُجْمَع على عِدَاتٍ، ولا يُجْمَع الوَعْد، والنِّسْبَةُ إِلى عِدَةٍ عِدِيٌّ، وإِلى زِنَةٍ زِنِيٌّ، فلا تَرُدُّ الواوَ كما تَرُدُّهَا في شِيَةٍ. والفراءُ يقول: عِدَوِيٌّ وزِنَوِيٌ كما يقال شِيَوِيٌّ. قلت: وقوله: ولا يُجْمَع، أَي لكَوْنِه مَصدَراً، والمصادِرُ لا تُجْمَع إِلَّا ما شَذَّ، كالأَشْغَالِ والحُلُومِ، كما قاله سيبويهِ وغيرُه، ومَوْعِداً ومَوْعِدَةً، قال شيخُنَا: هو أَيضاً مِن المَقِيس في باب المِثَالِ، فيقال فيه مَفْعِلَة بفتح الميم وكسر العين، وما جَاءَ بالفَتْح فهو علِى خِلافِ القِياسِ كمَوْحَد، وما مَعَه من الأَلفاظ التي جاءَ بها الجوهريُّ وذكَرَها ابنُ مالِكٍ وغيرُه من أَئمَّةِ الصرْفِ، وهنا للجوهريِّ مباحثُ وقواعِدُ صَرْفِيَّة أَغفلَها المُصنِّفُ لعدَمِ إِلْمامه بذلك الفَنِّ.

  قلْتُ: وسَنَسُوقُ عِبَارَةَ الجَوْهَرِيِّ وسَببَ عُدولِ المُصَنِّف عنها قريباً. وفي لسان العرب: ويَكُون المَوْعِدُ مصدرَ وَعَدْتُه، ويكون المَوْعِد وَقْتاً لِلْعِدَةِ، والمَوْعِدَةُ أَيضاً اسمٌ لِلْعِدَةِ. والمِيعادُ لا يكون إِلَّا وَقْتاً أَو مَوْضِعاً، والوَعْدُ مصدَرٌ حَقيقيٌّ، والعِدَةُ اسمٌ يُوضَع مَوضِعَ المَصْدَر، وكذلك المَوْعِدَةُ، قال الله ø: {إِلّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ}⁣(⁣٣) وفي الصّحاح: وكذلك المَوْعِدُ، لأَن ما كَانَ فاءُ الفِعْل منه وَاواً أَو ياءً ثم سَقَطَتَا في المُسْتَقْبَل نحو يَعِدُ ويَزِنُ ويَهَبُ ويَضَعُ ويَئِلُ⁣(⁣٤) فإِن المَفْعِلُ منه مَكْسُورٌ في الاسمِ والمَصدرِ جميعاً، ولا تُبَالِ أَمنصوباً كانَ يَفْعل منه أَو مَكْسوراً بَعْدَ أَن تكون الواوُ منه ذاهِبةً، إِلَّا أَحرُفاً جاءَتْ نَوَادِرَ، قالوا: دَخَلُوا مَوْحَدَ مَوْحَدَ، وفلانٌ ابن مَوْرَقٍ، ومَوْكَلٌ اسمُ رجُلٍ أَو مَوْضِعٍ، ومَوْهَبٌ اسمُ رجُلٍ وَمَوْزَنٌ مَوْضِع، هذا سَمَاعٌ، والقِيَاس فيه الكَسْرُ، فإِن كانت الواوُ مِنْ يَفْعَلُ منه⁣(⁣٥) ثابِتَةً، نحو يَوْجَل ويَوْجَعُ ويَوْسَنُ ففيه الوَجْهَان، فان أَردَت به المَكَانَ والاسمَ كَسَرْتَه وإِن أَردت به المَصْدَرَ نَصَبْتَه، فقُلت مَوْجِلٌ ومَوْجَلٌ فإِن كان مع ذلك مُعْتَلَّ الآخِر فالمَفْعَل منه منصوبٌ، ذهَبَت الواوُ في يَفعل أَو ثَبَتَتْ، كقولِك: المَوْلَى والمَوْفَى والمَوْعَى، من يَلِي ويَفِي ويَعِي، قال الإِمام أَبو مُحَمَّد ابن بَرِّيٍّ: قوله في استثنائه: إِلّا أَحْرُفاً جاءَتَ نَوَادِرَ، قالوا: دَخَلُوا مَوْحَدَ مَوْحَدَ. قال: مَوْحَد ليس من هذا الباب، وإِنما هو مَعْدُولٌ عن واحِدٍ، فيمتَنِع من الصَّرْف للعَدْلِ والصِّفَةِ كأُحَادَ، ومثلُه، مَثْنَى وثُنَاءَ ومَثْلَث وثُلَاث ومَرْبَع ورُبَاع، قال: وقال سيبويهِ: مَوْحَد فتَحوه لأَنّه ليس بمصْدَرٍ ولا مكانٍ، وإِنما هو مَعدولٌ عن واحِدٍ، كما أَنّ عُمَرَ معدُولٌ عن عامِرٍ، انتهى. قلت: ولمَّا كان الأَمْرُ فيه ما ذَكَرَه ابنُ بَرِّيٍّ، وأَن بَعْضَ ما استثْنَاهُ مُنَاقَشٌ فيه ومَرْدُودٌ عليه لم يَلْتَفِتْ إِليه المُصنِّف، وزَعَم شيخُنَا سامحه اللهُ تعالى أَنه لِجَهْلِه بالقَواعِد الصَّرْفِيَّة، وهو تَحَامُلٌ منه عَجِيبٌ، وَمَوْعُوداً ومَوْعُودَةً، قال ابنُ سِيدَه: هو من المصادر التي جاءَت على مَفْعُولٍ ومَفْعولَةٍ كالمَحْلُوف والمَرْجُوعِ والمَصْدُوقَة والمَكْذُوبَةِ، قال ابنُ جِنِّي: ومما جاءَ مِن المصادِر مجْمُوعاً مُعْمَلاً قولُهم:


(١) عن اللسان، وبالأصل «فأطد».

(٢) سورة الأنبياء الآية ٣٨ وسورة يونس الآية ٤٨ وسورة سبأ الآية ٢٩.

(٣) سورة التوبة الآية ١١٤.

(٤) يئِلُ ماضيه وألَ.

(٥) الصحاح: فيه.