تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل النون مع الهمزة

صفحة 257 - الجزء 1

  إِن في رُوَاته حسيناً⁣(⁣١) الجُعْفيّ وليس من شرطهما، ولذا ضَعَّفه جماعَةٌ من القُرَّاءِ والمُحَدِّثين، وله طَرِيق آخرُ مُنقطِع، رواه أَبو عُبَيد: حَدَّثنا مُحمدُ بن سَعْدٍ عن حَمْزَة الزَّياتِ عن حُمْران بن أَعْيَنَ أَن رجلاً فذكره، وبه استدَلَّ الزركشيُّ أَن المختارَ في النَّبِيّ تَرْكُ الهمزِ مُطلقاً، والذي صرَّح به الجوهريُّ والصاغاني، بأَن النبي ÷ إِنما أَنكره لأَنه أَراد يا مَنْ خَرَج من مكة إِلى المدينة، لا لكونه لم يكن من لُغته، كما توهَّموا، ويؤيده قوله تعالى: {لا تَقُولُوا راعِنا}⁣(⁣٢) فإِنهم إِنما نُهُوا عن ذلك لأَن اليهودَ كانوا يَقْصِدون استعمالَه مِن الرُّعونة، لا من الرِّعاية، قاله شيخُنا، وقال سيبويه: الهمزُ في النبيِّ لغةٌ رديئة، يعني لِقِلّة استعمالها، لا لأَنّ القِياس يمنع من ذلك، أَلَا تَرَى إِلى قول سيِّدنا رسولِ الله ÷ وقد قيل له يا نَبِيءَ اللهَ فقالَ له: «إِنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا نَنْبِرُ، ويروى: لا تَنْبزْ ( *) باسمي كذا في النُّسخ الموجودة، من النَّبَزِ وهو اللَّقَب، أَي لا تَجْعَل لاسمي لَقَباً تَقْصِدُ به غيرَ الظاهر. والصواب: لا تَنْبِرْ، بالراءِ أَي لا تَهْمِزْ، كما سيأْتي فإِنّما أَنَا نبيُّ اللهِ، أَي بغير همزٍ وفي رواية فقال: «لَسْتُ بِنَبِيءِ الله ولكن نبِيُّ الله، وذلك أَنه عليه الصلاة والسلام أَنكر الهمز في اسمه، فرَدَّه على قائله، لأَنه لم يَدْرِ بما سمَّاه، فأَشفق أَن يُمْسكَ على ذلك، وفيه شيء يتعلَّق بالشرْع، فيكون بالإِمساك عنه مُبِيحَ مَحْظورٍ أَو حاظِرَ مُباحٍ. كذا في اللسان، قال أَبو عليّ الفارسيّ: وينبغي أَن تكون روايةُ إِنكارِه غيرَ صحيحةِ عنه #، لأَن بعض شُعرائه وهو العبَّاسُ بنُ مِرْداسٍ السُّلَمِيُّ قال: «يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ»⁣(⁣٣) ولم يَرِدْ عنه إِنكارُه لذلك، فتأَمَّل.

  والنَّبِيءُ على فَعِيل: الطريقُ الواضِحُ يُهمز ولا يُهمز، وقد ذكره المصنف أَيضاً في المعتلّ، كما سيأْتي، قال شيخنا: قيل: ومنه أُخذ الرَّسُول، لأَنه الطريقُ المُوَضِّحُ المُوَصِّلُ إِلى الله تعالى، كما قالوا في: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}⁣(⁣٤) هو محمد ÷، كما في الشِّفَا وشُرُوحه. قلت: وهو مفهومُ كلامِ الكِسائيّ» فإِنه قال: النَّبِيءُ: الطريقُ، والأَنْبِياءُ: طُرُق الهُدى. والنبيءُ: المكانُ المرتفِعُ الناشِزُ المُحْدَوْدِبُ يُهمَزُ ولا يُهْمَز كالنَّابئ وذكره ابنُ الأَثير في المُعتلّ، وفي لسان العرب نَبَأَ نَبْأً ونُبُوءاً إِذا ارتفع ومنه ما وَردَ في بعض الأَخبار وهي من الأَحاديث التي لا طُرُقَ لها لا تُصَلُّوا عَلَى النَّبِيءِ بالهمز، أَي المكانِ المُرْتَفع المُحْدَوْدِب، ومما يُحَاجَى به: صَلُّوا على النَّبِي، ولا تُصَلُّوا على النَّبِيء، وغلط المُلَّا عليّ في ناموسه، إِذ وَهَّم المَجْدَ في ذِكْرِه في المهموز، اغترَاراً بابنِ الأَثير، وظَنًّا أَنه من النَّبْوة بمعنى الارتفاع، وقد نبَّه على ذلك شيخُنا في شرحه والنَّبْأَةُ: النَّشْزُ في الأَرض، و: الصَّوْتُ الخَفِيُّ أَو الخَفِيف، قال ذو الرُّمَّة:

  وقدْ تَوَجَّسَ رِكْزاً مُقْفِرٌ نَدُسٌ ... بِنَبْأَةِ الصَّوْتِ مَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ

  الرِّكْزُ: الصَّوْتُ، والمُقْفِرُ: أَخو القَفْرَةِ، يريد الصائد. والنَّدُسُ: الفَطِنُ وفي التهذيب: النَّبْأَةُ: الصوت ليس بالشديد، قال الشاعر:

  آنَسَتْ نَبَأَةً وَأَفْزَعَهَا الْقَنَّ ... اصُ قَصْراً وَقَدْ دَنَا الإِمْسَاءُ

  أَرادَ صَاحِبَ نَبْأَةٍ أَو النَّبْأَة صَوْتُ الكِلابِ قال الحَرِيرِيّ في مقاماته: فسمِعنا نَبْأَة مُسْتَنْبِح، ثم تَلَتْهَا صَكَّةُ مُسْتَفْتِح، وقيل: هي الجَرْسُ أَيًّا كان، وقد نَبَأَ الكلب كمَنَعَ نَبْأً.

  ونُبَيْئَةُ بالضم كجُهَيْنَةَ بنُ الأَسْوَدِ العُذْرِيّ وضبطه الحافظ هكذا، وقال: هو زَوْج بُثَيْنَة العُذْرِيَّة صاحِبةِ جَمِيلِ بن مَعْمَرٍ، وابنُه سَعِيدُ بنُ نُبَيْئَةَ، جاءَت عنه حِكاياتٌ، وتَصغير النَّبِيءِ نُبَيِّئ مِثال نُبَيِّع ويقولون في التصغير كانت نُبَيِّئَةُ مُسَيْلِمَةَ مِثال نُبَيْعَة، نُبَيِّئَةَ سَوْءٍ تصغيرُ النُّبُوءَةِ وكان نُبَيِّئَ سَوْءٍ بالفتح، وهو تَصْغِير نَبِئٍ بالهمز، قال ابن بَرِّيّ: الذي ذكره سيبويهِ: كان مُسَيْلِمَة نُبُوَّتُه⁣(⁣٥) نُبَيِّئَةَ سَوْءٍ، فذكر الأَوَّل غيرَ مُصَغَّرٍ ولا مهموز، لِيُبَيِّن أَنهم قد همزوه في التصغير وإِن لم يكن مهموزاً في التكبير، قال


(١) بالأصل: «حسين» تحريف.

(٢) سورة البقرة الآية ١٠٤.

(*) في القاموس: حاشية: قوله: لا تنبز باسمي هو بالراء المهملة بمعنى لا تهمز باسمي وأورد الحديث في لسان العرب في مادة ن ب ر بالمهملة فما وقع في الطبعات السابقة بالزاي تصحيف فاحذره - اه -.

(٣) إشارة إلى قوله:

يا خاتم النبآء إنك مرسل ... بالخير كل هدى السبيل هداكا

إن الإله ثنى عليك محبة ... في خلقه ومحمداً سماكا

(٤) سورة الفاتحة الآية ٦.

(٥) اللسان: كانت نبوة مسيلمة نُبيئة سوء.