فصل الحاء المهملة مع الراء
  والحُبْرُورُ، بالضمّ، والحِبْرِيرُ، بالكسر، والحَبَرْبَرُ، بفتحتين، والحُبُرْبُورُ، بضمّتين، واليَحْبُورُ، يفْعُول، والحُبُّورَ، بضمّ اوَّلِه مع التشدِيد؛ فَرْخُه، أَي وَلَدُ الحُبَارَى. ج حَبارِيرُ وحَبابِيرُ. قال أَبو بُرْدَةَ:
  بازٌ جَرِيءٌ على الخِزّانِ مُقْتَدِرٌ ... ومن حَبَابِيرِ ذي مَاوَانَ يَرْتَزِقُ(١)
  وقال زُهَيْرٌ:
  تَحِنُّ إِلى مِثْلِ الحَبابِيرِ جُثَّماً ... لَدَى سَكَنٍ مِن قَيْضِها المُتَفَلِّقِ
  قال الأَزهريُّ: والحُبَارَى لا يَشربُ الماءَ، ويَبِيضُ في الرِّمال النّائِيَةِ، قال: وكُنَّا إِذا ظَعَنّا نَسِيرُ في حِبَال(٢) الدَّهْنَاءِ، فرُبَّمَا التَقَطْنَا في يومٍ واحدٍ مِن بَيْضِهَا ما بين الأَربعة إِلى الثَّمَانية، وهي تَبِيضُ أَربعَ بَيْضَاتٍ، ويَضْرِبُ لونُهَا إِلى الزُّرْقَة، وطَعْمُهَا أَلَذُّ مِن طَعْم بَيْضِ الدَّجَاج وبَيْضِ النَّعَامِ.
  وفي حديث أَنَس: «إِن الحُبَارَى لتَمُوتُ هُزَالا بذَنْب بَنِي آدَمَ» يَعْنِي أَن الله يَحْبِسُ عنها القَطْرَ بشُؤْمِ ذُنُوبِهِم؛ وإِنما خَصَّها بالذِّكْر لأَنها أَبْعَدُ الطَّيْرِ نُجْعَةً، فرُبَّمَا تُذبَحُ بالبَصْرَة، فتُوجَدُ في حَوْصَلَتِها الحِبّةُ الخَضْراءُ، وبين البصرةِ ومَنَابِتِهَا مَسِيرَةُ أَيامٍ كثيرة.
  وللعَرَب فيها أَمثالٌ جَمَّةٌ، منها قولُهم: «أَذْرَقُ مِن الحُبارَى»، و «أَسْلَحُ مِن حُبَارَى»؛ لأَنها تَرْمِي الصَّقْرَ بسَلْحِهَا إِذا أَراغَهَا ليَصِيدَهَا، فتُلَوِّث رِيشَه بلَثَق سَلْحِهَا، ويقال إِن ذلك يَشتدُّ على الصَّقْر؛ لمَنْعِه إِيّاه من الطَّيَرَان.
  ونَقَلَ المَيْدَانِيُّ عن الجاحظِ أَن لها خِزَانَةً في دُبُرِهَا وأَمعائها، ولها أَبداً فيها سَلْحٌ رَقيقٌ، فمتَى أَلَحَّ عليها الصقْرُ سَلَحَتْ عليه، فيَنْتَتِفُ رِيشُه كلُّه فيَهْلِكُ، فمِن حِكْمَة الله تعالَى بها أن جَعَلَ سِلَاحَها سَلْحَها، وأَنشدوا:
  وهم تَرَكُوه أَسْلَحَ مِن حُبارَى ... رَأَى صَقْراً وأَشْرَدَ مِن نَعَامِ
  ومنها قولُهم: «أَمْوَقُ من الحُبَارَى قبل نَبَاتِ جَنَاحَيْه»، فتَطِيرُ مُعَارِضَةً لفَرْخِها، ليتَعَلَّمَ منها الطَّيَرانَ.
  ومنها: كلُّ شيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَه.
  حتى الحُبَارَى وتَذِفُّ(٣) عَنَدَه.
  أَي تَطِيرُ عَنَدَه، أَي تُعَارِضُه بالطَّيَرَان ولا طَيَرَانَ لهُ؛ لضَعْف خَوَافِيه وقَوَائِمِه، ووَرَدَ ذلك في حديثِ عُثْمَانَ ¥(٤).
  ومنها: «فلانٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الحُبَارَى»؛ وذلك أَنَّهَا تَحْسِرُ مع الطَّيْرِ أَيامَ التَحْسِيرِ، وذلك أَن تُلْقِيَ الرِّيشَ، ثم يُبْطِئ نَباتُ رِيِشها، فإِذا طار سائِرُ الطَّيْرِ عَجَزَتْ عن الطيَران فتموت كَمَداً، ومنه قولُ أَبي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ:
  يَزِيدٌ مَيِّتٌ كَمَدَ الحُبَارى ... إِذَا طَعَنَتْ أُمَيَّةُ أَو يُلمُّ(٥)
  أَي يَموتُ أَو يَقرُب من المَوت.
  ومنها: «الحُبَارَى خَالةُ الكَرَوَانِ» يُضْرَبُ في التَّنَاسُب، وأَنْشَدُوا:
  شَهِدْتُ بأَنّ الخُبْزَ باللَّحْمِ طَيِّبٌ ... وأَنّ الحُبَارَى خالَةُ الكَروانَ
  وقالُوا: «أَطْيبُ مِن الحُبَارَى»، و «أَحْرَصُ مِن الحُبَارَى»، و «أَخْصَرُ مِن إِبْهامِ الحُبَارَى»، وغيرُ ذلك ممّا أَوردَها أَهلُ الأَمثالِ.
  واليَحْبُورُ بفتحِ التحتَّيةِ وسكونِ الحاءِ: طائرٌ آخَرُ، أَو هو ذَكَرُ الحُبَارَى، قال:
(١) قال ابن سيده: قيل في تفسيره هو جمع الحبارى، والقياس يرده، إلا أن يكون اسماً للجمع.
(٢) الأصل والتهذيب، وفي اللسان نقلاً عنه: جبال.
(٣) كذا بالأصل واللسان، وفي التهذيب: وتدف بالدال المهملة. وفي اللسان (دفف): ودف الطائر يدف دفًّا ضرب جنبيه كناحيه، وقيل هو الذي إذا حرك جناحيه ورجلاه في الأرض.
(٤) ولفظه كما في النهاية: كل شيء يحب ولده حتى الحبارى، قال ابن الأثير: خصها بالذكر لأنها يضرب بها المثل في الحمق، فهي على حمقها تحب ولدها فتطعمه وتعلمه الطيران.
(٥) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: طعنت كذا بخطه بالطاء المهملة ومثله في اللسان، وفي المطبوعة: بالظاء، وليحرر» وفي التهذيب: ظعنت بالظاء.