[نيأ]:
  لِجَوْهَر الهَوَاءِ لِأَسبابٍ سَمَاوِيّة أَو أَرْضِيَّة، كالمَاءِ الآسن والجِيَفِ الكثيرَة، كما في المَلاحِم، ونقل شيخُنا عن الحَكيم داؤود الأَنطاكي ¦: أَنَّ الوَبَاءَ حَقيقة تَغَيُّر الهواءِ بالعَوَارِض(١) العُلْوِيَة، كاجتماع كواكبَ ذاتِ أَشِعَّة(٢) والسُّفْلِيّة كالملاحِم وانفتاحِ القُبور وصُعودِ الأَبْخِرة الفاسدة، وأَسبابُه مع ما ذُكِرَ تَغَيُّرُ فصولِ الزمانِ والعناصرِ وانقلابُ الكائنات، وذكروا له علاماتٍ، منها الحُمَّى والجُدَرِيّ والنَّزَلَات والحِكَّة والأَورام وغيرُ ذلك، ثم قال: وعبارة النُّزهة تقتضي أَن الطاعون نوعٌ من أَنواع الوَبَاءِ وفَرْدٌ من أَفراده، وعليه الأَطباءُ، والذي عليه المُحَقِّقون من الفقهاء والمُحَدِّثين أَنهما مُتبايِنَانِ، فالْوَبَاءُ: وَخَمٌ يُغَيِّرُ الهواءَ فتَكثُر بسببه الأَمراضُ فِي الناس، والطاعونُ هو الضَّرْبُ الذي يُصِيب الإِنْسَ من الجِنِّ، وأَيَّدوه بما في الحَديث أَنه وَخْزُ أَعْدائكم من الجِنّ أَو كلُّ مَرَضٍ عَامٍّ، حكاه القَزَّاز في جامعه، وفي الحديث «إِنَّ هَذَا الوَبَأَ(٣) رِجْزٌ» ج أَي المقصور المهموز أَوْبَاءٌ كسَبَبٍ وأَسباب ويُمَدُّ مع الهمز وحينئذ ج أَوْبِيَةٌ(٤) كهَوَاءٍ وأَهْوِيَة، ونقل شيخنا عن بعضهم أَن المقصورَ بلا هَمْزٍ يُجْمَع على أَوْبِية، والمهموز على أَوْباءٍ، قال: هذه التفرقةُ غيرُ مَسموعةٍ سماعاً ولا جاريةٌ على القياسِ. قلت: هو كما قال. وفي شرح المُوَطَّإِ: الوبَاءُ، بالمَدِّ: سُرْعَة المَوْتِ وكَثْرَته في الناس.
  وقد وَبِئَتِ الأَرْضُ كفَرِحَ تَيبَأُ بالكسر، وتَيْبَأُ بالفتح وَتَوْبَأُ بالواو وَبَأً محركةً، ووَبُؤَ ككَرُمَ وَباءً ووَبَاءَةً(٥) بالمدّ فيهما وأَباءً وأَبَاءَةً، على البدَل ووُبِئَ بالمبني للمفعول كَعُنِيَ وَبْأً على فَعْلٍ وأَوْبَأَتْ، وسياقُه هذا لا يَخْلُو عن قلقٍ مَا، فإِن الذي في لسان العرب وغيرِه من كتب اللغة: أَنَّ وَبِئَت الأَرضُ كَفَرِح تَوْبَأُ، بالواو على الأَصل، وَبَأً محركة، ووَبُؤَتْ كَكَرُم وَبَاءً وَوَبَاءَةً بالمد فيهما، وأَباءً وأَباءَةً(٦)، على البدل والمَدِّ فيهما، وأَوْبَأَتْ إِيبَاءً ووُبِئَتْ كعُنِي تِيْبَأُ، أَي بقلب الواو ياءً، فلزمَ كَسْرُ علامةِ المُضَارَعة لمُناسبة الياءِ، وَبَاءً، بالمدّ. ونقل شيخُنا عن أَبي زيدٍ في كتاب الهمز له: وَبِئَت بالكسر في الماضي مع الهمز لُغةُ القُشَيْرِيِّين، قال: وفي المستقبل تِيبَأُ، بكسر التاءِ مع الهمز أَيضاً، وحكى صاحب الموعب وصاحب الجامع: وَبِيَتْ، بالكسر بغير همز تَيْبَا وتَوْبَا، بفتح التاءِ فيهما وبالواو من غير همزٍ. انتهى.
  وهي أَي الأَرض وَبِئَةٌ على فَعِلَة ووَبيئَةٌ على فَعِيلة ومَوْبُوءَةٌ، ذكره ابنُ منظور، وَمُوبِئَةٌ كمُحْسنِة أَي كَثِيرَتُه أَي الوَباءِ، والاسمُ منه البِئَةُ كَعِدَةٍ.
  واسْتَوْبَأْتُ الماءَ والبلَدَ وتَوَبَّأْتُه: استَوْخَمْتُه، وهو ماءٌ وَبِئٌ، على فَعِيلٍ. وفي حديث عبد الرحمن بن عَوْفٍ «وإِنَّ جُرْعَةَ شَرُوبٍ أَنْفَعُ من عَذْبِ مُوبٍ»، أَي مُورث للوَبَاءِ. قال ابنُ الأَثير: هكذا رُوِي بغير همزٍ، وإِنما ترك الهمز لِيُوازَنَ به الحرفُ الذي قَبْلَه وهو الشَّرُوب، وهذا مَثَلٌ ضَرَبه لرجلينِ: أَحدُهما أَرفَعُ وأَضَرُّ، والآخر أَدْوَن وأَنْفَع. وفي حديثِ عَلِيٍّ «أَمَرَّ مِنْهَا جَانِبٌ فَأَوْبَأَ» أَي صَارَ وَبِيئاً.
  واسْتَوْبَأَهَا أَي اسْتَوْخَمَها ووجدَها وَبِيئَةً(٧).
  والباطِلُ وَبِيءٌ لا تُحْمَد عاقِبتُه، وعن ابنِ الأَعرابيّ: الوَبيءُ: العليلُ.
  وَوَبَأَهُ يَوْبَؤُه. قال شيخنا: هذا مُخالِفٌ للقياس ولقاعدةِ المُصنّف، لأَن قاعدته تقتضِي أَنْ يكون مثل ضَرَب، حيث أَتْبَع الماضِيَ بالآتي، وليس ذلك بمرادِه هُنا ولا صحيحٍ في نفس الأَمرِ، والقياسُ يقتضي حَذْفَ الوَاوِ، لأَنه إِنما فَتح لِمكان حَرْفِ الحَلْقِ، فحَقُّه أَن يكون كَوَهَبَ، وكلامُه يُنافِي الأَمْرَينِ، كما هو ظاهرٌ، انتهى. وقد سقط من بعض النسخ ذِكْرُ يَوْبَؤُه، فعلى هذا لا إِشكال.
  وَوَبأَهُ يعني المَتَاع وعَبَأَه بمعنًى واحد، وقد تقدَّم كَوَبَّأَهُ مُضعَّفاً.
  ووَبَأَ إِليه: أَشَارَ كَأَوْبَأَ لغةً في وَمَأَ وَأَوْمَأَ، بالميم، أَو الإِيباءُ هو الإِشارَةُ بالأَصابع من أَمامِكَ لِيُقْبِلَ، والإِيماءُ بالميمِ: هو الإِشارةُ بالأَصابع مِنْ خَلْفِكَ لِيَتَأَخَّرَ، وهذا
(١) في النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان: ٢/ ١٧٢: بالطوارئ.
(٢) النزهة: ذوات الأشعة.
(٣) اللسان: الوباء.
(٤) اللسان: أوبئة.
(٥) في اللسان: وِباء ووِباءة (بالكسر) وفي هامشه أشار إلى ضبط المحكّم بالكسر.
(٦) كله في اللسان بكسر أوله.
(٧) اللسان والصحاح: وبئة.