تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الدال المهملة مع الراء

صفحة 387 - الجزء 6

  وقال الأَصْمَعِيّ: القَبِيلُ: ما أَقْبَلَ مِن الفاتِل إِلى حَقْوِه، والدَّبِير: ما أَدْبَر به الفاتِلُ إِلى رُكْبَته.

  وقال المُفَضَّل: القَبِيلُ: فَوْزُ القِدَاح⁣(⁣١) في القِمَار، والدَّبِيرُ: خَيْبَةُ القِدَاحِ⁣(⁣١). وسيُذْكَر من هذا شَيْءٌ في قبل إِن شاءَ الله تعالى. وسيأْتي أَيضاً في المَادَّة قَرِيباً للمُصنِّف ويَذْكُر ما فَسَّر به الجَوْهَرِيّ، ونقل هنا قَوْلَ الشّيبَانِيّ وتَرَكَ الأَقْوَالَ البَقِيّة تَفَنُّناً وتَعْمِيَةً على المُطالِع.

  وأَدْبَرَ الرّجلُ، إِذا مَاتَ، كدَابَرَ، الأَخِير عن اللِّحْيَانيّ، وأَنْشَد لأُميَّةَ بنِ أَبي الصَّلْت:

  زَعَمَ ابنُ جُدْعَانَ بنِ عَمْ ... روٍ أَنَّني يَوْماً مُدابِرْ

  ومُسَافِرٌ سَفَراً بَعِي ... داً لا يَؤُوبُ له مُسَافِرْ

  وأَدْبَر، إِذا تَغَافَلَ عَنْ حاجَةِ صَدِيقِه، كأَنَّه وَلَّى عنه. وأَدْبَرَ، إِذا دَبِرَ بَعِيرُهُ، كما يقولون أَنْقَبُ، إِذا حَفِي خُفُّ بَعِيرِه، وقد جُمِعَا في حَدِيث عُمَر قال لامرأَة: «أَدْبَرْتِ وأَنْقَبْتِ»، أَي دَبِرَ بَعِيرُك وحَفِيَ. وفي حَدِيث قَيْسِ بنِ عاصم⁣(⁣٢): «البَكْرَ الضَّرَعَ والنّابَ المُدبِرَ»، قالوا: الَّتي أَدْبَرَ خَيْرُهَا.

  وأَدبَرَ الرجُلُ: صَارَ له دَبْر، أَي مَالٌ كَثِيرٌ.

  وعن ابن الأَعْرَابيّ: أَدْبَرَ، إِذَا انْقَلَبَتْ فَتْلَةُ أُذُنِ النَّاقَةِ إِذا نُحِرَت إِلى ناحِيَة القَفَا، وأَقْبَلَ، إِذا صارتْ هذه الفَتْلَةُ إِلى ناحِيَةِ الوَجْهِ.

  ومن المَجاز. شَرُّ الرَّأْي الدَّبَريّ، وهو مُحرّكةً: رَأْيٌ يَسْنَحُ أَخِيراً عنْد فَوْتِ الحَاجَةِ، أَي شَرُّه إِذا أَدْبَر الأَمرُ وفَاتَ. وقيل: الرَّأْيُ الدَّبَرِيّ: الذي يُمْعَنُ النَّظَرُ فيه، وكذلك الجَوِابُ الدَّبَرِيّ.

  ومن المَجاز: الدَّبرِيّ: الصّلاةُ في آخِرِ وَقْتِها. قلت: الّذِي وَرَدَ في الحديث: «لا يَأْتِي الصَّلاةَ إِلَّا دَبَرِيّاً».

  وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «لا يَأْتِي الصَّلاةَ إِلا دَبْراً⁣(⁣٣)»، يُروَى بالضَّمّ وبالفَتْح. قالوا: يقال: جاءَ فُلانٌ دَبَرِيّاً أَي أَخيراً، وفُلانُ لا يُصَلِّي [الصلاة]⁣(⁣٤) إِلَّا دَبَرِيّاً، بالفَتْح، أَي في آخِر وَقْتها. وفي المحكم: أَي أَخيراً، رَواه أَبو عُبَيدٍ عن الأَصمعيّ. وتُسَكَّنُ الباءُ، رُوِيَ ذلِك عن أَبي الهَيْثَم، وهو مَنْصُوب على الظَّرف. ولا تَقُلْ دُبُرِيّاً، بِضَمَّتَيْن، فإِنَّه مِنْ لَحْنِ المُحَدِّثِين، كما في الصّحاح.

  وقال ابنُ الأَثِير: هو منسوبٌ إِلى الدَّبْرِ آخِرِ الشيْءِ، وفَتْح الباءِ من تَغْييرات النَّسب، ونَصْبُه على الحَالِ من فاعلِ يَأْتِي.

  وعِبارة المُصَنِّف لا تَخْلو عن قَلاقَةٍ وقَولُ المُحَدِّثين: «دُبُرِياً»، إِن صَحَّت رِوايَتُه بسَمَاعِهِم من الثِّقات فلا لَحْنَ، وأَمّا مِن حَيْثُ اللُّغَة فصَحِيحٌ، كما عَرَفْت. وفي حَدِيثٍ آخرَ مَرْفُوعٍ أَنه قال: «ثَلاثَةٌ لا يَقْبَل الله لهُم صَلَاةً: رَجُلٌ أَتَى الصَّلاةَ دِبَاراً، ورَجلٌ اعتَبَدَ مُحَرَّراً، ورَجلٌ أَمَّ قَوماً هم له كارهون»، قال الإِفْرِيقيّ، راوِي هذا الحديثِ: معنى قوله: دِبَاراً، أَي بعدَ ما يَفُوت الوَقْتُ⁣(⁣٥).

  وفي حديثِ أَبي هُرَيْرَة أَنَّ النبِيَّ قال: «إِن للمُنافقيِنَ عَلامات يُعْرَفُون بها، تَحِيَّتُهم لَعْنَةٌ وطَعَامُهم نُهْبَةُ، لا يَقْرَبُون المساجدَ إِلَّا هَجْراً، ولا يَأْتُون الصلاةَ إِلا دَبْراً، مُسْتَكْبِرِين، لا يَأْلَفون ولَا يُؤْلَفُون، خُشُبٌ باللَّيْل، صُخُب بالنَّهار». قال ابنُ الأَعرابيّ: قوله: «دِباراً» في الحدِيثِ الأَوّل جمع دَبْرٍ ودَبَرٍ، وهو آخر أَوقاتِ الشَّيْءِ: الصَّلاةِ وغَيْرِهَا.

  والدَّابِرُ يقال للمُتَأَخِّرِ والتّابِع، إِمَّا باعْتَبَار المَكَانِ أَو بِاعْتِبَار الزّمَان أَو باعْتِبَار المَرْتَبَة. يقال: دَبَرَه يَدْبُره ويَدْبِره دُبُوراً إِذا اتَّبَعه⁣(⁣٦) مِنْ ورائِه وتَلَا دُبُرَه، وجاءَ يَدْبُرهُم، أَي يَتْبَعُهم، وهو من ذلك.


(١) اللسان: القِدْح.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: وفي حديث قيس بن عاصم البكر الخ فيه حذف، وعبارة اللسان: وفي حديث قيس بن عاصم: إني لأفقر البكر الخ اه» ومثله في النهاية. وقد ضبطنا الحديث باعتبار عبارة النهاية واللسان.

(٣) قال ابن الأثير: وهو منصوب على الظرف.

(٤) زيادة عن اللسان.

(٥) في النهاية: والمراد أنه يأتي الصلاة حين أدبر وقتها.

(٦) اللسان: تبعه.