فصل الدال المهملة مع الراء
  وأَقْبَلَ، فإِذا قالوا: أَقْبَلَ الرّاكبُ أَو أَدْبَرَ، لم يقولوا إِلّا بالأَلف.
  قال ابنُ سِيده: وإِنَّهُمَا عندي في المعَنى لَواحِدٌ لا أُبْعِدُ أَن يَأْتِيَ في الرِّجَال ما أَتَى في الأَزْمِنَة. وقرأَ ابنُ عَبَّاس ومُجَاهِدٌ: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ}(١) مَعْنَاه وَلَّى ليَذْهَب.
  ودَبَر بالشَّيْءِ: ذَهَبَ بِهِ. ودَبَرَ الرَّجُلُ: شَيَّخَ، وفي الأَساس شَاخَ، وهو مَجَازٌ، وقيل ومنه قَوْلُه تَعَالى: {وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ}.
  ودَبَرَ(٢) الحَدِيث عن فُلانٍ: حَدَّثَه عَنْه بَعْدَ مَوْتِهِ، وهو يَدْبُر حَدِيثَ فُلانٍ أَي يَرْوِيه، ورَوَى الأَزْهَرِيّ بسَنَده إِلى سَلَّام بنِ مِسْكين قال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحدِّث عن فلانٍ يَرويه عن أَبي الدَّرْدَاءِ، يَدْبُرُه عن رَسول الله ﷺ، قال: «ما شَرَقَتْ شَمْسٌ قطُّ إِلّا بجَنْبِهَا(٣) مَلَكَانِ يُنادِيَان، إِنهما يُسْمِعَانِ الخلائقَ غَيْرَ الثَّقلَيْن الجِنِّ والإِنْس: أَلَا هَلُمُّوا إِلى رَبّكم فإِنَّ ما قَلَّ وكَفَى خَيْرٌ مما كَثُر وأَلْهَى، اللهُمَّ عَجِّل لمُنْفِقٍ خَلَفاً، وعَجِّل لمُمْسِك تَلَفاً».
  قال شَمِرٌ: ودَبَّرْتُ(٤) الحَدِيثَ، غيْرُ مَعروف. وإِنما(٥) هو يُذْبُره، بالذّال المُعْجَمَة، أَي يُتْقِنه، قال الأَزهَرِيّ: وأَما أَبو عُبَيْد فإِن أَصحابَه رَوَوْا عنه: يُدَبِّرهُ(٤)، كما تَرَى.
  ودَبَرَت الرِّيحُ: تَحَوَّلَت، وفي الأَسَاس: هَبَّت دَبُوراً، وفي الحديث. قال ﷺ: «نُصِرْت بالصَّبَا وأُهلِكَت عادٌ بالدَّبُور» وهي - أَي الدَّبور، كصَبُور، وفي نسخة شَيْخنا «وهو» بتَذْكِير الضَّمِير، وهو غَلَطٌ، كما نَبَّه عليه، إِذ أَسماءُ الرِّيَاح كُلِّهَا مُؤَنَّثةٌ إِلَّا الإِعْصَارَ - رِيحٌ تُقَابِل الصَّبَا؛ والقَبُول(٦): رِيحٌ تَهُبّ من نَحْو المَغْرب، والصَّبَا يُقَابِلها من ناحِيَة المَشْرِق، كذا في التَّهْذِيب. وقيل: سُمِّيَت [بالدَّبُور](٧) لأَنَّهَا تأْتِي من دُبُر الكَعبة مّما يَذْهَب نحو المَشْرِق، وقد رَدَّه ابنُ الأَثِير وقال: ليس بشيْءٍ، وقيل: هي التي تَأْتِي من خَلْفِك إِذا وَقفْت في القِبْلَة.
  وقال ابنُ الأَعرابيّ: مَهَبُّ الدَّبُور من مَسْقَطِ النَّسْر الطَّائرِ إِلى مَطْلَعِ سُهَيْلِ.
  وقال أَبو عَلِيّ في التّذْكِرَة: الدَّبُور: يكون اسْماً وصِفَةً، فمِنَ الصِّفة قَولُ الأَعْشَى:
  لها زَجَلٌ كحَفِيف الحَصَا ... دِ صادَف باللَّيْل رِيحاً دَبُورَا
  ومن الاسم قولُه، أَنشدَه سِيبَوَيْهِ لرجُل من باهِلَة:
  رِيحُ الدَّبُورِ مع الشَّمَالِ وتارَةً ... رِهَمُ الرَّبِيعِ وصائِبُ التَّهْتانِ
  قال: وكَونُها صِفَةً أَكثرُ. والجمع دُبُرٌ ودَبائِرُ.
  وفي مجمع الأَمثال للمَيْدانيّ: وهي أَخْبَثُ الرِّياح، يقال إِنَّهَا لا تُلِقح شَجراً ولا تُنْشِيءُ سَحاباً.
  ودُبِرَ الرّجلُ، كعُنِيَ، فهو مَدْبُورٌ: أَصابَتْه رِيحُ الدَّبُورِ.
  وأَدْبَرَ: دَخَل فِيهَا، وكذلِك سائِرُ الرِّيَاح.
  وعن ابنِ الأَعْرَابِيّ: أَدْبَرَ الرَّجلُ إِذا سافَر في دُبَارٍ، بالضَّمّ؛ يوم الأَرْبَعَاءِ، كما سيأْتِي للمُصَنِّف قريباً، وهو يَومُ نَحْسٍ، وسُئِل مُجَاهِدٌ عن يوم النَّحْس فقال: هو الأَربعاءُ لا يَدُور في شَهْرِه.
  ومن المَجاز: قال ابنُ الأَعْرَابِيّ: أَدْبَرَ الرّجلُ، إِذا عَرَفَ قَبِيله مِنْ دِبِيرِه، هكذا في النُّسَخ، ونَصُّ ابنِ الأَعْرَابِيّ: دَبِيرَه من قَبِيله، ومن أَمْثَالهم: «فُلانٌ ما يَعْرِف قَبِيلَه من دَبِيرِه».(٨) أَي ما يَدْرِي شيئاً.
  وقال اللَّيْث: القَبِيل: فَتْل القُطْنِ، والدَّبِير: فَتْل الكَتّانِ والصُّوفِ.
  وقال أَبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيّ: مَعْنَاهُ طَاعَته من مَعْصِيَته.
  ونصّ عِبارته: مَعْصِيِته من طَاعَتِه، كما في بَعْض النُّسَخ أَيضاً، وهو مُوافِقٌ لنَصِّ ابْنِ الأَعْرَابِيّ.
(١) سورة المدثر الآية ٣٣ ورواها كثير من الناس: والليل إِذا دَبَرَ.
(٢) ضبطت بتخفيف الباء على اعتبار أنها معطوفة على ما قبلها، وضبطت في التهذيب والصحاح واللسان بالتشديد.
(٣) اللسان: بجنبيها.
(٤) ضبطت عن التهذيب.
(٥) هذا من قولٍ لأحمد بن يحيى كما في التهذيب وتمام العبارة فيه: قلت: وقد أنكر أحمد بن يحيى يدبِّره بمعنى يحدثه وقال: إِنما هو ...
(٦) ضبطت في المطبوعة الكويتية بالرفع مما غير المعنى تماماً، والصواب ما أثبتناه عن اللسان، وهو يوافق ما جاء في التهذيب: والدبور: ريح تهب من نحو المغرب.
(٧) زيادة اقتضاها السياق.
(٨) في الصحاح: فلان ما يعرف قبيلا من دبيرٍ.