تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الصاد المهملة مع الراء

صفحة 97 - الجزء 7

  في البَطْنِ، يقال: صُفِرَ فهو مَصْفُورٌ.

  والصَّفَرُ: النَّسِيءُ الذي كانوا يَفْعَلُونَهُ في الجَاهِلِيَّة، وهو تَأْخيرُهُم المُحَرَّم إِلى صَفَرَ في تحريمه، ويَجْعَلُونَ صَفَراً هو الشَّهْرَ الحَرَامَ، ومنه الحديث: «لا عَدْوَى ولا هَامَةَ ولا صَفَرَ».

  قاله أَبو عُبَيْد⁣(⁣١).

  أَو مِنَ الأَوَّلِ؛ لزَعْمِهِمْ أَنَّه يُعْدِي، قال أَبو عُبَيْدٍ أَيْضاً، وهو الذي رَوَى هذا الحديث: إِن صَفَرَ: دوابُّ البَطْنِ⁣(⁣٢).

  وقال أَبو عُبَيْدةَ: سَمِعْتُ يُونُسَ سأل رُؤْبَةَ عن الصَّفَرِ، فقال: [هو]⁣(⁣٣) حَيَّةٌ تكونُ في البَطْنِ تُصِيبُ الماشيَةَ والناسَ، قال: وهي [عندي]⁣(⁣٤) أَعْدَى من الجَرَبِ عند العَرَب.

  قال أَبُو عُبَيْد: فأَبْطَلَ النبيُّ أَنّهَا تُعْدِي، قال: ويقال: انها تَشْتَدُّ على الإِنسانِ وتُؤْذِيه إِذا جاعَ، قال الأَزهرِيّ: والوجهُ فيهِ هذا التفسير.

  وفي كلام المصنّف تأَمُّلٌ بوجوه: الأَوّل: أَنّه أَشارَ إِلى مَعْنًى لم يَقْصدوه، وهو اجْتمَاعُ الماءِ الأَصفرِ في البَطْن الذي عَبّر عنه بالدّاءِ.

  والثاني: أَنّه قَدَّم الوَجْهَ الذي صُدِّرَ بقِيلَ، وأَخَّرَ ما صَوَّبَه الأَزهريُّ وغيرُه من الأَئِمَّة.

  والثالث: أَنه أَخَّرَ قولَه أَودُود ... إِلخ، فلو ذَكَرَه قَبلَ قوله: «وتأْخير المُحَرّم» لأَصَاب، كما لا يَخْفَى.

  ولأَئمَّة الغَريب وشُرّاحِ البُخَارِيّ في شَرْح هذا الحديثِ كلامٌ غيرُ ما ذَكَرَه المصنِّف هنا، وكان يَنْبَغِي التّنْبيهُ عليه؛ ليكون بَحْرُه مُحِيطاً للشَّوارِدِ، بَسيطاً بتكميلِ الفَوَائِدِ.

  والصَّفَر: العَقْلُ.

  والصَّفَر الفَقْدُ⁣(⁣٥)، هكذا بالفَاءِ والقاف في النُّسخ، وفي اللّسَان بالعَيْن والقاف.

  والصَّفَرُ: الرُّوعُ ولُبُّ القَلْبِ ومنه قولهم: لا يَلْتاطُ هذا بصَفَرِي، أَي لا يلَزْق بِي، ولا تَقْبَلُه نَفْسِي. وقال الزَّمَخْشَرِيّ: تقول ذلك إِذَا لمْ تُحِبَّه، وهو مَجَاز.

  والصَّفَرُ: حَيَّةٌ في البَطْنِ تَلْزَقُ بالضُّلُوعِ فتَعَضُّهَا، الواحدُ والجميعُ في ذلك سواءٌ، وقيل: واحدَتُه صَفَرَةٌ، وبه فَسّر بعضُ الأَئمَّة الحَديثَ المتقدّم، كما تقدَّمَتِ الإِشَارَةُ إِليه.

  أَو دَابَّةٌ تَعَضُّ الضُلُوعَ والشَّرَاسِيفَ قال أَعْشَى باهلَةَ يَرثِي أَخاه:

  لا يَتَأَرَّى لما فِي القِدْرِ يَرْقُبُه ... ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ

  هكذا أَنشَدَه الجَوْهَرِيّ، وقال الصّاغانيّ: الإِنْشَادُ مُدَاخَلٌ، والرِّواية:

  لا يَتَأَرَّى لِمَا فِي القِدْرِ يَرْقُبُه ... ولا يَزالُ أَمامَ القَوْمِ يَقْتَفِرُ

  لا يَغْمِزُ السَّاقَ من أَيْنٍ ولا نَصَب ... ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفِه الصَّفَرُ

  أَودُودٌ يكون في البَطْن وشَرَاسيفِ الأَضْلاع، فيَصْفَرُّ عنه الإِنسانُ جِدًّا، وربّمَا قَتَلَه، كالصُّفَار بالضَّمِّ.

  والصَّفَرُ: الجُوعُ، وبه فَسَّرَ بعضُهُم قوَلَ أَعْشَى باهِلَةَ الآتي⁣(⁣٦) ذكره.

  وصَفَرٌ: الشَّهْرُ الذي بَعْدَ المُحَرَّمِ، قال بعضُهُمْ: إِنما سُمِّيَ⁣(⁣٧) لأَنهم كَانُوا يَمْتَارُونَ الطَّعَامَ فيه من المَوَاضِع، وقيل: لإِصْفار مَكَّةَ من أَهْلِهَا إِذا سافَرُوا، ورُوِيَ عن رُؤْبَة أَنّه قال: سَمَّوُا الشَّهْرَ صَفَراً؛ لأَنّهُم كانوا يَغْزُونَ فيه القَبَائلَ، فيَتْرُكُون مَنْ لَقَوْا صِفْراً من المَتَاعِ، وذلِك أَنّ صَفَراً بعد المُحَرَّم، فقالوا: صَفِرَ الناسُ مِنّا صَفَراً، وقد يُمْنَعُ.

  قال ثعلب: النَّاسُ كلُّهُم يَصْرِفُونَ صَفَراً إِلّا أَبا عُبَيْدة، فإِنه قال: لا يَنْصَرِفُ، فقيل له: لمَ لا تصْرِفُه فإِن النّحويينَ قد أَجْمَعُوا على صَرْفِه، وقالوا: لا يَمْنَعُ الحَرْفَ من الصَّرفِ إِلا عِلَّتَانِ، فأَخْبِرْنا بالعِلَّتَيْن فيه حتَّى نَتَّبعك،


(١) في التهذيب واللسان: أبو عبيدة.

(٢) عبارة التهذيب: قال أبو عبيد: فسر الذي روى الحديث أن الصفر: دواب البطن.

(٣) زيادة عن التهذيب، وفي اللسان: هي.

(٤) زيادة من التهذيب.

(٥) في القاموس: «العقد».

(٦) كذا، والصواب «المتقدم ذكره».

(٧) اللسان: سمي صفراً.