تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[طير]:

صفحة 154 - الجزء 7

  حَتَّى كأَنَّه لو وَقَعَ عليه طائِرٌ لسَكَنَ ذلك الطّائِرُ؛ وذلِك لأَنّ الإِنْسَانَ لو وَقَعَ عليه طائِرٌ فتحَرَّكَ أَدْنَى حَرَكةٍ لفَرّ⁣(⁣١) ذلِك الطائرُ ولم يَسْكُنْ، ومنه قولُ بعضِ الصَّحابةِ: «إِنا كُنّا مع النّبِيِّ، ، وكَأَنَّ الطَّيْرَ فَوْقَ رُؤُوسِنَا»، أَي كأَنّ الطَّيْرَ وَقعَتْ فوقَ رُؤُسِنا، فنحنُ نَسْكُن ولا نَتَحَرّك خَشْيةً من نِفَارِ ذلك الطَّيرِ. كذا في اللسان.

  قلْت: وكذا قولُهم رُزِق فُلانٌ سُكُونَ الطَّائِرِ، وخَفْضَ الجَنَاجِ.

  وطُيُورُهُم سَواكِنُ، إِذا كانُوا قَارِّينَ، وعَكْسُه: شَالَتْ نَعامَتُهم، كذا في الأَساس.

  والطّائِرُ: الدِّمَاغُ، أَنشد الفارسيّ:

  هُمُ أَنْشَبُوا صُمَّ القَنَا فِي نُحورِهِمْ ... وبِيضاً تَقِيضُ البَيْضَ مِن حَيْثُ طائِرُ

  عَنَى بالطّائِرِ الدِّمَاغَ، وذلك من حيثُ قِيلَ له فَرْخٌ، قال:

  ونَحْنُ كَشَفْنا عن مُعَاوِيَةَ الَّتِي ... هِيَ الأُمُّ تَغْشَى كلَّ فَرْخٍ مُنَقْنِقِ

  عَنَى بالفَرْخِ الدِّمَاغَ، وقد تقدّم.

  ومن المَجَاز: الطَّائِرُ: مَا تَيَمَّنْتَ به، أَو تَشَاءَمْتَ، وأَصلُه في ذِي الجَنَاحِ، وقالُوا للشَّيْءِ يُتَطَيَّرُ به من الإِنسانِ وغيرِه: طائِر الله لا طائِركَ. قال ابنُ الأَنْبَارِيّ: معناه فِعْلُ اللهِ وحُكْمُه لا فِعْلُك وما تَتَخَوَّفُه. بالرَّفْع والنَّصْب.

  وَجَرَى له الطّائِرُ بأَمْرِ كذا. وجاءَ في الشَّرّ، قال الله ø: {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ}⁣(⁣٢)، أَي الشّؤْمُ الذي يَلَحَقُهم⁣(⁣٣) هو الذي وُعِدُوا به في الآخرةِ لا ما يَنالُهم في الدُّنْيَا.

  وقال أَبو عبيدٍ: الطّائِرُ عندَ العَرَبِ: لحَظُّ، وهو الذي تُسمِّيه العَرَبُ البَخْت، إِنما قيل للحَظّ من الخَيْرِ والشَّرِّ طائِرٌ، لقَوْل العَرَبِ: جَرَى له الطَّائِرُ بكَذَا من الشَّرِّ، على طريق الفأَلِ والطِّيَرَةِ، على مَذْهَبِهم في تسميةِ الشيْءِ بما كان له سَبَباً. وقيل: الطَّائِرُ: عمل الإِنْسَانِ الَّذِي قُلِّدَهُ خَيْره وشَرّه.

  وقيل: رِزْقُه، وقيل: شَقَاوَتُه وسَعادَتُه، وبكُلٍّ منها فُسِّر قولُه تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}⁣(⁣٤).

  قال أَبو مَنْصُور: والأَصْل في هذا كلِّه أَن الله تعالى لمّا خَلَقَ آدَمَ عَلِمَ قَبْلَ خَلْقِه ذُرِّيَتَه أَنّه يأْمُرُهُم بتوحِيدِه وطاعَتِه، ويَنْهَاهُمْ عن مَعْصيِتَه وعَلِمَ المُطِيعَ منهم والعاصِيَ الظالِمَ لنفسِه⁣(⁣٥)، فكَتَبَ ما عَلِمَه منهم أَجمعينَ وقَضَى بسَعَادَةِ مَن عَلِمَه مُطِيعاً، وشَقَاوَةِ مَنْ عَلِمَه عاصِياً، فصارَ لكُلِّ مَن عَلِمَه ما هو صائِرٌ إِليه عندَ حِسابِه⁣(⁣٦)، فذلك قوله ø: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}.

  والطَيَرَةُ، بكسر ففتح، والطِّيرَةُ بكسر الياءِ⁣(⁣٧)، لغة في الذي قَبْلَه والطّورَةَ، مثل الأَوّل، عن ابن دُرَيْد، وهو فى بعض اللغات، كذا نقلَه الصاغانيّ: ما يَتشاءَمُ بهِ من الفَأْلِ الرّدِيءِ، وفي الحديث: «أَنّه كانَ يُحِبُّ الفَأْلَ ويَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» وفي آخَرَ: «ثَلَاثَةٌ لا يَسْلَمُ منها أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ والحَسَدُ والظَّنُّ، قيل: فما نَصْنَعُ؟ قال: إِذا تَطَيَّرْتَ فامْضِ، وإِذا حَسَدْتَ فلا تَبْغِ، وإِذَا ظَنَنْتَ فلا تُصَحِّحْ»⁣(⁣٨). وقد تَطَيَّرَ بهِ ومِنهُ، وفي الصّحّاح: تَطَيَّرْتُ من الشّيْءِ وبالشّيْءِ، والاسمُ منه الطِّيَرَةُ، مثال العِنَبَةِ، وقد تُسَكَّنُ الياءُ، انتهى.

  وقيل: اطَّيَّرَ، معناه: تَشَاءَمَ، وأَصْلُه تَطَيَّرَ.

  وقيل للشُّؤْمِ: طائِرٌ، وطَيْرٌ، وطِيَرَةٌ؛ لأَنّ العَرَبَ كان من شَأْنِها عِيَافَةُ الطّيْرِ وزَجْرُها، والتَّطَيُّرُ ببَارِحِها، ونَعِيقِ غُرَابِها⁣(⁣٩)، وأَخْذِها ذَاتَ اليَسَارِ إِذَا أَثارُوهَا، فَسَمَّوُا الشُّؤْمَ طَيْراً وطائِراً وطِيَرَةً، لتَشَاؤُمِهِم بها⁣(⁣١٠)، ثم أَعْلَم الله ø عَلى لِسَانِ رسولِه أَنَّ طِيَرَتَهُم بها باطِلَةٌ، وقال: «لا


(١) عن اللسان وبالأصل «فرّ».

(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.

(٣) قال الراغب في المفردات: أي شؤمهم ما قد أعدّ الله لهم بسوء أعمالهم.

(٤) سورة الإسراء الآية ١٣.

(٥) نص التهذيب: وعلم المطيع منهم من العاصين، والظالم لنفسه من الناظر لها.

(٦) في التهذيب: عند إنشائه.

(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: بكسر الياء، هكذا بخطه، وصوابه بسكون الياء كما سيأتي قريباً عن الصحاح اهـ».

(٨) النهاية: فلا تحقق.

(٩) التهذيب: وبنعيق غربانها.

(١٠) زيد في التهذيب: وبأفعالها.