[طير]:
  حَتَّى كأَنَّه لو وَقَعَ عليه طائِرٌ لسَكَنَ ذلك الطّائِرُ؛ وذلِك لأَنّ الإِنْسَانَ لو وَقَعَ عليه طائِرٌ فتحَرَّكَ أَدْنَى حَرَكةٍ لفَرّ(١) ذلِك الطائرُ ولم يَسْكُنْ، ومنه قولُ بعضِ الصَّحابةِ: «إِنا كُنّا مع النّبِيِّ، ﷺ، وكَأَنَّ الطَّيْرَ فَوْقَ رُؤُوسِنَا»، أَي كأَنّ الطَّيْرَ وَقعَتْ فوقَ رُؤُسِنا، فنحنُ نَسْكُن ولا نَتَحَرّك خَشْيةً من نِفَارِ ذلك الطَّيرِ. كذا في اللسان.
  قلْت: وكذا قولُهم رُزِق فُلانٌ سُكُونَ الطَّائِرِ، وخَفْضَ الجَنَاجِ.
  وطُيُورُهُم سَواكِنُ، إِذا كانُوا قَارِّينَ، وعَكْسُه: شَالَتْ نَعامَتُهم، كذا في الأَساس.
  والطّائِرُ: الدِّمَاغُ، أَنشد الفارسيّ:
  هُمُ أَنْشَبُوا صُمَّ القَنَا فِي نُحورِهِمْ ... وبِيضاً تَقِيضُ البَيْضَ مِن حَيْثُ طائِرُ
  عَنَى بالطّائِرِ الدِّمَاغَ، وذلك من حيثُ قِيلَ له فَرْخٌ، قال:
  ونَحْنُ كَشَفْنا عن مُعَاوِيَةَ الَّتِي ... هِيَ الأُمُّ تَغْشَى كلَّ فَرْخٍ مُنَقْنِقِ
  عَنَى بالفَرْخِ الدِّمَاغَ، وقد تقدّم.
  ومن المَجَاز: الطَّائِرُ: مَا تَيَمَّنْتَ به، أَو تَشَاءَمْتَ، وأَصلُه في ذِي الجَنَاحِ، وقالُوا للشَّيْءِ يُتَطَيَّرُ به من الإِنسانِ وغيرِه: طائِر الله لا طائِركَ. قال ابنُ الأَنْبَارِيّ: معناه فِعْلُ اللهِ وحُكْمُه لا فِعْلُك وما تَتَخَوَّفُه. بالرَّفْع والنَّصْب.
  وَجَرَى له الطّائِرُ بأَمْرِ كذا. وجاءَ في الشَّرّ، قال الله ø: {أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ}(٢)، أَي الشّؤْمُ الذي يَلَحَقُهم(٣) هو الذي وُعِدُوا به في الآخرةِ لا ما يَنالُهم في الدُّنْيَا.
  وقال أَبو عبيدٍ: الطّائِرُ عندَ العَرَبِ: لحَظُّ، وهو الذي تُسمِّيه العَرَبُ البَخْت، إِنما قيل للحَظّ من الخَيْرِ والشَّرِّ طائِرٌ، لقَوْل العَرَبِ: جَرَى له الطَّائِرُ بكَذَا من الشَّرِّ، على طريق الفأَلِ والطِّيَرَةِ، على مَذْهَبِهم في تسميةِ الشيْءِ بما كان له سَبَباً. وقيل: الطَّائِرُ: عمل الإِنْسَانِ الَّذِي قُلِّدَهُ خَيْره وشَرّه.
  وقيل: رِزْقُه، وقيل: شَقَاوَتُه وسَعادَتُه، وبكُلٍّ منها فُسِّر قولُه تعالى: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}(٤).
  قال أَبو مَنْصُور: والأَصْل في هذا كلِّه أَن الله تعالى لمّا خَلَقَ آدَمَ عَلِمَ قَبْلَ خَلْقِه ذُرِّيَتَه أَنّه يأْمُرُهُم بتوحِيدِه وطاعَتِه، ويَنْهَاهُمْ عن مَعْصيِتَه وعَلِمَ المُطِيعَ منهم والعاصِيَ الظالِمَ لنفسِه(٥)، فكَتَبَ ما عَلِمَه منهم أَجمعينَ وقَضَى بسَعَادَةِ مَن عَلِمَه مُطِيعاً، وشَقَاوَةِ مَنْ عَلِمَه عاصِياً، فصارَ لكُلِّ مَن عَلِمَه ما هو صائِرٌ إِليه عندَ حِسابِه(٦)، فذلك قوله ø: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ}.
  والطَيَرَةُ، بكسر ففتح، والطِّيرَةُ بكسر الياءِ(٧)، لغة في الذي قَبْلَه والطّورَةَ، مثل الأَوّل، عن ابن دُرَيْد، وهو فى بعض اللغات، كذا نقلَه الصاغانيّ: ما يَتشاءَمُ بهِ من الفَأْلِ الرّدِيءِ، وفي الحديث: «أَنّه كانَ يُحِبُّ الفَأْلَ ويَكْرَهُ الطِّيَرَةَ» وفي آخَرَ: «ثَلَاثَةٌ لا يَسْلَمُ منها أَحَدٌ: الطِّيَرَةُ والحَسَدُ والظَّنُّ، قيل: فما نَصْنَعُ؟ قال: إِذا تَطَيَّرْتَ فامْضِ، وإِذا حَسَدْتَ فلا تَبْغِ، وإِذَا ظَنَنْتَ فلا تُصَحِّحْ»(٨). وقد تَطَيَّرَ بهِ ومِنهُ، وفي الصّحّاح: تَطَيَّرْتُ من الشّيْءِ وبالشّيْءِ، والاسمُ منه الطِّيَرَةُ، مثال العِنَبَةِ، وقد تُسَكَّنُ الياءُ، انتهى.
  وقيل: اطَّيَّرَ، معناه: تَشَاءَمَ، وأَصْلُه تَطَيَّرَ.
  وقيل للشُّؤْمِ: طائِرٌ، وطَيْرٌ، وطِيَرَةٌ؛ لأَنّ العَرَبَ كان من شَأْنِها عِيَافَةُ الطّيْرِ وزَجْرُها، والتَّطَيُّرُ ببَارِحِها، ونَعِيقِ غُرَابِها(٩)، وأَخْذِها ذَاتَ اليَسَارِ إِذَا أَثارُوهَا، فَسَمَّوُا الشُّؤْمَ طَيْراً وطائِراً وطِيَرَةً، لتَشَاؤُمِهِم بها(١٠)، ثم أَعْلَم الله ø عَلى لِسَانِ رسولِه ﷺ أَنَّ طِيَرَتَهُم بها باطِلَةٌ، وقال: «لا
(١) عن اللسان وبالأصل «فرّ».
(٢) سورة الأعراف الآية ١٣١.
(٣) قال الراغب في المفردات: أي شؤمهم ما قد أعدّ الله لهم بسوء أعمالهم.
(٤) سورة الإسراء الآية ١٣.
(٥) نص التهذيب: وعلم المطيع منهم من العاصين، والظالم لنفسه من الناظر لها.
(٦) في التهذيب: عند إنشائه.
(٧) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: بكسر الياء، هكذا بخطه، وصوابه بسكون الياء كما سيأتي قريباً عن الصحاح اهـ».
(٨) النهاية: فلا تحقق.
(٩) التهذيب: وبنعيق غربانها.
(١٠) زيد في التهذيب: وبأفعالها.