تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

(فصل الطاء) المهملة مع الراء

صفحة 155 - الجزء 7

  عَدْوَى ولا طِيرَةَ ولا هَامَةَ»⁣(⁣١) وكان النّبيّ يَتفَاءَلُ ولا يَتَطَيَّرُ، وأَصلُ الفأْلِ الكلمةُ الحَسَنَةُ يَسمَعُها عَلِيلٌ، فيتَأَوَّلُ⁣(⁣٢) منها ما يَدُلُّ على بُرْئِهِ، كأَنْ سَمِعَ منادِياً نَادَى رَجُلاً اسمُه سالِمٌ وهو عَليلٌ، فأَوْهَمَه سَلامَتَه مِن عِلَّتِه⁣(⁣٢)، وكذلِك المُضِلُّ يَسْمَعُ رَجُلاً يقول: يا واجِدُ، فَيَجِدُ ضالَّتَه، والطِّيَرَةُ مُضَادَّةٌ للفَأْلِ، وكانَت العَرَبُ مَذْهَبُهَا في الفَأْلِ والطِّيَرَةِ واحِدٌ، فأَثْبَتَ النّبيّ الفَأْلَ واسْتَحْسَنَه، وأَبْطَلَ الطِّيَرَةَ ونَهَى عنها.

  وقال ابنُ الأَثِيرِ: [وهو مصدر]⁣(⁣٣) تَطَيَّرَ طِيَرَةً، وتَخَيَّرَ خِيَرَةً، [و]⁣(⁣٣) لم يجئ من المصادِرِ هكذا غَيرُهما، قال: وأَصلُه فيما يقال: التَّطَيُّرُ بالسَّوانِحِ والبَوَارِحِ من الظِّباءِ والطَّيْرِ وغيرِهما، وكا ذلك يَصُدُّهم عن مَقَاصِدِهم، فنفَاه الشَّرْعُ وأَبطَلَه، ونَهَى عنه، وأَخبَرَ أَنّه ليس له تَأْثيرٌ في جَلْبِ نَفْعٍ، ولا دَفْع ضَرَرٍ.

  وأَرْضٌ مَطَارَةٌ، بالفَتْح: كَثيرةُ الطَّيْرِ، وأَطارَت أَرْضُنا.

  وبِئْرٌ مَطَارَةٌ: واسِعَةُ الفَمِ، قال الشاعر:

  كَأَن خَفِيفَها إِذْ بَرَّكُوهَا ... هُوِيُّ الرِّيحِ في حَفَرٍ مَطَارِ

  ويقال: هُوَ طَيُّورٌ فَيُّورٌ، أَي حَدِيدٌ سرِيعُ الفَيْئَةِ.

  ومن المجاز: يُقَال: فَرَسٌ مُطَارٌ، وطَيّارٌ، أَي حَدِيدُ الفُؤادِ ماض، كاد أَن يُسْتَطارَ من شِدَّةِ عَدْوِه.

  المُسْتَطِيرُ: السّاطِعُ المُنْتَشِرُ يقال: صُبْحٌ مُسْتَطِيرٌ، أَي ساطِعٌ مُنْتَشِرٌ.

  واسْتَطارَ الغُبَارُ، إِذا انْتَشَرَ في الهَواءِ، وغُبَارٌ مُسْتَطِيرٌ: مُنْتَشِرٌ، وفي حديث بني قُرَيْظَة:

  وهَانَ على سَرَاةِ بني لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بالبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

  أَي مُنْتَشِرٌ مُتَفَرِّق، كأَنَّه طارَ في نَوَاحِيها.

  والمُسْتَطِيرُ: الهَائِجُ من الكِلَابِ ومِنَ الإِبِلِ، يقال: أَجْعَلَت الكَلْبَةُ. واسْتَطارَتْ، إِذا أَرادَت الفَحْلَ، وخالَفَه اللَّيْثُ، فقال: يُقَال للفَحْلِ من الإِبِلِ: هائج، وللكلبِ مُسْتَطِيرٌ.

  ومن المَجَاز: اسْتَطَارَ الفَجْرُ وغيرُه، إِذَا انْتَشَرَ في الأُفُقِ ضَوْءُه فهو مُسْتَطِيرٌ، وهو الصُّبْحُ الصادقُ البَيِّنُ الذي يُحَرِّمُ على الصَّائِمِ الأَكْلَ والشُّرْبَ والجِمَاعَ، وبه تَحِلُّ صلاةُ الفَجْرِ، وهو الخَيْطُ الأَبْيَضُ، وأَمّا المُسْتَطِيلُ، بلام، فهو المُسْتَدِقُّ الذي يُشَبَّهُ بذَنَبِ السِّرْحانِ، وهو الخَيْظُ الأَسودُ، ولا يُحرِّمُ على الصائمِ شيئاً.

  ومن المَجَاز: اسْتَطارَ لسُّوقُ، هكذا في النُّسخ، والصَّوابُ الشَّقّ، أَي واسْتَطارَ الشَّقُّ، وعبّر في الأَساس بالصَّدْعِ، أَي في الحائِطِ: ارْتَفَعَ وظَهَرَ⁣(⁣٤).

  واسْتَطارَ لحائِطُ: انْصَدَعَ، مِن أَوّله إِلى آخِرِه، وهو مَجَاز.

  واستَطَارَ لسَّيْفَ: سَلَّهُ وانتَزَعَه من غِمْدِه مُسْرِعاً، قال رُؤْبَةُ:

  إِذَا اسْتُطيرَتْ من جُفُونِ الأَغْمَادْ ... فَقَأْنَ بالصَّقْعِ يَرَابِيعَ الصَّادْ

  ويروَى «إِذَا اسْتُعِيرَتْ».

  واسْتَطَارَت الكَلْبَةُ وأَجْعَلَتْ: أَرادَت الفَحْلَ، وقد تَقَدَّم قريباً.

  واسْتُطِيرَ الشيْءُ: طُيِّرَ، قال الراجز:

  إِذَا الغُبَارُ المُسْتَطَارُ انْعَقَّا

  واسْتُطِيرَ فُلانٌ يُسْتَطار اسْتِطَارَةً، إِذا ذُعِرَ، قال عَنْتَرَةُ يخاطب عُمَارَة بن زِيَاد:

  مَتَى ما تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا

  واسْتُطِيرَ لفَرَسُ استِطَارَةً، إِذَا أُسْرَعَ في الجَرْيَ، هكذا في النُّسخ، والذي في اللِّسَان والتَّكْمِلَة: أَسْرَعَ الجَرْيَ، فهو مُسْتَطارٌ، وقول عَدِيّ:


(١) عن اللسان، وبالأصل «ولا هام».

(٢) عبارة التهذيب: فتوهمه بسلامته من علته.

(٣) زيادة عن النهاية.

(٤) نص الأساس: واستطار الصدع في الحائط: ظهر وانتشر.