تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[تجب]:

صفحة 319 - الجزء 1

  الوَاضِحُ البَيِّنُ المُسْتَقِيمُ به، وأَنْشَدَ المَازِنيُّ في المَعَانِي:

  ومَطِيَّةٍ مَلَثَ الظَّلامِ بَعَثْتُهُ ... يَشْكُو الكَلالَ إِلَيَّ دَامِي الأَظْلَلِ

  أَوْدَى السُّرَى بِقَتَالِه ومِزَاجِهِ⁣(⁣١) ... شَهْرَاً نَوَاحِي مُسْتَتِبٍّ مُعْمَلِ

  نَهْجٍ كَأَنْ حُرُثَ النَّبِيطِ عَلَوْنَه ... ضَاحِي المَوَارِدِ كالحَصِيرِ المُرْمَلِ

  نَصَبَ نَواحِيَ لأَنَّه جَعَلَهُ ظَرْفَاً، أَرَادَ في نَوَاحِي طَرِيقٍ مُسْتَتِبٍّ، شَبَّه ما في هذا الطَّرِيقِ المُسْتَتِبِّ من الشَّرَكِ والطُّرُقَاتِ بآثَارِ السِّنِّ، وهو الحَديدُ الذِي تُحْرَثُ به الأَرْضُ، وقال آخَرُ في مِثْلِه:

  أَنْصَبْتُهَا مِنْ ضُحَاهَا أَوْ عَشِيَّتِهَا ... فِي مُسْتَتِبٍّ يَشُقُّ البِيدَ وَالأَكَمَا

  أَيْ في طَرِيقٍ ذي خُدُودٍ أَيْ شُقُوقٍ مَوْطُوءٍ بَيِّن، وفي حدِيثِ الدُّعَاءِ: «حَتَّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ في أَعْدَائِك» أَيِ اسْتَقَامَ واسْتَمرَّ، كُلُّ هذَا في لسان العرب. ومُقْتَضَى كَلَامِه أَنَّه من المَجازِ، وهكذا صرَّحَ به الزمخشريُّ في الأَساس، والمُؤَلِّفُ أَعْرَضَ عن ذِكْرِ الاسْتِتْبَابِ⁣(⁣٢) وتَرَكَ ما اشْتَدَّ إِليه الاحْتيَاجُ لِأُولِي الأَلْبَابِ، وأَشَار شيخُنَا، إِلى نُبْذَةٍ منه من غَيْرِ تَفْصِيلٍ، ناقلاً عنِ ابنِ فَارِسٍ وابن الأَثيرِ، وفيما ذَكَرْنَا مَقْنَعٌ للحاذِق البَصِير، ويُفْهَمُ من تقرِير الشَّرِيشِيِّ شارحِ المقَامَاتِ عند قول الحَرِيرِيِّ في «الدِّينَارِيَّةِ»: كَمْ آمِر به اسْتَتَبَّتْ إِمْرَتَهُ، أَي اسْتَتَمَّتْ، الميمُ بَدَلُ البَاءِ وأَنَّ نَفْي النَّفْيِ إِثْبَاتٌ⁣(⁣٣).

  والتِّبَّةُ بالكَسْرِ وتَشْدِيدِ المُوَحَّدَةِ: الحَالَةُ الشَّدِيدَةُ: وفي التَكْمِلَة: يقالُ: هُوَ بِتِبَّةٍ أَيْ حَال شَدِيدَةٍ.

  ويُقَالُ: أَتَبَّ اللهُ قُوَّتَهُ أَيْ أَضْعَفَهَا وهُوَ مَجَازٌ. وَتَبْتَبَ، كَدَحْرَجَ: شَاخَ مِثْلُ تَبَّ، نَقَله الصاغانيّ، وهو مَجَاز.

  والتَّبِّيّ بالفَتْح ويُكْسَرُ: تَمْرٌ بالبَحْرَيْنِ كالشِّهْرِيزِ بالبَصْرَة، وهو بالكَسْرِ، وقال أَبو حنيفة: وهو الغَالِبُ على تَمْرِهِمِ، يَعْنِي أَهُلَ البَحْرِينِ. وفي التهذِيب: رَدِيءٌ يأْكُلُهُ سُقَّاطُ النَّاسِ، قَالَ الجَعْدِيُّ:

  وأَعْرَضَ بَطْناً عنْد دِرْعٍ تَخَالُهُ ... إِذا حُشيَ الِتَّبِّيَّ زِقَّا مُقَيَّرَا

  [تجب]: التِّجَابُ كَكِتَاب، أَهمله الجَوهريّ هنا، وقال الليث: هو مَا أُذِيبَ مَرَّةً من حِجَارَةِ الفِضَّةِ وقَدْ بَقِي فيه مِنها، أَي الفِضَّة، والقطْعَة منه تِجَابَةٌ، هذا نَصُّ ابن سيده في المُحْكَم، وقَدْ خالَفَ قاعِدَته هُنا في ذِكْرِه الوَاحِد بِهَاءٍ، وقال ابنُ جهْوَر: التُّجِيبَةُ: قِطْعَةُ الفِضَّةِ النَّقِيَّةُ، وقال ابن الأَعْرَابيّ: التِّجْبَابُ، بالكسْرِ على تِفْعَالٍ: الخَطُّ منَ الفضَّة يكونُ فِي حَجَرِ المَعْدِنِ، وهذه المادة ذكرها الجوهَرِيُّ في «ج و ب» بِنَاءً على أَنَّ التَّاءَ زائدةٌ والمؤلفُ جَعَلها أَصْلِيَّةً، فأَوْرَدَهَا هُنَا بالحُمْرَة، ولَا اسْتِدْرَاكَ ولَا زِيادة، قاله شيخُنا.

  وتُجيبُ بالضَّم، كَمَا جَزَمَ به أَهْلُ الحَدِيثِ، وأَكْثَرُ الأُدباءِ ويُفتح كَمَا مَالَ إِليه أَهْلُ الأَنسابِ، وفي اقْتِبَاس الأَنْوار: كذا قَيَّدَه الهَمْدَانِيُّ، وقالَ القَاضِي عياضٌ: وبِه قَيَّدْنَاهُ عن شُيُوخِنَا، وكان الأُسْتَاذُ أَبو مُحَمَّد بنِ السيدِ النَّحَويُّ يَذْهَبُ إِلى صِحَّةِ الوَجْهَيْنِ، وتَاؤُه أَصْلِيَّةٌ على رَأْيِ المُصَنِّف تَبعاً للخليل في العَيْنِ، وتَعقَّبَه أَئمَّةُ الصَّرْفِ، وعندِ الجَوْهريِّ وابنِ فارٍس وابنِ سِيدَه زائدةٌ، فذكرُوه في «ج وب» وارتَضَاهُ ابنُ قرقول في المَطَالعِ والنَّووِيُّ وابنُ السيد النَّحوِيِّ، وصَرَّحُوا بِتَغْلِيطِ صَاحبِ العَيْنِ: بَطْنٌ مِنْ كِنْدَة، قال ابنُ قُتَيْبَةَ: يَنْتَسِبُونَ إِلى جَدَّتِهِم العُلْيَا، هِيَ تُجِيبُ بِنْتُ ثَوْبَانَ بنِ سُلَيْم⁣(⁣٤) بنِ مَذْحِجٍ، وقال ابنُ الجوّانيّ: هِيَ تُجِيبُ بنْتُ ثَوْبَانَ بنِ سُلَيْم بن رَهَاءِ بن مُنَبِّه بنِ حُرَيْثِ بنِ عِلَّة بنِ جَلْدِ بنِ مذحِجٍ وهيَ أُم عَدِيّ وسَعْدٍ ابْنَيْ أَشْرَسَ بنِ شَبِيبِ بنِ السَّكُونِ، قال ابنُ حَزْم: كُلُّ تُجِيبِيٍّ سَكُونِيٌّ وَلَا عَكْس مِنْهُمْ كِنَانَةُ بنُ بِشْر التُجِيبِيُّ قَاتِلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، ¥.


- مفعول أي ملحوب تقول منه لحبه يلحبه لحباً إِذا وطئه وسر فيه اه».

(١) اللسان: «ومراحه» وفي الأساس «ومراسه».

(٢) بالأصل: الاستباب، وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله ذكر الاستتباب كذا بخطه ولعله الاستتباب كما هو واضح اه».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله وأن نفي النفي إثبات تتأمل هذه العبارة ويراجع الشريشي اه».

(٤) في جمهرة ابن حزم ص ٤٢٩: سُليم بن رهاء من مذحج.