تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل العين مع الراء

صفحة 286 - الجزء 7

  * تكميل:

  قال الحارِثُ بنُ حِلِّزَةَ اليَشْكُرِيُّ:

  زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَن ضَرَبَ العَيْ ... رَ مَوَالٍ لَها وأَنَّى الوَلاءُ⁣(⁣١)

  هكذا أَنْشَدَه الصاغانيّ. وفي اللّسَان: «مَوَال لنا».

  ويُرْوَى: «الوَلاءُ»، بالكسْر. وقد اخْتُلِفَ في مَعْنَى العَيْرِ في هذا البَيْتِ اختلافاً كثيراً، حتى حَكَى الأَزهريّ عن أَبي عَمْرِو بن العَلاءِ أَنه قالَ: ماتَ مَنْ كانَ يُحْسِنُ تَفْسِيرَ بَيْتِ الحارِثِ بنِ حِلِّزَةَ:

  زَعَمُوا أَنّ كُلَّ من ضَرَبَ العَيْر

  إِلى آخرِه. وها أَنا أَجْمَعُ لك ما تَشَتَّتَ من أَقْوَالِهم في الكُتُب، لئلّا يَخْلُوَ هذا الكِتَابُ عن هذه الفائِدَة.

  فقِيلَ: العَيْرُ هُنا: كُلَيْبٌ، أَي أَنّهم قَتَلوهُ، فجَعَلَ كُلَيْباً عَيْراً. قال ابنُ دُرَيْد: وأَنشدَ ابنُ الكَلْبِي لِرَجُلٍ من كَلْبٍ قَدِيمٍ فيما ذكره، وجَعَلَ كُلَيْباً عَيْراً كما جَعَلَه الحارِثُ - أَيضاً عَيْراً في شِعْره:

  كُلَيْبُ العَيْرُ أَيْسَرُ مِنْك ذَنْباً ... غَدَاةَ يَسُومُنَا بالفِتْكَرِينِ

  فمَا يُنْجِيكُمُ مِنّا شِبَامٌ ... ولا قَطَنٌ ولا أَهْلُ الحَجُونِ

  كذا نقلَهُ الصاغانيّ.

  وقيل: العَيْر: هنا سَيّدُ القَوْم ورَئِيسُهم مُطْلَقاً.

  وقِيل: بل المُرَادُ به هو المُنْذِرُ بن ماءِ السَّمَاءِ، لِسِيادَتِه.

  وقال الصاغانيّ: لأَنَّ شَمِراً قَتَلَهُ يومَ عَيْنِ أُباغَ، وشَمِرٌ حَنَفِيٌّ، فهو مِنْهُم. وقيل: المُرَاد بالعَيْرِ هنا الطَّبْلُ.

  وقيل: مَعْنَاه: كُلّ من ضَرَبَ بجَفْنٍ على عَيْر، أَي على مُقْلَة.

  وقيل: المُرادُ بالعَيْرِ الوَتِدُ، أَي مَن ضَرَبَ وَتِداً من أَهْلِ العَمَدِ مُطْلَقاً.

  وقيل: يَعْنِي إِياداً، لأَنّهُم أَصْحابُ حَمِيرٍ.

  وقيل: يَعْنِي بالعَيْرِ جَبَلاً.

  ومنهم مَنْ خَصَّ فقال: جَبَلاً بالحِجَازِ، وأَدْخَلَ علَيْه الَّلامَ كأَنَّهُ جَعَلَهُ من أَجْبُلٍ، كُلُّ واحِدٍ منها عَيْرٌ، وجَعَلَ⁣(⁣٢) اللام زائدَةً على قوله:

  ولَقَدْ نَهَيْتُكَ عن بَنَاتِ الأَوْبَرِ

  إِنما أَراد: بَناتِ أَوْبَرَ، فقال: كلُّ من ضَرَبَهُ أَي ضَرَبَ فيه وَتِداً أَو نَزَلَهُ.

  وقال أَبو عَمْرٍو: العَيْر: هو النّاتِئُ في بُؤْبُؤِ العَيْن، ومعناه أَنّ كُلّ من انْتَبَهَ من نَوْمِه حتَّى يَدُورَ عَيْرُه [جَنَى]⁣(⁣٣) جِنَايَة فهو مَوْلًى لَنَا، يقولُونه ظُلْماً وتَجَنِّياً. قال: ومِنْهُ قولُهم: «أَتَيْتُكَ قَبْلَ عَيْرٍ وما جَرَى»، أَي قَبْلَ أَن يَنْتَبِهَ نائمٌ⁣(⁣٤).

  وَرَوَى سَلَمَةُ عَن الفَرّاءِ أَنّه أَنْشَدَهُ «كلَّ مَنْ ضَرَبَ العِيرَ»، بكسر العين. والعِيرُ: الإِبِلُ، أَي كُلّ مَنْ رَكِبَ الإِبِلَ مَوَالٍ لَنا، أَي العَرَب كُلّهم مَوالٍ لَنا من أَسْفَل، لأَنَّا أَسَرْنَا فِيهِم فلَنَا نِعَمٌ عليهم.

  فهذه عَشَرَةُ أَقْوَالٍ، قَلَّمَا تُوجَدُ في مَجْمُوعٍ واحِدٍ، فاظْفَرْ بها، والله أَعْلَم.


(١) في معلقته: «موالٍ لنا». وأنَّا بدل وأنَّى.

(٢) في اللسان: أو جعل.

(٣) زيادة عن التهذيب.

(٤) قال ثعلب في قوله: وما جرى: أرادوا جريه، أرادوا المصدر، نقل قوله الأزهري في التهذيب.