[غير]:
  وقد احْتَجَّ به إِمَامُ النُّحاةِ فِي عَصْرِه ابنُ مالك، وهو شَيْخُ المُصَنّف، في بابِ القَسَم من «شَرْح التَّسْهِيلِ»، وكَأَنَّ قولَهم: «لَحْنٌ» مأْخوذٌ من قَوْلِ السِّيرافيّ ما نَصُّه: الحَذْف إِنّمَا يُسْتَعْمَل إِذا كانتْ إِلّا وغَيْرُ بعدَ لَيْسَ، ولو كَانَ مَكانَ لَيْسَ غَيْرُهَا من أَلْفَاظ الجَحْد لم يَجُزِ الحَذْفُ، ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السَّمَاع. انتهى كَلامهُ، أَي السِّيرَافِيّ. وقد سُمِع ذلك في قَوْلِ الشاعِر المتقدّم ذِكْرُه، فلا يكونُ لَحْناً، وهذا هو الصَّوابُ الذي نَقَلُوه في كُتُبِ العَرَبِيَّة، وحَقَّقُوه.
  ويُقَالُ: قَبَضْتُ عَشَرَةٌ لَيْسَ غَيْرهَا، بالرَّفْع وبالنَّصْبِ(١)؛ ولَيْسَ غَيْرَ، بالفتْح على حَذْفِ المُضَاف وإِضْمارِ الاسْمِ، ولَيْسَ غَيْرُ، بالضَّمّ(٢)، ويحتمل كَوْنُه ضَمَّةَ بِنَاءٍ وإِعْرَاب(٣)؛ ولَيْسَ غَيْرٌ، بالرَّفْعِ؛ ولَيْسَ غَيْراً، بالنَّصْب(٤)، ولا تَتَعَرَّفُ غَيْرُ بالإِضَافَةِ لشِدَّة إِبْهَامِهَا.
  ونَقَلَ النَّوَويُّ في تَهْذْيب الأَسْمَاءِ واللُّغَاتِ، عن ابْنِ أَبِي الحُسَيْنِ في شامِلِه: مَنَعَ قوم دُخُولَ الأَلف والّلام على غَيْر وكُلٍّ وبَعْضٍ، لأَنَّهَا لا تَتَعَرَّف بالإِضافَة فلا تَتَعَرّف بالّلامَ قال: وعنْدِي لا مَانعَ من ذلك، لأَنَّ الّلامَ ليست فيها للتَّعْريف، ولكنّها الَّلامُ المُعَاقبَةُ للإِضافَة، نحو قَوْله تعَالى: {فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}(٥) أَي مأْواه، على أَنّ «غَيْراً» قد تتعرَّفُ بالإِضافة في بَعْضِ المَوَاضِع. وقد يُحْمَل الغَيْرُ على الضِدّ(٦)، والكُلُّ على الجُمْلَةِ، والبَعْضُ على الجُزْءِ، فيصحّ دُخُولُ الّلام عَلَيْهَا بهذا المَعْنَى. انتهى. قال البَدْرُ القَرَافِيّ: لكِنْ في هذا خُرُوجٌ عن مَحَلّ النِّزَاع كما لا يَخْفَى.
  وإِذَا وَقعَتْ بين ضِدَّيْن ك {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}(٧) ضَعُف إِبْهَامُها أَو زال، قال الأَزْهَريّ: خُفِضت «غَيْر» هُنَا لأَنَّهَا نَعْتٌ «للّذِين»، جازَ أَنْ تكونَ نَعْتاً لِمَعْرفَة، لأَنَّ الَّذِينَ غَيْرُ مَصْمُودٍ صَمْدَه، وإِنْ كانَ فيه الأَلف والّلام. وقال أَبو العَبّاسِ: جعل الفَرّاءُ الأَلِفَ والّلامَ فِيهَا بمَنْزلَة النَّكِرَة، ويجوزُ أَنْ يكونَ «غَيْر» نَعْتاً للأَسماءِ التي في قوله {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهي غَيْرُ مَصْمُودٍ صَمْدَها. قال: وهذا قولُ بعضهم، والفَرّاءُ يَأْبَى أَنْ يَكُونَ «غَيْر» نَعْتاً إِلَّا للَّذين لأَنَّهَا بمَنْزِلَة النَّكْرَة. وقال الأَخْفَشُ: غَيْر بَدَلٌ. قال ثَعْلَب: وليس بمُمْتَنِع ما قَال، ومَعْنَاهُ التَّكْرِيرُ، كأَنّه أَرادَ صراطَ غَيْرِ المَغْضُوبِ عليهم.
  وإِذا كانَتْ للاسْتثْنَاءِ أُعْرِبَتْ إِعرابَ الاسْمِ التالِي الواقِع بَعْدَ إِلّا في ذلك الكَلام وذلك أَنَّ أَصْلَ غيْرٍ صِفَةٌ والاسْتثْنَاءَ عارضٌ فَتُنْصَب في: جاءَ القَوْمُ غَيْرَ زَيْد. وتُجيزُ النَّصْبَ والرَّفْعَ في: ما جاءَ أَحدٌ غَيْر زَيْد. وإِذا أُضيفَتْ لمَبْنِيٍّ جازَ بِناؤُهَا على الفَتْح كقوله، أَي الشاعر:
  لَمْ يَمْنَع الشُّرْبَ منْهَا غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ ... حَمَامَةٌ في غُصُونٍ ذاتِ أَوْ قَالِ(٨)
  وقد أَشْبَعَ ابنُ هِشام القَوْلَ في «غَيْر» بما لا مَزيدَ عليه(٩). واسْتَدْرَك البَدْرُ الدَّمامِينيّ في شَرْحه ما يَنْبَغِي النَّظَرُ لَهُ، والوُقُوفُ بالتَّأَمُّلِ لَدَيْه.
  وتَغَيَّرَ الشيْءُ عن حاله: تَحوَّلَ.
  وغَيَّرَهُ: جَعَلَه غَيْرَ ما كَانَ. وغَيَّرَهُ حَوَّلَهُ وبَدَّلَهُ، وفي التنزيل العزيز: {ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ}(١٠) قال ثعلب: معناه حَتَّى يُبدَّلُوا ما أَمَرَهُم الله. والاسْمُ من التَّغْيير(١١) الغَيْرُ، عن اللّحْيَانيّ، وأَنشد:
  إِذْ أَنَا مَغْلُوبٌ قَلِيلُ الغَيْرِ
  قال: ولا يُقَالُ: إِلّا غَيَّرْت. وذَهَب اللّحْيَانيّ إِلى أَن الغَيْرَ لَيْسَ بمَصْدَر، إِذ لَيْسَ له فِعْلٌ ثُلاثِيٌّ غَيْرُ مَزِيدٍ.
(١) في المغني لابن هشام (غير) ص ٢٠٩: ليس غيرها برفع غير على حذف الخبر، أي مقبوضاً، وبنصبها على إضمار الاسم أي ليس المقبوض غيرها.
(٢) زيد في المغني: من غير تنوين.
(٣) في المغني: ضمة بناء لا إعراب.
(٤) قال ابن خروف: الحركة إعرابية، لأن التنوين إما للتمكين فلا يلحق إلا المعربات، وإما للتعويض، فكأن المضاف إليه مذكور.
(٥) سورة النازعات الآية ٤١.
(٦) عن المطبوعة الكويتية وبالأصل «عن الضد».
(٧) سورة الفاتحة الآية ٧.
(٨) البيت لأبي قيس بن الأسلت وينسب لقيس بن رفاعة وللشماخ. انظر الخزانة ٢/ ٤٥ و ٣/ ١٤٤.
(٩) المغني ص ٢٠٩ وما بعدها.
(١٠) سورة الأنفال الآية ٥٣.
(١١) عن اللسان (ط مصر دار المعارف) وبالأصل «التغيير».