فصل النون مع الراء
  هو الاستِنْشَاقُ وتَحْرِيكُ النَّثْرَةِ وهي طَرَفُ الأَنفِ. وقال الفَرّاءُ: نَثَرَ الرجلُ وانْتَثَر واسْتَنْتَثَر، إِذا حَرَّك النَّثْرَةَ في الطَّهَارَة. قال الأَزهريُّ: وقد رُوِي هذا الحرفُ عن أَبي عُبَيْد(١) أَنّه قال في حَدِيثِ النبيِّ ﷺ: «إِذا تَوضَّأْتَ فأَنْثِرُ»، من الإِنْثار، إِنّمَا يُقَال(٢): نَثَر يَنْثِر، وانْتَثَرَ يَنْتَثِرُ. واستَنْثَرَ يستَنْثِر. وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِذا تَوضَّأَ أَحدُكُم فليَجْعَل المَاءَ في أَنْفه ثمّ لِيَنْثِرْ» قال الأَزْهَريُّ: هكذا رَواهُ أَهْلُ الضَّبْط لأَلفاظ الحَديث. قال: وهو الصَّحيحُ عندي. وقال الأَزهريُّ: فأَنْثِرْ، بقَطْع الأَلِف لا يَعْرِفُه أَهْلُ اللُّغَة(٣).
  وقال ابنُ الأَثِير: نَثَرَ يَنْثِرُ، بالكسْر، إِذا امْتَخَطَ، واسْتَنْثَرَ، اسْتَفْعَلَ منه: استَنْشَق الماءَ ثم استخرَجَ ما في الأَنْف، و [قال الأَزهري](٤) يُرْوَى: فأَنْثِرْ، بأَلف مقطوعة، وأَهلُ اللُغَة لا يُجيزُونه والصّوَابُ بأَلِف الوصل.
  قلْت: ووُجِدَ بخَطِّ الأَزهريّ في حاشية كتابه في الحَديث: «من تَوَضَّأَ فلْيَنْثِر، بالكَسْر. يقال: نَثَرَ الجَوْز والسُّكَّر يَنْثُر، بالضّمّ، ونَثَرَ من أَنْفِه يَنْثِرُ، بالكَسْر لا غير، قال: [و] هذا صَحِيح، كذا حَفِظَه علماءُ اللغة. وقال بعضُ أَهل العلم: إِنّ الاستِنْثَار غَيْرُ الاسْتِنْشَاق، فإِنّ الاستِنْشَاقَ هو إدْخالُ المَاءِ في الأَنْف، والاستِنْثَار هو اسْتِخْرَاج ما في الأَنفِ من أَذًى أَو مُخَاط، ويدُلُّ لذلك الحَدِيث: «أَنَّ النبيّ ﷺ كان يَسْتَنْشِقُ ثلَاثاً، في كُلّ مَرَّةٍ يَسْتَنْثِرُ» فجعل الاسْتِنْثار غيرَ الاستنشاقِ. ويَقرُب من ذلك قَوْلُ مَنْ فَسَّرَه باسْتِخْرَاج نَثِيرِ المَاءِ بنَفَسِ الأَنْف.
  والمِنْثَارُ، بكسر المِيمِ: نَخْلَةٌ يَتَنَاثَرُ بُسْرُها. وفي الأَسَاس: تَنْفُضُ بُسْرَها، كالنّاثِر، وهو مَجاز.
  ومن المَجاز قولُ الشّاعر:
  إِنّ عليهَا فارِساً كعَشَرَهْ ... إِذا رأَى فارِسَ قَوْمٍ أَنْثَرَه
  قال الجوهريّ: طَعَنَه فأَنْثَرَه، أَي أَرْعَفَهُ. وقال غيرُه: طَعَنَه فَأَنْثَرَه عن فَرَسه: أَلْقَاهُ على نَثْرَتِه، أَي خَيْشُومِه، وذكرَهما الزّمخشريّ في الأَساسِ إِلّا أَنّه قال في الأَوَّل: ضَرَبَه، وفي الثاني: طَعَنَه. وأَنْثَرَ الرَّجُلُ: أَخْرَجَ ما في أَنْفِهِ من الأَذَى والمُخَاط عند الوُضُوءِ مثل نَثَرَ يَنْثِر، بالكَسْرِ، نقله الصّاغَانِيّ، أَو أَخْرَج نَفَسَهُ من أَنْفِهِ، وكلاهما مَجاز. وقد عَلِمْتَ ما فيه من أَقْوَال أَئِمَّةِ اللُّغَة، فإِنّهم لا يُجِيزُون ذلك إِلّا أَنّه قَلَّدَ الصّاغانيّ. وقيل: أَنْثَرَ: أَدْخَلَ المَاءَ في أَنْفِه، كانْتَثَرَ واسْتَنْثَرَ، وهو مَرْجُوحٌ عند أَئِمَّة اللّغَة، وقد تَقَدَّم ما فيه ونَبَّهنا على أَنّ الصّحِيحَ أَنَّ الاستِنْثارَ غيرُ الاستِنْشاقِ.
  ومن المَجاز: المُنَثَّرُ، كمُعَظَّم: الرّجل الضَّعِيفُ الذي لا خَيْرَ فيه، شُدّد للكَثرة.
  * ومّما يُسْتَدْرَك عليه:
  دُرٌّ نَثيرٌ ومُنَثَّرٌ ومَنْثُور. وانْتَثَرَتِ الكَوَاكبُ: تَفَرَّقت أَو تنَاثَرَت كالحَبِّ.
  والنَّثِرُ، ككَتِف: المُتَساقِط الذي لا يَثْبُت، هكذا فسَّر ابنُ سِيدَه ما أَنشده ثعْلَبٌ:
  هِذْرِيانٌ هَذِرٌ هَذَّاءَةٌ ... مُوشِكُ السَّقْطَةِ ذُو لُبٍّ نَثِرْ
  ووَجَأَهُ فنَثَرَ أَمعاءَه. وهو مَجاز.
  والنَّثَرَ، بالتَّحْرِيك: كَثْرةُ الكلامِ وإِذاعةُ الأَسْرَارِ.
  ويقولُون: ما أَصَبْنَا من نَثَرِ فُلانٍ شيئاً، وهو اسم المَنْثُور من نحوِ سُكَّرٍ وفاكِهَةٍ، كالنّثَارِ(٥).
  ونَثَر يَنْثِر، بالكَسْر، إِذا امْتَخَط.
  والنَّثْرُ: هو الكلامُ المُقَفَّى بالأَسْجَاع ضدّ النَّظْم. وهو مَجاز، على التَّشْبِيه بنَثْرِ الحَبِّ إِذَا بُذِرَ.
  والمَنْثور: نَوْعٌ من الرَّياحينِ.
  وفي الوَعِيد: لأَنْثُرَنَّكَ نَثَرَ الكَرِشِ. ويقال: نَثَرَ كِنَانَته فعَجَمَ عِيدَانَهَا عُوداً عُوداً فوجَدَني أَصْلَبَهَا مَكْسِراً فرمَاكُمْ بي. ونثَرَ قِرَاءَته: أَسرَعَ فيها. وتَفرَّقُوا وانْتثَرُوا وَتَنَثَّرُوا.
  ورأَيْتُه يُنَاثِرُه الدُّرَّ، إِذا حاوَرَه بكلامِ حَسْنٍ.
(١) في التهذيب: أبي عبيدة.
(٢) القول التالي، من كلام الأزهري، كما يفهم من عبارته في التهذيب.
(٣) في التهذيب: وأهل اللغة لا يجيزون «أنثر» من الإنثار.
(٤) زيادة عن النهاية.
(٥) في الأساس: من السكر ونحوه كالنثر بمعنى المنثور.